كثير من الشروط قليل من الوعود.. ماذا حدث في أول مفاوضات بين أمريكا وطالبان بعد انتصار الحركة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/13 الساعة 14:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/13 الساعة 14:47 بتوقيت غرينتش
وفد طالبان مع المسؤولين القطريين في الدوحة/رويترز

رغم التصريحات الإيجابية عن المفاوضات بين أمريكا وطالبان، التي عُقدت مؤخراً في الدوحة، فإنها تنطوي على إشكاليات كبيرة، قد يدفع ثمنها الشعب الأفغاني.

وأجرت الولايات المتحدة وحركة طالبان، يوم الأحد، محادثات في الدوحة للمرة الأولى، بعد الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية، في أغسطس/آب.

إذ سافر وفد أمريكي رفيع، بما في ذلك نائب الممثل الخاص للمصالحة في أفغانستان، توم ويست، ونائب مدير وكالة المخابرات المركزية، ديفيد كوهين، والمسؤولة الإنسانية الكبيرة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، سارة تشارلز، إلى الدوحة، لحضور أول لقاء رفيع المستوى من هذا القبيل مع طالبان منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، في نهاية أغسطس/آب.

وأشاد المسؤولون الأمريكيون بالاجتماع، ووصفوه بأنه "صريح ومهني"، بينما أصرّوا على أنه لا يرقى إلى مستوى الاعتراف الرسمي بطالبان كحكومة لأفغانستان.

وركّز الوفد على المخاوف الأمنية والإرهابية، بعد هجوم شنه تنظيم داعش خراسان، يوم الجمعة، في قندز، أودى بحياة عشرات المدنيين. وقال برايس في بيان، يوم الأحد، إن المشاركين ناقشوا أيضاً الممر الآمن للراغبين في مغادرة أفغانستان، وحقوق الإنسان، بما في ذلك معاملة النساء والفتيات، وتقديم الولايات المتحدة للمساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني.

ماذا قال الأمريكيون؟

وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، أن المسؤولين الأمريكيين شاركوا في سلسلة من الاتصالات مع ممثلي طالبان في العاصمة القطرية، بما في ذلك اجتماع مشترك مع مسؤولين أوروبيين، يوم الثلاثاء، وكانت المساعدات الإنسانية موضوعاً رئيسياً للمناقشة في جميع الاجتماعات.

وبحسب مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، لم يكن الاجتماع حول إضفاء الشرعية أو الاعتراف بحركة طالبان، بل مجرد مناقشة حول التحركات المحتملة للقاعدة وإجلاء المواطنين الأمريكيين والأجانب من البلاد. 

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، "إننا سنحكم على طالبان من أفعالها، وليس أقوالها فقط".

وقال نيد برايس إن "هناك تقدماً على عدد من الجبهات" بعد عدة أيام من الاجتماعات بين مسؤولي الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة، حيث "كانت هناك مناقشات مثمرة حول قضية المساعدات الإنسانية"، مشيراً إلى وجود "درجة على الأقل من الإجماع" حول الرغبة في المساعدة.

المفاوضات بين أمريكا وطالبان
أفغانستان الملا بردار قائد طالبان السياسي خلال المفاوضات السابقة مع الأمريكيين/رويترز

 وقال المتحدث الأمريكي "لقد أوضحنا موقفنا من تشكيل هذه الحكومة المؤقتة"، وأضاف إن الولايات المتحدة تريد "التأكد من أن ستة أسابيع من الآن، وستة أشهر من الآن، عندما يتم الإعلان رسمياً عن أي حكومة أفغانية مستقبلية، أن تتمسك هذه الحكومة بالالتزامات التي تعهدت بها طالبان"، معتبراً بعض تصرفات طالبان "تتعارض مع ما تعهدت به".

 وأقر بأن هناك "مجموعة من الاهتمامات المشتركة" في هذا الأمر، مشيراً إلى أن "داعش خراسان يمثل تهديداً متبادلاً لطالبان والولايات المتحدة".

ولم يُسفر الاجتماع عن بيان مشترك.

المفاوضات بين أمريكا وطالبان.. كثير من الشروط قليل من الوعود

انتقد موقع Global Chinadaily عملية إملاء الشروط من قبل أمريكا، وعدم الاعتراف بالمخاوف المشروعة لحكومة كابول، التي تشمل إنعاش الاقتصاد الأفغاني، في وقت تواجه البلاد وضعاً اقتصادياً خطيراً.

في حين تم إمداد المساعدات الإنسانية من قِبل حكومة الولايات المتحدة، بمبلغ إضافي قدره 64 مليون دولار، فإن الإبقاء على العقوبات وتجميد الأصول الأفغانية في الخارج قد عزّز وجهة نظر طالبان في المحادثات، بأن هناك مواقف سلبية أمريكية، بدلاً من السعي إلى جهود منسقة لإعادة بناء العلاقات الثنائية.

يقول الموقع الصيني، تنظر طالبان لشروط اتفاق الدوحة للسلام لعام 2020 كجزء لا يتجزأ من إعادة تعريف العلاقة مع أمريكا، بينما المنطق الأمريكي يهدف إلى تأمين مصالح واشنطن ووجهة نظرها، فقط من خلال استخدام سلاح العقوبات.

 يقول الموقع الصيني، أي مؤرخ لديه فهم ضئيل لتقلبات حكم طالبان في أفغانستان في التسعينيات، من شأنه أن يعرف أن اتّباع هذه الاستراتيجية سيؤدي إلى الازدراء، ونقص التعاون، من قبل طالبان، وقبل كل شيء، التحدي التام لأولويات السياسة الخارجية الأمريكية.

كما أن التلاعب بورقة العقوبات لفرض شروط على طالبان قد يؤدي إلى زيادة معاناة الشعب الأفغاني.

تحذير من موجة لاجئين

اللافت أن وزير خارجية طالبان، أمير خان متقي، طالب الحكومة الأمريكية بمعالجة المشاكل المالية، محذراً بأنه لن يستفيد أحد من دولة غير مستقرة، وأنه لا ينبغي لأي كيان أن يحاول إضعاف الحكومة الأفغانية.

حيث حذّر وزير خارجية "طالبان" ، مبعوثي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من أن مواصلة الضغط على الحركة عبر العقوبات سيقوّض الأمن، وقد يؤدي إلى موجة لاجئين جديدة.

جاء هذا التحذير على لسان متقي، خلال لقاء ممثلين عن الحركة مع دبلوماسيين غربيين في الدوحة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، الأربعاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

متقي قال إن "إضعاف الحكومة الأفغانية ليس في مصلحة أحد؛ لأن هذا الأمر يمكن أن يؤثر مباشرة على العالم في مجال الأمن، وأن يؤدي إلى هجرة اقتصادية للفرار من البلاد"، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، الأربعاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021. 

أضاف المسؤول في "طالبان": "نطالب دول العالم بوقف العقوبات والسماح للمصارف بالعمل بشكل طبيعي، لكي تتمكن المنظمات الخيرية والحكومة من دفع رواتب موظفيها من احتياطها الخاص والمساعدة الدولية".

تعاون لافت باعتراف أمريكي

ومنذ سقوط كابول في يد طالبان، أبدت الحركة الأفغانية قدراً لافتاً من التعاون مع الأمريكيين الذين كانت تقاتلهم قبل أشهر قليلة، وسمحت لهم بانسحاب آمن لم يفسده سوى مشاهد هروب اللاجئين، وعملية داعش الانتحارية.

وهو تعاون اعترف به المسؤولون الأمريكيون.

كما أبدت الحركة قدراً من التراجع والمرونة في السياسات الداخلية، مقارنة بتشددها السابق، بطريقة بدت تحرج وسائل الإعلام الغربية، التي تحدثت عن المعاناة الأسطورية التي سيعاني منها الشعب الأفغاني، ولاسيما النساء، تحت حكم طالبان وواصلت بعض الوسائل ترديد هذا الكلام دون تقديم أدلة في أغلب الأحيان.

وقابلت الولايات المتحدة هذا التعاون بقليل من الاعتراف، وكثير من الشروط، ومن الواضح أن هناك مزايدة مرتبطة بشعور الغرب المزعوم بدوره الرسالي، والرغبة في الثأر من الهزيمة، وراء هذه السياسة أكثر من وجود نهج عقلاني.

وتريد طالبان من المجتمع الدولي أن يسعى إلى التعاون مع الجماعة، لا الضغط عليها، خاصة أن الضغط يمكن أن يأتي بنتيجة عكسية ويستفز الجناح الأكثر تشدداً بها.

الشروط الأمريكية قد تعزز التيار المتشدد في طالبان/رويترز

وقال متقي في فعالية نظّمها مركز دراسات الصراع والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا "لا تطلب مطالبك بالضغط علينا، اسألنا من خلال التعاون".

في المقابل لا يريد الغرب الاعتراف كثيراً بأن النظام الذي أزالته طالبان كان نظاماً مهترئاً، لا حمى حقوق الإنسان ولا النساء، بل نهب البلاد ومعها مساعدات الغرب.

وفي هذا السياق، قال أمير خان متقي، وزير الخارجية بالإنابة في حكومة طالبان، متحدثاً في فعالية في قطر، إن الحكومة السابقة فشلت في تحقيق الإصلاحات خلال 20 عاماً، على الرغم من الدعم الدولي القوي، لكن العالم يريد الآن إجراء الإصلاحات في غضون شهرين.

وقال متقي إن "التنفيذ الكامل لاتفاقية الدوحة الموقعة بين الولايات المتحدة وأفغانستان يمكن أن يعالج أي مشكلة بين البلدين".

وتنفي طالبان في هذا السياق إغلاقها لمدارس الفتيات، وتقول إن المدارس برمتها أغلقت بسبب جائحة كورونا والحرب، وإنها بدأت في فتح المدارس، حسب متقي.

