يوصف إريك زمور كثيراً بأنه ترامب الفرنسي، ولكنّ كثيراً من المراقبين يرون أنه أخطر من ترامب، وأنه يتفوق عليه تحديداً في قدرته على التأثير على الجماهير.
وزمور، صحفي يميني معتاد على الظهور التلفزيوني، ولكن صعوده واحتمال ترشحه للرئاسة، يزعج اليمين المتطرف والمؤسسة السياسية التقليدية المحافظة على حد سواء في البلاد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
وإريك زمور هو سليل مهاجرين جزائريين اشتهر بمواقفه الشديدة المناهضة للمهاجرين. إنه مفكر فرنسي كلاسيكي يلعب على نزعة معاداة المثقفين لدى شريحة من الناخبين فرنسي الأصل.
وكان إريك زمور قد أثار جدلاً واسعاً بعد تصريحاته الداعمة لما قاله الرئيس ماكرون حول "عدم وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي"، مؤكداً أن فرنسا هي من صنعت الجزائر طيلة 132 عاماً.
يقول برنارد كوتريس، أستاذ العلوم السياسية في معهد باريس للدراسات السياسية: "ما قد يكون خطيراً هو أن ما يقوله، والطريقة التي يدير بها حملته، والقضايا التي يتناولها، هي قضايا متفجرة للغاية. في أي وقت تُذكر فيه قضية الهوية، تكون النهاية سلبية. هذا الهوس بقضية الهوية الوطنية هو ليس بالأمر الخطير للغاية، لكنه يخلق مناخاً سلبياً، وأجواء تشاؤمية".
وقد أدت مغازلة زمور الجادة للمشاعر الشعبوية مع احتمال خوضه لانتخابات الرئاسة في 2022 إلى إثارة الحالة المزاجية ورفع المخاطر في الانتخابات التي يعتقد الكثيرون أنها ستشهد منافسة ساخنة مثلما حدث في الجولة الثانية لعام 2017 بين الرئيس إيمانويل ماكرون والمرشحة اليمينية المتطرفة، مارين لوبان.
زمور قد يهزم لوبان في الجولة الأولى ولكن ماذا سيحدث إن واجه ماكرون؟
وقد أظهر استطلاع أجرته مؤسسة Harris Interactive مؤخراً أن زمور يتفوق على لوبان ومرشح اليمين التقليدي، الجمهوريين، في الجولة الأولى من السباق الرئاسي.
وتظهر جميع استطلاعات الرأي أنه سيخسر أمام ماكرون في الجولة الثانية. لكن فرنسا في مزاج سياسي متقلب، ويتساءل العديد من المراقبين عما إذا كان هجوم إرهابي آخر أو موجة قاسية من كوفيد يمكن أن تمنح زمور فرصة للتغلب على ماكرون، حسب The Independent .
في الوقت الحالي، أصبحت هيئته الهزيلة تظهر على أغلفة المجلات، وترشحه المحتمل أصبح موضوع البرامج الحوارية وتحليلات الصحف. ويتساءل الكثيرون عما إذا كان الحديث عنه سوف يغذي صعوده، بنفس الطريقة التي ساهم بها التلفزيون الأمريكي بمليارات من الإعلانات المجانية لحملة ترامب الانتخابية في عام 2016 بسبب هوسهم به.
يقول دومينيك سوبو، رئيس SOS Racisme، وهي مجموعة تركز على التمييز: "إن خطابه، الذي تتناقله العديد من وسائل الإعلام بتهاون، والذي ساهم في خلق هذه الشخصية، يخاطر بالتأثير على جو وجدول أعمال الانتخابات الرئاسية، من خلال توجيه الأحزاب والمرشحين نحو المزيد من العنصرية والكراهية".
وقد كان الصحفي والكاتب البالغ من العمر 63 عاماً، والذي كتب العديد من الكتب الأكثر مبيعاً، عنصراً أساسياً في البرامج الحوارية التلفزيونية، حيث صنع لنفسه اسماً بتصريحات مثيرة للجدل حول النساء والمسلمين والمثليين والتي وضعته مراراً وتكراراً في ورطة مع السلطات الفرنسية.
دعا النساء البيض إلى إنجاب مزيد من الأطفال لمواجهة المسلمين
وفي خطاب ألقاه في المجر في الشهر الماضي، حث البيض الأوروبيين على إنجاب المزيد من الأطفال، وقال: "نحن واقعون بين ديموغرافيا إسلامية ضخمة وبين هذا الخطاب التفكيكي باسم المساواة بين الرجل والمرأة، وباسم حرية المثليين".
وعندما سُئل عن سياساته المحددة خلال مقابلة طويلة مع LCI، شبكة التلفزيون الفرنسية، أجاب، مثل ترامب، بالتفاخر بالحشود التي يجذبها إلى تجمعاته.
يعادي المرأة وأنصاره يميلون للعنف
ومثل ترامب، اشتهر بتعليقاته المعادية للمرأة، حتى أنه كتب كتاباً يدين دور المرأة في المجتمع.
وكتب في كتابه المعنون بـ"The First Sex": "عادة ما تُفسر حالة الركود الفكري والاقتصادي في أوروبا عموماً بشيخوخة سكانها. لكننا لا نفكر أبداً -أو لا نجرؤ أبداً على التفكير- في أن السبب يرجع إلى تأنيثها".
ومثل الرئيس الأمريكي السابق، فإن أنصاره يميلون للعنف، كما حدث عندما هاجمت عصابة مؤيدة لزمور قسيساً وأصدقاءه في حانة في مدينة ليل في وقت سابق من هذا الشهر. كما يهاجم جيشه السيبراني منتقديه بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد حضر الآلاف مسيراته، ويحتشد الكثيرون حوله عندما يظهر بشكل مرتجل في الأحياء والبلدات.
الفرق بينه وبين ترامب
لكن على عكس ترامب، فإن زمور نحيف وحاد ويتحدث بطريقة واضحة وإن كانت متلاعبة عن السياسة وتراجع التصنيع وعن الاقتصاد الفرنسي والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين عبر التاريخ.
أحد العناصر الرئيسية لجاذبية زمور هو مزيج من التعصب اليميني مع نظرة ليبرالية كلاسيكية حول الاقتصاد. وهو ينظر إلى الدولة الفرنسية على أنها متضخمة وبحاجة إلى إصلاح جذري، على عكس لوبان، التي تدعو إلى مزيد من الإنفاق الاجتماعي.
لقد تسببت زيادة عدد مناصريه في نشر حالة من الفوضى في معسكر لوبان، مع ارتفاع حدة الجدل حول كيفية مهاجمته فكرياً مع تجنب إغضاب مناصريه.
ماكرون ساعد على صعوده
مهد ماكرون لصعود زمور عبر سحقه لاحتكار حزبين لمنصب الرئاسة منذ فترة طويلة مع خوضه انتخابات عام 2017، حينها هُمش الاشتراكيون والمحافظون الذين هيمنوا على السياسة الفرنسية منذ الحرب العالمية الثانية. وسواء كان ذلك عن قصد أم بغير قصد، أوجد ماكرون واقعاً سياسياً سيُعرض فيه على الناخبين في ظل نظام الانتخابات الرئاسية الفرنسية على مرحلتين الاختيار بينه وبين مرشح اليمين المتطرف، سواء كانت لوبان أو زمور.
وأيضاً مهد السياسيون من اليمين واليسار على حد سواء طريق زمور، وهم الذين كانوا يغازلون بشكل متزايد أفكار اليمين المتطرف حول الهجرة والإسلام. لقد كان استعدادهم لتوسيع الحدود المقبولة للخطاب الفرنسي حول هذه الأمور هو ما يجعل خطاب زمور مستساغاً.
إنه انعكاس للمؤسسة الحاكمة في فرنسا
إن ادعاءه الكاذب بأن حكومة فيشي العميلة الفرنسية المدعومة من النازيين أنقذت يهود فرنسا في الأربعينيات هو انعكاس لرفض المؤسسة الفرنسية طويل الأمد للتصدي لماضيها المظلم. وبينما كان يشوه سمعة المهاجرين من الجزائر، ظهر ماكرون مؤخراً ليشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي.
وعلى الرغم من تصريحاته المثيرة للجدل، فقد كان زمور حتى وقت قريب كاتب عمود في Le Figaro، الصحيفة الفرنسية اليومية واسعة الانتشار التي تنتمي لليمين المعتدل.
لكن البعض يقولون إن إدانة زمور بتهمة التحريض يجب أن تحرمه من الترشح للرئاسة. وكتب الباحث القانوني توماس هوتشمان: "يحتوي القانون الفرنسي على آليات لحماية الديمقراطية الليبرالية. وعدم أهلية العنصريين المدانين من قبل المحاكم هو واحد منهم".
هناك أيضاً العقبات اللوجستية التي تتمثل في الحصول على توقيعات من 500 مسؤول منتخب من 30 إدارة فرنسية على الأقل يؤيدون ترشيحه.
هذه الأشياء دفعت البعض للتشكيك في نيته خوض انتخابات الرئاسة.
لكن زمور في مقابلة الشهر الماضي قال: "هناك أشخاص يدفعونني منذ سنوات عديدة لأن أكون مرشحاً، ويعتقدون أنني أمتلك الأفكار الصحيحة لفرنسا".
أخطر أدواته المناظرات.. أنصار ماكرون يخشون المواجهة بينهما
وبالإضافة إلى أن زمور موهوب في العمل السياسي، فإنه ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره مناظراً ممتازاً، فهو يثير حيرة من أجرى معهم المقابلات. ويخشى الكثير من اليسار الفرنسي من حدوث مناظرة بينه وبين ماكرون قبل انتخابات 10 أبريل/نيسان.
ففي مقابلة مع LCI الشهر الماضي، قال زمور إن السياسة الفرنسية أصبحت متوقعة، وإن الجميع يعلم أن ماكرون سيهزم لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات. النداء واضح: لماذا لا نصوت لزمور ونغير الأمور قليلاً؟
يقول كوتريس: "لديه القدرة على المجادلة والدفاع عن وجهات نظره في المقابلات الصعبة. لا يزال مؤيدو مارين لوبان يعانون من سوء أدائها ضد ماكرون في عام 2017. وما يجذب الناخبين اليمينيين المتطرفين والمتشددين هي قدرة زمور المحتملة على الهيمنة على ماكرون في المناظرات".