8 أشهر مرت منذ بدء حركة "أنصار الله" (الحوثيين) شن هجمات مكثفة ومتواصلة على محافظة مأرب وسط اليمن، دون إحراز اختراق ميداني ملحوظ في هذه المحافظة الاستراتيجية.
ورغم نجاح القوات الحكومية في صد الهجمات الحوثية المكثفة حتى الآن، إلا أن الخطر لا يزال يداهم مأرب، لاسيما أن الجيش اليمني لا يزال بعد في مرحلة الدفاع ولم يتحول إلى الهجوم.
لماذا يتشبّث الحوثيون بمحاولات السيطرة على مدينة مأرب؟
منذ بداية فبراير/شباط الماضي 2021، كثف الحوثيون هجماتهم وشددوا الخناق على مدينة مأرب، آخر معاقل الحكومة اليمنية في شمال البلاد، فحاصروها تقريباً من كل الجهات على حساب أرواح العديد من المدنيين. والحوثيون مصممون على السيطرة عليها بالكامل، ما من شأنه تعزيز موقفهم التفاوضي في أي محادثات سلام في المستقبل القريب أو البعيد.
وتعتبر مأرب أهم معاقل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز، واحتوائها على محطة مأرب الغازية، التي كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالتيار الكهربائي.
ويعلن التحالف تقريباً يومياً في الفترة الأخيرة حصيلة قتلى ثقيلة في صفوف الحوثيين الذين يتعرضون لقصفه على أبواب المدينة، وقد تصل إجمالاً إلى ألف. في حين يحرز الحوثيون تقدماً في الميدان، كما يقول تقرير لوكالة "فرانس 24".
ويؤكد كونتان مولر، واحد ضمن قلة قليلة من الصحافيين الذين تابعوا المعارك على جبهة القتال في مأرب، أن "الحوثيين دخلوا في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي في مرحلة حاسمة من حملتهم الهجومية الشرسة بالمنطقة، وهو ما سمح لهم بإحراز تقدم في جنوب المدينة لاسيما في محافظة البيضاء".
وقال الصحفي الأجنبي للوكالة إن إعلان التحالف كمعدل يومي عن مقتل نحو 150 حوثياً جراء غاراته الجوية مؤشر واضح عن احتدام المعارك في المنطقة الغنية بالنفط.
مأرب.. مدينة شبه محاصرة منذ 8 أشهر
وتعد معارك مأرب، هي الأعنف منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل 7 سنوات، وقد أسفرت بشكل غير مسبوق عن وقوع آلاف القتلى بصفوف طرفي النزاع، فضلاً عن تسببها في خسائر بصفوف المدنيين.
وكنتيجة لتقدم الحوثيين، باتت مأرب محاصرة من ثلاث جهات، شمالاً وغرباً وجنوباً، ولا يفك عزلتها سوى الطريق الشرقي باتجاه حضرموت والذي يحظى بمراقبة نحو 40 نقطة تفتيش، على حد قول الصحفي المستقل. ويضيف كونتان مولر قائلاً إن هذه الطريق "هي المنفذ الوحيد بالنسبة إلى القوات الحكومية والمخرج الوحيد للسكان في حال سيطر الحوثيون على المدينة".
وهو ما يشكل مصدر قلق بإمكانية وقوع كارثة إنسانية، علماً بأن مخيمات مأرب والمحافظة التي تحمل الاسم ذاته استقبلت نحو 2,2 مليون نازح (حسب الحكومة) منذ تصعيد الحوثيين لعملياتهم العسكرية بالمنطقة في فبراير/شباط.
وكان المبعوث الأممي الجديد لليمن، الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ، قد دق ناقوس الخطر في 10 سبتمبر/أيلول عندما طالب الحوثيين بوقف هجماتهم، مشيراً إلى أن المدنيين يخشون استمرار العنف فينزحون نحو مكان آخر.
من جهته، دعا مجلس الأمن الدولي الأربعاء 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، في بيان حظي بإجماع أعضائه الـ 15 إلى "وقف التصعيد" في اليمن لتجنب هوس "مجاعة كبيرة"، مشددين على ضرورة "وقف التصعيد من كل الأطراف بما في ذلك وضع حد فوراً لهجوم الحوثيين في مأرب". وطالب المجلس بـ"وقف لإطلاق النار فوري على المستوى الوطني"، مندداً في الوقت ذاته بما سماه "تجنيد الأطفال واستخدام العنف الجنسي في النزاع".
الحوثيون يقاتلون بشراسة وغير مستعدين لوقف هجماتهم
على الأرض، يبدو الحوثيون غير مستعدين لوقف عملياتهم العسكرية في مأرب، خاصة أنهم أحكموا سيطرتهم على العاصمة صنعاء منذ عام 2014 كما أنهم استولوا على جزء كبير من مناطق شمال البلاد.
وفي حال تمكنوا من السيطرة على مأرب، فذلك "يعني أنهم قد تخلصوا من أكبر معقل عسكري موحد في طريقهم"، حسب كونتان مولر الذي يؤكد أن "المدينة هي آخر رموز لمقاومة القبائل والجيش والتحالف ضد الحوثيين".
وليس غريباً أن يشدد الحوثيون الخناق على هذه المنطقة لما تشكله من مخزن لغالبية الموارد النفطية للبلاد ولما تحويه من معالم حضارية بارزة من إرث مملكة سبأ، ما سيسمح لهم باستغلال موقعهم في محادثات السلام المقبلة.
كما أن السيطرة على مأرب من شأنها أيضاً أن تستخدم كموضع قوة في حال تحتم تفكيك البلاد أمام حكومة ستجد نفسها من دون أي مقابل، كما يقول مولر..
وأصبحت مأرب بفرض الأمر الواقع "عاصمة غير رسمية" بالنسبة للحكومة اليمنية منذ خروجها من عدن، وقد نقل إليها قسم كبير من وزارة الدفاع. وهذا دليله أن خسارة المدينة الاستراتيجية سيشكل ضربة جديدة للقوات النظامية وللسعودية على حد سواء.
وأمام ضغوط الأمم المتحدة والولايات المتحدة، يربط الحوثيون وقف إطلاق النار أو المفاوضات بإعادة فتح مطار صنعاء الذي أغلق في ظل حصار سعودي في 2016.
مأرب إلى أين؟
حول مستقبل الأزمة في مأرب، يقول باحثون إن هناك ثلاثة سيناريوهات تنتظر المحافظة التي أنهكتها 8 أشهر من المعارك، وهي إما أن يقبل الحوثيون بالسلام على الحدود التي وضعوها لأنفسهم على الأرض، وتكون هناك مفاوضات مستقبلية لحل الأزمة، أو ينجحون بدخول مأرب، وهو الأمر الذي يواجه رفضاً دولياً واضحاً.
فيما يتمثل السيناريو الثالث بأن يتحول الجيش اليمني إلى مُهاجم، ويصل إلى أطراف صنعاء، ويحصل ضغط دولي على الحوثيين من ناحية عسكرية، من خلال التقدم الميداني في محافظات أخرى مثل الحديدة الساحلية الحيوية (غرب)، والبيضاء (وسط)، والجوف (شمال)".
ويشهد اليمن حرباً منذ نحو 7 سنوات، أودت بحياة أكثر من 235 ألف شخص، وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
وللنزاع امتدادات إقليمية، منذ مارس/آذار 2015، إذ ينفذ تحالف بقيادة الجارة السعودية عمليات عسكرية دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء.