يكافح أبناء طائفة "الإيبغو" اليهودية في نيجيريا منذ عقود من أجل الاعتراف بهم كيهود من قِبَل اليهود الآخرين حول العالم، وخصوصاً في إسرائيل، حيث يعتقد "الإيبغو" أن لهم تراثاً يهودياً بوصفهم يشكلون واحدة مما يطلق عليها "قبائل إسرائيل المفقودة"، وأن أجدادهم كانواً يهوداً أصليين وتم تهجيرهم من "الأرض الميعاد المقدسة" في فلسطين إلى غرب إفريقيا منذ نحو 1500 عام.
فما قصة هؤلاء، ولماذا ترفض إسرائيل الاعتراف بيهوديتهم؟
مَن هم يهود الإيبغو في نيجيريا؟
تعد الإيغبو واحدة من أكبر المجموعات العرقية في نيجيريا حيث يتراوح عدد سكانها بين 20 و50 مليون نسمة، فيما يعيش بينهم الآلاف من اليهود يطلقون على أنفسهم "إيبغو أبناء إسرائيل"، كما يقول تقرير سابق لشبكة CNN الأمريكية.
يقول هؤلاء إن أصولهم من "إسرائيل" التي أُخرجوا منها نحو إفريقيا في القرن الثامن قبل الميلاد "عندما هُزمت مملكة بني إسرائيل"، حيث ينسب هؤلاء أنفسهم إلى "أسباط اليهود الضائعة" قائلين إنهم من نسل "عيرى" ابن "جاد" ابن النبي يعقوب، كما يعتقدون.
ويرى هؤلاء أن تقاليد الإيغبو -كختان الذكور والحداد على الموتى سبعة أيام والاحتفال ببداية الشهر القمري وإجراء مراسم الزفاف تحت مظلة- عززت من اعتقادهم بأن لهم تراثاً يهودياً.
ويقول تقرير منشور في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عام 2016، إن الكنائس اليهودية والأحرف العبرية منتشرة في أماكن إقامة "يهود الإيغبو" في نيجيريا، كما يحرص هؤلاء اليهود على "قداسة يوم السبت"، ويقومون باعتمار الكيباه "القبعة اليهودية"، إضافة إلى التزامهم بالعديد من الطقوس اليهودية الأخرى.
ويوجد في مناطق "الإيغبو" في نيجيريا نحو 26 معبداً يهودياً، ويتمركز أغلب هؤلاء في مركز جيحون بالعاصمة أبوجا وفي جنوب نيجيريا، خاصة بمدينة بورت هاركورت.
إسرائيل لا تعترف بهم
يقول تشيدي أغوو، وهو عالم أنثروبولوجيا بجامعة نيجيريا وينتمي إلى عرقية الإيغبو، إن التماهي مع اليهودية لم يظهر إلا في أعقاب الحرب البيافرية الأهلية. فقد خاض الإيغبو حرباً للانفصال عن نيجيريا، ولكنهم خسروا النزاع الوحشي الذي شهدته البلاد بين عامي 1967-1970.
ويضيف أغوو لموقع BBC البريطاني أن "بعض الأشخاص في عرقية الإيغبو كانوا يبحثون عن دفعة معنوية يتشبثون بها، ولذا بدأوا في التفكير في تلك الصلة اليهودية".
وأضاف أغوو أن "هؤلاء اعتبروا أنفسهم أناساً مضطهدين، كما كان اليهود عبر التاريخ، ولا سيما إبان المحرقة النازية"، مردفاً: "من المهين أن نصف الإيغبو بأنهم قبيلة مفقودة تابعة لآخرين، فلا يوجد دليل تاريخي أو أثري يدعم ذلك".
وفي عام 2017، أثير الجدل بشكل كبير حول أصول الإيغبو ويهوديتهم، حيث أعلن حاخامات يهود أرثوذكس في الولايات المتحدة الأمريكية، أن "اختبارات الحمض النووي أثبتت أن الإيغبو ليسوا يهوداً"، في خطوة أثارت الإدانة والغضب من قِبل اليهود النيجيريين، كما تذكر ذلك صحيفة "جروزاليم بوست" الإسرائيلية.
من جهته، يقول الحاخام إليعازر سيمخا وايز، رئيس قسم الشؤون الخارجية بمجلس حاخامات إسرائيل -الجهة التي تبت في الأنساب اليهودية- إنه ليس لديه أي شك في عدم وجود صلة بين الإيغبو واليهود.
وأضاف لـBBC: "يزعم الإيغبو أنهم ينحدرون من النبي جاد، وهو أحد أبناء يعقوب (إسرائيل)، لكنهم لا يستطيعون إثبات ذلك. وفيما يخص التقاليد التي يتحدثون عنها، بإمكانك أن تجد أناساً في مختلف أنحاء العالم لديهم ممارسات يهودية"، حسب تعبيره.
وقال وايز إنه ما لم يتحوّل يهود نيجيريا إلى اليهودية – وهي عملية تتطلب طقوساً عديدة وتشمل المثول أمام محكمة يهودية (وهو أمر غير متاح في نيجيريا)، فلن يتم الاعتراف بهم في إسرائيل.
