لفترةٍ من الوقت، كانت الولايات المتحدة تبيع مقاتلات إف-15 للمملكة العربية السعودية. وفي عام 2011، ذكرت شبكة CNN الأمريكية أن الولايات المتحدة توصَّلَت إلى اتفاقٍ مع السعوديين لتبيع لهم مقاتلات إف-15 بقيمة ما يقرب من 30 مليار دولار.
وتضمَّنَت الصفقة 84 طائرة جديدة من طراز إف-15 إس ايه، وتحديث 70 طائرة موجودة بالفعل، إلى جانب "الذخائر وقطع الغيار والتدريب والصيانة واللوجستيات"، كما قال أندرو شابيرو، مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية آنذاك للشبكة الأمريكية.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقَّعت شركة بوينغ الأمريكية عقداً بقيمة 9.8 مليار دولار، لأعمال التحديث والتصميم لأسطول إف-15 السعودي، حسب ما جاء في موقع Flight Global.
السعودية تحول مقاتلات إف-15 لسلاح أكثر فتكاً
لكن في الأسبوع الماضي، استخدم سلاح الجو الملكي السعودي مقاتلات إف-15 سترايك إيغل الأمريكية لإطلاق صواريخ "هاربون"، في جزءٍ من "مناوراتٍ بحرية ثنائية" مع باكستان، وأُطلِقَ على التدريب اسم "نسيم البحر 13".
وذكر موقع The Drive الأمريكي أن "مقاتلات إف-15 إس ايه التي تديرها القوات الجوية الملكية السعودية أظهرت إحدى القدرات الأقل شهرة لدى هذه المقاتلات، ألا وهي ضرب السفن الحربية وغيرها من القطع البحرية باستخدام صواريخ بوينغ هاربون المضادة للسفن".
وأظهرت القوات الجوية السعودية أيضاً قدرتها على ضرب مثل هذه الأهداف على مسافةٍ كبيرة، بطائرات إف-15 المُسلَّحة بصواريخ هاربون، والتي تحلِّق دون توقُّفٍ إلى سواحل باكستان بدعمٍ من الناقلات.
ونشر معهد تحليل الدفاع الدولي أيضاً مقطع فيديو للتدريب، فيما أشار موقع The Drive أيضاً إلى أنه من النادر أن تحمل مثل هذه المقاتلات ذلك النوع من الصواريخ.
وقال الموقع: "في حين إن مقاتلات إف-15 إس ايه والمشتقات المتقدِّمة الأخرى من إف-15 سترايك إيغل التابعة لسلاح الجو الأمريكي معروفة بقدرتها على حمل مجموعة واسعة من الذخائر ذات التوجيه الدقيق، لا تُرى هذه المقاتلات في الأغلب تحمل صواريخ هاربون المضادة للسفن".
وأضاف الموقع: "بخلاف كوريا الجنوبية، فإن المملكة السعودية هي المُشغِّل الوحيد المعروف بإدماج صواريخ هاربون في هذه المقاتلات. ومع ذلك، تشتري قطر أيضاً صواريخ مضادة للسفن لأسطولها من طائرات إف-15 كيو ايه".
ما هي صواريخ هاربون؟
هاربون أو (Harpoon) هو صاروخ أمريكي مضاد للسفن من إنتاج شركة بوينغ الأمريكية أنتج عام 1977 ولا يزال حتى الآن في الخدمة، صنعت منه شركة بوينغ أكثر من 7000 قطعة، ويبلغ وزن الصاروخ حوالي 600 كغم والرأس الحربي 200 كغم.
وتعد صواريخ هاربون من أشهر الصواريخ المضادة للسفن في العالم، ويستخدمه الجيش الأمريكي إضافة إلى نحو 30 دولة أخرى حول العالم، ويمكن إطلاق من البر والبحر والجو.
ويتم تشغيل صاروخ هاربون بواسطة محرك توريني Teledyne / CAE J402 في قسم الدفع A / B44G-1، مما يمنحه أقصى مدى يبلغ حوالي 185 كم للإصدار الذي يتم إطلاقه من الجو، و140 كم عند إطلاقه من السفن.
يقول موقع شركة "بوينغ" الأمريكية، إن صاروخ "هاربون" يستخدم نظام توجيه متميز يمكنه من تتبع الهدف حتى عندما يتم قطع التوجيه الخارجي. ويعد الصاروخ مخصص للعمل في كل أجواء الطقس ويستطيع التحليق على ارتفاعات منخفضة على سطح البحر بصورة تجعل اكتشافه من قبل العدو في غاية الصعوبة، ويستخدم رادار إيجابي لتتبع الهدف.
كما أن النسخة المطورة من الصاروخ "بلوك 2" تستخدم تقنيات متطورة تجعلها أقل تكلفة، بحسب الشركة المصنعة. وتستخدم النسخة المطورة نظام توجيه مزدود يعتمد على نظام التموضع العالمي (جي بي إس) ونظام الملاحة بالقصور الذاتي (آي إن إس)، التي تسمح له بمتابعة مساره نحو الهدف حتى في غياب التوجيه الخارجي.
وتمكن ميزة الجمع بين نظامي التوجيه "جي بي إس" و"آي إن إس" الصاروخ من استعادة مساره الدقيق في منتصف الرحلة ويجعله قادر على التفرقة بين الهدف الأساسي وأي أهداف أخرى قد تظهر بعد إطلاقه.
ويوجد 5 نسخ من صاروخ هاربون الأمريكي، وهي:
- هاربون إيه: يتم إطلاقه من الجو.
- هاربون آر: يتم إطلاقه من السفن الحربية.
- هاربون يو: يتم إطلاقه من الغواصات.
- هاربون جي: للهجوم البري.
- هاربون إم: صاروخ موجه.
هل يمكن للسعودية الاعتماد على ذاتها بتطوير وصناعة الأسلحة؟
كانت السعودية قد أعلنت في وقت سابق من العام الجاري، خططاً لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعة الأسلحة محلياً، مع الوصول في عام 2030 لهدف إنفاق نحو 50% من ميزانيتها العسكرية على المصادر المحلية.
وبطبيعة الحال، من شأن بناء المزيد من أنظمة الأسلحة في الداخل تقليل حاجة الرياض إلى استيراد الغالبية العظمى من عتادها العسكري وذخائرها وقطع غيارها، كما تفعل حالياً.
وفي الوقت الحاضر، تعتبر المملكة واحدة من أكبر مستوردي المعدات العسكرية في العالم. ويقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، إن اعتماد المملكة الكبير تحديداً على الولايات المتحدة والدول الغربية في توريد أنظمة الأسلحة يضعها في موقف ضعف في بعض الأحيان.
وجمَّدت إدارة بايدن مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات إلى الرياض مطلع 2021، بسبب حربها المدمرة في اليمن، وتفكر في بيعها أسلحة "دفاعية" فقط في المستقبل. ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة تساعد المملكة بنشاط في بناء قدراتها الدفاعية، ودعم جهودها لتوطين تصنيع الأسلحة.
بعد وقت قصير من تولي الرئيس بايدن منصبه، أسست الشركة السعودية للصناعات العسكرية -وهي شركة دفاع مملوكة للدولة- شراكة مع شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية العملاقة للطيران والفضاء، التي وفقاً لبيان الشركة السعودية للصناعات العسكرية: "ستطور القدرات المحلية من خلال نقل التكنولوجيا والمعرفة، وتدريب القوى العاملة السعودية على تصنيع المنتجات وتقديم الخدمات للقوات المسلحة السعودية".
إضافة إلى ذلك، ستساعد "لوكهيد مارتن" السعودية في إنشاء نظام دفاع صاروخي بقيمة 15 مليار دولار، إذ تتعرض المملكة لهجمات من صواريخ وطائرات بدون طيار تابعة للحوثيين.
وتقول إميلي هوثورن، محللة منصة Stratfor للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لموقع Middle East Eye: "لقد أحرزت السعودية تقدماً كبيراً في بناء صناعة الأسلحة محلياً، لاسيما فيما يتعلق بتطوير أنظمة الأسلحة الأرضية والإلكترونيات والقنابل الذكية". وأضافت: "لكن هدف إنفاق 50% من الميزانية العسكرية للمملكة في الداخل لا يزال بعيد المنال وغير مُرجَّح".
وأشارت إميلي إلى أنَّ المملكة لا تزال تعتمد اعتماداً كبيراً على المصادر والواردات الأجنبية من أجل "الأسلحة والطائرات والسفن ذات التكنولوجيات المتطورة". وتابعت: "نجحت الرياض في تحويل بعض الأموال التي كانت مخصصة سابقاً للواردات إلى تطوير بدائل محلية، وجنت الفوائد من حيث توظيف السعوديين، لكن الهدف المتمثل في الانتقال من الإنفاق المحلي بنسبة 2% في 2018 إلى 50% بحلول عام 2030 غير واقعي، إذا كانت الرياض تريد تعزيز قدراتها والحفاظ على ترسانة من أفضل المعدات".