منع للسفر وانشقاقات مزعومة ودعوة لحل الحكومة.. هل بدأ الجيش السوداني انقلابه على المدنيين بالسلطة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/13 الساعة 20:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/13 الساعة 22:19 بتوقيت غرينتش
رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مع أعضاء المعارضة السودانية أثناء توقيع اتفاق تسليم السلطة/رويترز

في تطور خطير، منعت المخابرات السودانية سفر مسؤولين بالحكومة، منهم عضو مدني في مجلس السيادة ووزير، وسط أزمة تشل البلاد، جراء إغلاق موانئ الشرق السوداني، أعقبتها دعوة من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لحل الحكومة، فهل يكون كل ذلك تمهيداً لحدوث انقلاب عسكري في السودان؟

وذكر موقع "سودان تربيون" الإخباري، أن مسؤولي الأمن في مطار الخرطوم منعوا عضو لجنة التفكيك، صلاح مناع، من السفر إلى القاهرة "بحجة وجود اسمه على لائحة المحظورين"، قبل أن يُسمح له لاحقاً بالمغادرة.

ونقل الموقع عن قيادات في الحكومة لم يسمها القول، إن قائمة الحظر تضم 11 مسؤولاً بالدولة، أغلبهم مسؤولون في لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، بجانب عضو في مجلس السيادة.

وفور معرفة الخبر، شكل وزير شؤون مجلس الوزراء، خالد عمر، لجنة تقصٍّ مشتركة بين مجلس الوزراء وجهاز المخابرات للتحقيق حول الواقعة، ومعرفة تفاصيلها، ومن يقف خلفها من المسؤولين.

وذكرت صحيفة "السوداني"، أن "بعض ضباط وأفراد القوات النظامية رفضوا تطبيق الأمر كونه غير قانوني، ويخالف الإجراءات الرسمية التي يجب اتباعها".

وكشفت مصادر في الحكومة الانتقالية أن جهاز المخابرات العامة السوداني، أبلغ أمس الثلاثاء سلطات أمن المطارات بحظر مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة من السفر، أبرزهم عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان المشهور بانتقاداته للعسكريين ووزير مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، وأعضاء لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية. 

وأفادت تقارير بأن مجلس السيادة السوداني قام بتعديل لائحته الداخلية، بمنع سفر أي من أعضائه دون الحصول على إذن مسبق، ما أثار الكثير من التكهنات حول أهداف القرار وتوقيته، وما إذا كان المقصود به أعضاء بذاتهم.

 وحسب المصادر السودانية، فإن المادة المضافة إلى اللائحة الداخلية تنص على أنه لا يجوز لعضو مجلس السيادة السفر إلى خارج البلاد إلا بإذن مسبق من رئيس المجلس، بناء على طلب كتابي يوضح فيه وجهته وسبب سفره إلى أي دولة حال كانت الدعوة رسمية، وعليه أن يناقش طلب الزيارة في اجتماع لمجلس السيادة وأمام جميع الأعضاء للموافقة عليه.

انشقاق داخل القوى المدنية يُعتقد أنه مدفوع من العسكريين

في غضون ذلك، يواصل رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك سلسلة اجتماعات مع التحالف الحاكم ومنشقين عنه، وفقاً لمبادرته الرامية لتوحيد "قوى الثورة"، حيث اجتمع في  سلسلة لقاءات غير نظامية مع أطراف الحرية والتغيير، تناولت الخلافات بين المنشقين عن تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير وأعضاء التحالف الموقعين على الوثيقة الدستورية، وأبرزهم وزير المالية جبريل إبراهيم وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، وأطلق أفراد هذه المجموعة على أنفسهم قوى إعلان الحرية والتغيير أيضاً.

ووفقاً لما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصدر مطلع، فإن قوى إعلان الحرية والتغيير رفضت مقترحاً بعقد لقاء مشترك بين الفريقين، بصفتهما قوى إعلان حرية وتغيير، ما اضطر رئيس الوزراء لعقد اجتماع غير رسمي تحت لافتة "قادة سياسيين"، ظل مستمراً حتى وقت متأخر من ليل أمس، دون أن تخرج منه معلومات بما حدث.

وكانت مجموعة قد انشقت من تجمع الحرية والتغيير، تضم أعضاء في الحكومة، ممثلين وفقاً لاتفاقية سلام جوبا، أبرزهم وزير المالية جبريل إبراهيم، وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، وهم مشاركون في الحكومة الانتقالية بأكثر من وزارة، واتهموا التحالف الحاكم بإقصائهم واختطاف الثورة من الثوار.

ويقول التحالف المدني الحاكم، إن هذا الانشقاق مرتبط بمحاولة انقلابية بيضاء يسعى العسكريون في مجلس السيادة لتنفيذها، والتملص من نصوص الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، والتي حددت بوضوح شراكة التحالف والعسكريين في الحكومة الانتقالية، وذلك باصطناع تحالف ثان باسم "الحرية والتغيير" يربك المشهد، ويتيح الفرصة للعسكريين الزعم بأن هناك تحالفين باسم الحرية والتغيير، ما يتيح لهم الفرصة لإلحاق المجموعة المنقسمة والمقربة منهم، حسبما ورد في جريدة الشرق الأوسط.