من جهته، يعتبر اليهودي النيجيري شلومو بن ياكوف فكرة أن يمر يهود الإيغبو بعملية التحول إلى اليهودية بمثابة إهانة، ويقول لموقع هيئة البث البريطانية: "إذا قمنا بالتحول إلى الديانة اليهودية، سينظر إلينا بوصفنا مواطنين درجة ثانية".
ويأمل يهود الإيغبو أن يساعد اعتراف إسرائيل بهم كيهود في تعزيز وجودهم كمجتمع ديني أكثر تنظيماً في نيجيريا، إذ إنه لا يوجد حالياً حاخام أكبر لهم، كما أن العثور على أطعمة مطابقة للشعيرة اليهودية يمثل تحدياً في أحيان كثيرة. فهي تباع في العادة في عدد يسير من المحلات التي يمتلكها يهود أجانب، وبشكل عام، يستهلك اليهود النيجيريون الأطعمة المنتجة محلياً لكي يتمكنوا من اتباع القواعد اليهودية.
ويقول ياكوف لـ"بي بي سي" إنه يرغب بشدة في أن يكون أول حاخام نيجيري، وهو أمر لن يكون إلا إذا درس في مدرسة للحاخامات، أو تتلمذ على يد حاخام محنك، مضيفاً: "بالنسبة لمن يعرف جذوره منا، نحن واثقون من هويتنا".
أزمة إسرائيل مع اليهود السود ليست جديدة
ويرفض حاخامات اليهود الأرثوذكس في إسرائيل الاعتراف بالكثير من اليهود الأفارقة، بل يشككون بيهودية بعض الذين تمكّنوا من الهجرة إلى إسرائيل كيهود إثيوبيا (الفلاشا) والذين يبلغ عددهم أكثر من 170 ألف نسمة، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية.
كما أن هناك عدداً من اليهود المتحدّرين من السودان وغيرها، بالإضافة إلى الذين دخلوا إلى إسرائيل بطرق غير شرعية، ويزيد عددهم عن 20 ألفاً، عدا اليهود الأفرو أمريكيين وعددهم نحو 5 آلاف شخص.
وتسمح إسرائيل لليهود في جميع أنحاء العالم بالاستقرار في إسرائيل والحصول على جنسيتها مباشرة بموجب "قانون العودة" الخاص بها، لكنها لا تمنح هذا الامتياز لأقلية "الفلاشا مورا" السوداء، وهم أحفاد اليهود الإثيوبيين الذين اعتنقوا المسيحية قبل قرن من الزمان -يقولون إن ذلك وقع "تحت الإكراه"- على الرغم من تعريفهم بأنهم يهود أو أنهم ينحدرون من النسب اليهودي.
وما زالت العديد من الجماعات الدينية والأصوات في إسرائيل ترفض الفلاشا وتشكك في يهوديتهم وتتهمهم بجلب الأمراض، متهمين في الوقت نفسه الساسة الإسرائيليين وزعماء الأحزاب بأنهم يدعمون هجرة الفلاشا رغبة في الحصول على قوة سياسية خلال الانتخابات.
كما أنهم يحتاجون إلى إذن خاص للهجرة إلى إسرائيل وبموافقة استثنائية من مكتب رئيس الوزراء، وعند وصولهم إلى إسرائيل يجب أن يخضعوا لعملية "تصحيح عقدي"، حتى لو كانوا يمارسون اليهودية بالفعل.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وافقت إسرائيل على خطة لإحضار من تبقى من يهود الفلاشا، حوالي 10 آلاف شخص، إلى أراضيها بحلول نهاية عام 2020. لكن بعد بضعة أشهر من القرار، قال مكتب رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إنه لن يتابع الخطة بسبب قيود الميزانية. منذ ذلك الحين، سمحت إسرائيل لحوالي 2000 من الإثيوبيين بالهجرة فقط لإسرائيل.
ولا يُثار هذا الجدال ضد المهاجرين غير اليهود من الاتحاد السوفييتي، الذين وصل عددهم لأكثر من 300 ألف شخص في إسرائيل، إذ يعتبر باحثون أن الهجرة من تلك الدول هي خِلاف الهجرة من إثيوبيا، لأنها تحافظ على الهيمنة "الاشكنازية البيضاء" مقابل الطوائف الأخرى.
ويقول اليهود الأفارقة إنهم يواجهون دوماً التمييز والعنصرية ويتعرضون للاستخدام المفرط للقوة من قِبَل الشرطة، وبسبب ذلك تندلع مواجهات واسعة بينهم وبين الشرطة من حين لآخر، في حين يواجه الكثير منهم صعوبة في الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، وترتفع بينهم معدلات الفقر والبطالة والجريمة.
إذ يعيشون بأحياء فقيرة ومهملة وأحياء من صفيح على أطراف المدن القائمة، كما هو الحال في مدينتي الخضيرة والعفولة المحتلتين، حيث تتزايد نسبة المعتقلين الجنائيين بينهم وتبلغ نحو 40% خصوصاً من الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة.