أصبح عمران خان، رئيسَ وزراء باكستان في عام 2018 بعد هزيمة الأحزاب السياسية الراسخة التي كانت تتناوب في الحكومة منذ عقود. لم يكن حزبه "حركة الإنصاف الباكستانية" قوة مؤثرة على الساحة الوطنية، لكنه وعد بـ"تسونامي" من التغيير لإنتاج "باكستان جديدة"، وهو يكافح من أجل الوفاء بهذا الوعد. فكيف ستكون الفترة المقبلة بالنسبة لعمران خان؟
أسباب داخلية وخارجية تعرقل أجندة عمران خان
يقول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية، إنه مع دخول "خان" النصف الثاني من ولايته التي تبلغ خمس سنوات، لا يبشر الوضع بخير، ويرجع ذلك جزئياً إلى الضعف الجوهري لحكومته، وجزئياً بسبب العوامل الخارجية التي تضر بالاقتصاد. وتحتفظ حركة الإنصاف بأغلبية في المجلس الوطني الباكستاني، لكنها لا تسيطر على مجلس الشيوخ؛ مما يعيق قدرة "خان" على تفعيل أجندته التشريعية بالكامل. وعلى الرغم من أنه يواجه معارضة منقسمة فقدت إلى حد ما مصداقيتها، فإنَّ الاقتصاد المضطرب والتوترات في أفغانستان سيؤثران في قدرته على إدارة باكستان والتحضير لانتخابات جديدة.
وصلت حركة الإنصاف إلى السلطة بتحالف الشركاء من مختلف الأطياف. وبحسب تقارير، أقنعت وكالة الاستخبارات العسكرية القوية البعض بالتخلي عن انتمائهم إلى تحالف جماعة الرابطة الإسلامية الباكستانية-نواز، وفي المقابل، الترشح كمستقلين أو الانضمام إلى حركة الإنصاف. فيما كان آخرون "انتهازيين" قفزوا من حزب إلى آخر على مدار حياتهم المهنية. ووجدت حكومة حركة الإنصاف الممزقة هذه صعوبة في التحدث بصوت واحد وتقديم رؤية متماسكة لتحسين الحوكمة. ومع ذلك، استطاعت التأقلم بفضل معارضة منقسمة بالقدر نفسه فشلت في تشكيل تحدٍّ موحد.
الأزمة الاقتصادية في باكستان
أجبرت الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تفاقمت بسبب "كوفيد-19″، خان على طلب المساعدة الخارجية، وضمن ذلك من صندوق النقد الدولي -وهو مؤسسة انتقدها طوال حياته السياسية باعتبارها قوة مهيمنة- ومن كل من الصين والمملكة العربية السعودية. وفي الفترة من 2019 إلى 2020، انخفض معدل النمو الاقتصادي الباكستاني إلى المنطقة السلبية عند -0.4%. لكنه يرتفع الآن بنسبة تتراوح بين 2 و4%، ومع ذلك، لايزال أقل بكثير، من نسبة 7% أو أكثر اللازمة لاستباق معدل النمو السكاني.
وعُلِّق برنامج دعم باكستان من صندوق النقد الدولي، ودُمِجَت المراجعتان السادسة والسابعة في مراجعة واحدة. وسيكون أحد العناصر الرئيسة هو استمرار الوضع المالي السيئ في باكستان وعدم قدرتها على زيادة الإيرادات لتمويل ميزانيتها الموجهة نحو النمو. ويرى كثيرون أنَّ الميزانية الموسعة تمثل انشقاقاً عن السياسات التقشفية الماضية ومحاولة أولى للفوز في الانتخابات المقبلة، من خلال زيادة الإنفاق. كما أنها مبنيَّة على بعض الافتراضات المشكوك فيها حول زيادة الإيرادات، على خلفية انخفاض أسعار الطاقة العالمية. وإذا أمكن الحفاظ على معدلات النمو المتزايدة وجذبَ الإنفاقُ الواضح على مشروعات التنمية الناخبين المحتملين، فهناك احتمال لإجراء انتخابات مبكرة.