الاقتصاد لا يتحمل هذه المساومات

تسعى حكومة طالبان إلى الحصول على اعتراف من المجتمع الدولي، والإفراج عن الأرصدة المالية الأفغانية في الخارج.

لكن معظم الدول اختارت سياسة الانتظار والمراقبة، وطالبت الجماعة بالوفاء بوعودها، بحكومة شاملة واحترام حقوق الإنسان، لا سيما حقوق المرأة وحقوق الإنسان.

وفي الوقت ذاته، لم يعد الاقتصاد الأفغاني الذي اعتمد على المساعدات الأجنبية لعقدين من الزمان يستطيع التحمل.

الأموال تنفد من البنوك، والموظفون الحكوميون لم يتلقوا رواتبهم، والمدنيون يعانون من الجفاف والفقر المدقع. ويحذر المراقبون الدوليون من أن المزيد من الأفغان العاديين سيحاولون الفرار من البلاد، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة اللاجئين التي طال أمدها.

من الواضح أن الولايات المتحدة والدول الغربية تسعى إلى تقديم مساعدات إنسانية عبر المنظمات الإنسانية، ودون المرور بحكومة طالبان، وهو أمر من شأنه إقامة مراكز قوى منافسة للحركة الأفغانية في البلاد.

فلقد قالت إدارة بايدن إنها ستقدم مساعدة مباشرة لشعب أفغانستان، وسط مخاوف متزايدة بشأن كارثة إنسانية محتملة في أفغانستان، مع تعثر النظام الطبي في البلاد، والاقتصاد على وشك الانهيار.

وخلال القمة الافتراضية الخاصة لمجموعة العشرين، تعهدت الدول بمعالجة الأزمة الإنسانية في أفغانستان. وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، الذي استضاف القمة، إن المجموعة ستكون منفتحة على تنسيق جهود المساعدة مع طالبان.

قادة مجموعة العشرين أكدوا أيضاً التزامهم الجماعي بتقديم المساعدة الإنسانية مباشرة إلى الشعب الأفغاني، من خلال المنظمات الدولية المستقلة، وتعزيز حقوق الإنسان الأساسية لجميع الأفغان، بما في ذلك النساء والفتيات وأفراد الأقليات. كان المعنى ضمنياً أن الدول لن تقوم بتحويل الأموال من خلال حكومة تسيطر عليها طالبان.

على غرار العراق ولبنان

يتجاهل هذا المنهج الأمريكي والغربي حساسية طالبان الشديدة لفكرة السيادة الوطنية التي جعلتهم يحاربون في الجبال الاحتلال الأمريكي لمدة 20 عاماً. وإذا خُيرت طالبان بين ما تعتبره تفريطاً في السيادة أو العودة للتشدد سيكون الأسهل لها العودة للتشدد.

قد يعني ذلك صعود سياسيات الجناح المتشدد، ضد المرأة، وتفكيك الجهاز الحكومي الأفغاني الذي يريد تلقي رواتبه بطبيعة الحال، وفي الوقت نفسه يعد معقلاً مضاداً لأي ثورة مضادة لطالبان.

سيكون أحد الخيارات التي قد تلجأ إليها طالبان أيضاً السماح بزراعة المخدرات.

الخلاصة أن أفغانستان سوف تتحول إلى دولة أكثر فشلاً مما هي عليه، ولكنه فشل يهدد دول الجوار والغرب، فشل ممزوج برغبة في الانتقام من رفض العالم الغربي محاولة طالبان الانفتاح حتى لو كانت متواضعة.

المشكلة أن النموذج الذي يلوح به الغرب، من خلال محاولة خلق شراكة بين طالبان وفلول النظام السابق، قد ثبت فشله.

فهذا يعني في الأغلب تكراراً للنموذجين العراقي واللبناني الفاشلين، حيث الحكومة تمثل تشكيلة سياسية مفتتة، غير قادرة على اتخاذ قرار مشترك واحد باستثناء النهب المشترك، في حين أن أسماء الوزراء وصيغ الحلول السياسية تأتي عبر مفاوضات بين القوى الإقليمية والدولية ودول الجوار.

المفارقة أن طالبان لو كانت أقامت شراكة مع الحكومة الأفغانية السابقة، لكن يمكن أن تطبق نموذجاً أقرب لحزب الله في لبنان، حيث تحكم حكومة موالية للغرب عادة تتحمل المسؤوليات الاقتصادية الثقيلة، فيما حزب الله المسيطر الفعلي على البلاد، ويتخذ قرار الحرب والسلم دون إخبار الحكومة حتى بقراره، وفي الوقت ذاته يتبرأ من الوضع الاقتصادي المزري باعتباره مجرد شريك في الحكومة.

ولكن سرعة انهيار الحكومة الأفغانية، ورغبة طالبان في منع انهيار الأمن في كابول، انتهت إلى تحملها مسؤولية بلد عاش لمدة 20 عاماً عالة على الغرب.

تحميل المزيد