العسكريون غيروا موعد تسليم السلطة لأجل غير محدد

حدد الإعلان الدستوري، المُوقع في أعقاب انتفاضة 2018-2019 التي أطاحت بالرئيس عمر البشير، موعداً لتسليم قيادة مجلس السيادة في مايو/أيار 2021. غير أن اتفاق سلام مع بعض المتمردين في  البلاد تم توقيعه في أكتوبر/تشرين الأول عدل المواعيد بشأن تسليم السلطة دون تحديد تاريخ جديد

وكان محمد الفكي سليمان، وهو أحد أعضاء مجلس السيادة من المكون المدني، قد وجَّه اتهاماً صريحاً للمكون العسكري، شريك السلطة الانتقالية في البلاد، بمحاولة السيطرة على الأوضاع السياسية، معتبراً ذلك "انقلاباً حقيقياً أو ما يعرف بالانقلاب الأبيض".

وقال سليمان إن تسليم السلطة للمدنيين ليس شيئاً ثانوياً، مضيفاً أنه يفضل اقتراحاً بأن يتم ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وازداد وضع الحكومة تأزماً بعد اندلاع الأزمة في شرق السودان، التي أصابت البلاد بالشلل، نتيجة منع العمل في موانئ البلاد التي تقع كلها في الشرق، كما يواصل المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة التصعيد بإغلاق أنابيب النفط والمرافق الحيوية الأخرى في توقيت حرج للغاية من المرحلة الانتقالية.

وتفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة الأزمة بين طرفي الحكومة الانتقالية في السودان، وسط تقارير عن فشل ثلاث مبادرات قادتها شخصيات سياسية نهاية الأسبوع الماضي، لإقناع الشقين المدني والعسكري بالجلوس معاً لإيجاد حلول للمشكلات الملحة التي تواجه البلاد، وعلى رأسها أزمة شرق السودان.

انقلاب عسكري في السودان

 وصدّر العسكريون أزمة الشرق للجناح المدني في السلطة، وسط حديث عن انقلاب مزعوم، أعقبه اتهام من قبل الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع للسياسيين المدنيين بالتسبب في "الانقلابات العسكرية"، من خلال التنازع على المناصب وعدم الالتفات لمطالب الشعب، بينما تتهم قيادات الحرية والتغيير (المكون المدني في الفترة الانتقالية) العسكريين بعرقلة الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد.

 وفي مواجهة مطالبات من القوى المدنية بفض الشراكة مع الجناح العسكري في السلطة، قال رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قبل أيام، إن حل الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد لا يأتي إلا بحل الحكومة، مشيراً إلى أن الشق العسكري يرفض الاستمرار في الشراكة بشكلها القائم.

وطالب البرهان بتوسيع مشاركة الأحزاب السياسية في الحكومة الانتقالية، ‎وتشكيل مجلس تشريعي يمثل كل الشعب "عدا المؤتمر الوطني".

ورفض البرهان تحميل العسكريين مسؤولية تفاقم الأوضاع الأمنية في البلاد، بما في ذلك أزمة إغلاقات شرق السودان.

وفي تأكيد على أن اليد العليا في السلطة هي للعسكريين، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، إن المكون العسكري لن يسلم الشرطة والمخابرات إلا لرئيس منتخب، باعتبارهما جهازين عسكريين، واتهم الحكومة المدنية بأنها تريد السيطرة على الجهازين لممارسة البطش واستعادة حكم "قراقوش"، حسب تعبيره، وفي الوقت ذاته نفى وجود أي شروط أو حديث حول تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين وفقاً للوثيقة الدستورية.

من جانبه، نفى فولكر بيترس، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، أن يكون قد طلب حل الحكومة الانتقالية في السودان، مشدداً على أن هذا الأمر شأنٌ سوداني بحت، وفق قوله.

 وأشار المبعوث الأممي إلى أن على المكونين العسكري والمدني في السودان إيجاد طريقةٍ للمضي قدماً على أساس الاتفاقيات السياسية السابقة والوثيقة الدستورية.

هل يمهد الجنرالات إلى انقلاب عسكري في السودان؟

ويمكن النظر إلى كل ما يحدث بأنه يأتي في إطار عملية تهميش وإقصاء تدريجي للمكون المدني في السلطة، بدءاً من التنصل من موعد تسليم السلطة، وصولاً إلى تحميله أزمة الشرق التي قد تكون مفتعلة أصلاً من قبل الجنرالات، ثم المطالبة بحل الحكومة، وتعزير أو افتعال الانشقاقات داخل قوى الحرية والتغيير، لتصبح هناك أكثر من قوة مدنية، وهو ما يعلي من يد العسكريين لأنهم موحدون، وأخيراً منع مسؤولين مدنيين من السفر، والذي قد يكون تمهيداً لتنفيذ عملية اعتقالات ضدهم.

وكل ذلك جاء بسبب خارطة الطريق التي أصرت عليها القوى المدنية التي يقودها اليسار، والتي رفضت إجراء انتخابات سريعاً، خوفاً من تحقيق الإسلاميين فوزاً بها، فقررت تأجيل الانتخابات لأكثر من ثلاث سنوات، وأن تحتكر تمثيل المكون المدني في شراكة الحكم التي أعلت فعلياً من شأن العسكريين وعززت سيطرتهم على البلاد، رغم أنهم رجال البشير.

بينما تُرك الشأن السياسي والاقتصادي المعقد للقوى المدنية التي بدورها تتنازعها الخلافات، كما أنها نظراً لكونها قوة غير منتخبة لا تستطيع ادعاء احتكار تمثيل الشعب، ومن السهل أن تخرج قوى أخرى تطالب بنصيبها من السلطة، بنفس الطريقة القائمة على الضغوط الاحتجاجية التي أوصلت قوى الحرية والتغيير للسلطة.

والنتيجة دخول البلاد في شلل اقتصادي وأمني يجعل المواطن يبحث عن استقرار سيسارع العسكريون للقول إنهم قادرون على تحقيقه.

تحميل المزيد