ضغوط خارجية على باكستان
بيد أنَّ الخبراء الدوليين ليس لديهم مثل هذه النظرة الإيجابية للآفاق الاقتصادية للبلاد، على الرغم من وجود بصيص أمل. وتتوقع باكستان الحصول على فرصة لالتقاط الأنفاس على المدى القصير بعد تخصيص دفعة لها بقيمة نحو 2.8 مليار دولار أمريكي من حقوق السحب الخاصة في أغسطس/آب مع زيادة القاعدة الرأسمالية في صندوق النقد الدولي.
ارتفعت احتياطيات باكستان من النقد الأجنبي، مدعومة بارتفاع التحويلات. وأدت القيود المفروضة على السفر الجوي إلى إبطاء تدفق العملة غير القانونية؛ مما يجبر الناس على استخدام الأنظمة الرسمية الجديدة والمحسّنة لمصرف دولة باكستان. وتشير التقديرات إلى أنَّ التحويلات في عام 2022 ستكون حوالي 31 مليار دولار أمريكي، على الرغم من التباطؤ الواضح بالفعل. ويبلغ احتياطي النقد الأجنبي حوالي 20 مليار دولار أمريكي، على الرغم من أنَّ معظمها تحت الطلب. ولم يكن لأزمة "كوفيد-19" نفس التأثير المدمر في الهند المجاورة.
لكن الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض. ولا تزال باكستان على "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي الغربية التي تراقب تحركات الأموال غير المشروعة وتمويل الإرهاب -على الرغم من معالجتها 26 من 27 قضية وضعتها في تلك القائمة. ونجحت باكستان في الخروج من تلك القائمة في عام 2015، ولا شك أنها تستطيع فعل ذلك مرة أخرى، لكنها تخشى أنَّ أسباب إبقائها على القائمة الرمادية هي ضغوط سياسية. ومن شأن الأشهر القليلة القادمة توضيح النتيجة المحتملة.
وستكون العلاقات مع الولايات المتحدة حاسمة هنا، خاصةً وأنَّ أفغانستان أصبحت بالفعل تحت سيطرة حركة طالبان بعدما سارعت الولايات المتحدة للخروج بعد 20 عاماً من الغزو. هذا يخلق مشكلات داخلية لإدارة بايدن، وقد تستمر في إلقاء اللوم على باكستان لدعم طالبان. وإذا حجبت الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى الاعتراف الدبلوماسي والمساعدات الاقتصادية عن حكومة يهيمن عليها طالبان، فستواجه باكستان خياراً صعباً.
احتمالات استمرار عمران خان في الحكم
هل يجب أن يعترف عمران خان بحكومة طالبان ويخاطر بأن تصبح باكستان منبوذة دولياً مرة أخرى؟ أم قد تمنحه روسيا والصين والدول العربية غطاءً سياسياً للاعتراف بحكم طالبان في كابول.
سيأتي الاختبار الأول للدعم الأمريكي الضمني لباكستان في أواخر سبتمبر/أيلول أو أوائل أكتوبر/تشرين الأول المقبلين، مع استكمال مراجعة صندوق النقد الدولي. إذا وافق صندوق النقد الدولي على استمرار برنامجه لباكستان، فينبغي افتراض أنَّ الولايات المتحدة تأخذ بالاعتبار مساعدة باكستان في مفاوضات طالبان ومرحلة ما بعد خروج الولايات المتحدة من كابول، أو أنَّ القوى الغربية الأخرى أيدته حتى لو كانت أمريكا فاترةً أو ضده.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، سيحتاج "خان" اختيارَ خليفة لراعيه وشريكه في إدارة باكستان، قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا. ويبدو أنه بنى علاقة وثيقة مع أحد المتنافسين على هذا المنصب ويعتمد عليه؛ وهو المدير العام الحالي للاستخبارات الداخلية، الفريق فايز حميد. وهناك أيضاً احتمال تمديد ولاية باجوا لفترة أخرى، وإن كانت قصيرة. إذا حدث ذلك، فسيتقاعد حميد وغيره من كبار المنافسين قبل انتهاء ولاية باجوا الثالثة.
لكن السياسات المتقلبة لباكستان قد تُغير هذا المشهد، خاصةً إذا كان الاقتصاد يتجه لأسفل. إضافة إلى ذلك، سيعمل الجنرال باجوا على إحداث تغييرات بقيادة كبار ضباط الجيش في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مع تقاعد بعض الجنرالات. ما سيحدث في الأشهر الستة المقبلة قد يحدد القيادة المستقبلية للجيش واحتمالات إعادة انتخاب عمران خان.