لا تزال تداعيات التسريبات التي قامت بها موظفة سابقة في شركة فيسبوك تهدد عملاق منصات التواصل الاجتماعي، وتضعه تحت مقصلة تشريعات محتملة تهدد وحدته، لكن فيسبوك تفكر الآن في "الانتقام".
الموظفة السابقة التي أصبحت حديث العالم تدعى فرانسيس هوغن (37 عاماً)، والتحقت بفيسبوك عام 2019 كمديرة إنتاج، ضمن فريق تدقيق المحتوى في الشركة، وتقدمت باستقالتها في أبريل/نيسان الماضي، وظلت هويتها مجهولة حتى مساء الأحد 3 أكتوبر/تشرين الأول، عندما ظهرت في برنامج 60 Minutes على شبكة CBS الأمريكية.
والثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول، أدلت هوغن بشهادتها أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، وهي الشهادة التي جاءت مدعومة بمستندات داخلية تخص فيسبوك، وتعتبر حتى الآن أخطر تهديد يواجهه العملاق الأزرق، الذي تسعى الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أيضاً لإخضاعه لقانون الاحتكار.
هل يمكن أن تقاضي فيسبوك فرانسيس هوغن؟
بدأت شركة فيسبوك، من خلال المتحدثين باسمها، مؤخراً، في تبنّي لهجة قاسية ضد هوغن، مشيرة إلى أن شبكة التواصل الاجتماعي قد تضع في الحسبان الانتقام منها عن طريق القضاء، بعد أن خرجت فرانسيس علناً ببحثٍ داخلي نسخته قبل مغادرة وظيفتها في وقت سابق من هذا العام، بحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
ومن الناحية القانونية، يحمي القانون الأمريكي المبلغين عن المخالفات -أمثال فرانسيس هوغن- الذين يكشفون للحكومة عن معلومات متعلقة بسوء سلوك محتمل داخل الشركات التي كانوا يعملون فيها، لكن تلك الحماية لا تغطي بالضرورة الكشف عن أسرار الشركات أمام وسائل الإعلام.
وبالتالي يمكن لفيسبوك أن ترفع قضية ضد هوغن تحت دعاوى مخالفة اتفاق السرية، لكن نجاح الشركة في إدانة موظفتها السابقة سيظل أمراً غير محسوم. وفي هذا السياق، لا تزال فيسبوك في حاجة إلى اتباع مسار دقيق، إذ ينبغي للشركة أن تفكر ملياً فيما إذا كانت مقاضاة فرانسيس -ما قد يثني الموظفين الآخرين الذين قد يتحدثون علناً- تستحق أن تقدم نفسها بوصفها ثقلاً قضائياً هائلاً يعتزم سحق امرأة تقول إنها تفعل الشيء الصائب فحسب.
وقد تواجه فرانسيس آثاراً سلبية أخرى، إذ إن المبلغين عن المخالفات يخاطرون دائماً بالإضرار بأنفسهم مهنياً (فقد تمانع الشركات الأخرى تعيينهم في المستقبل) والتعرض لهجمات شخصية عندما يظهرون في الأماكن العامة.
وحتى الآن تحاشى المتحدثون باسم شركة فيسبوك الإجابة عن الأسئلة المتعلقة باحتمال إقدام العملاق الأزرق على مقاضاة فرانسيس هوغن، كما لم ترد فيسبوك على أسئلة مُرسلة إليها عن طريق البريد الإلكتروني من جانب الإندبندنت.
ما الذي فعلته فرانسيس هوغن تحديداً؟
نسخت فرانسيس سراً مجموعة ثمينة من وثائق فيسبوك قبل مغادرة الشركة، وبعد ذلك طلبت من محاميها التقدم بشكاوى لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، تزعم أن فيسبوك تخفي ما تعرفه بشأن الآثار السلبية لمنصة التواصل الاجتماعي.
قال محاميها، جون تاي، إن الفريق قدّم وثائق منقحة إلى الكونغرس الأمريكي، حيث اعترفت فرانسيس خلال شهادتها أمام مجلس الشيوخ، الثلاثاء الماضي، بأنها كذلك أبلغت مسؤولين في كاليفورنيا. شاركت فرانسيس أيضاً وثائق مع صحيفة The Wall Street Journal، التي بدأت تتحدث معها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما أدى إلى سلسلة من الأخبار التي أحدثت ضجة كبيرة، والتي بدأت في منتصف سبتمبر/أيلول.
كيف ردّت فيسبوك على اتهامات هوغن؟
قالت الشركة إنها تعرضت لإساءة توصيف، وكتب مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لفيسبوك لموظفيه في نفس يوم شهادة هوغن: "أعتقد أن أغلبنا لا يتعرف على الصورة الخاطئة للشركة التي يجري رسمها".
لكن تسريبات هوغن وشهادتها أمام الكونغرس تمثل سلاحاً قد يكون فتاكاً في أيدي المحققين الفيدراليين الساعين إلى تطبيق قانون الاحتكار على عمالقة التكنولوجيا، وبخاصة فيسبوك، وهو التحقيق الذي تحول بالفعل إلى دعاوى قضائية منذ مطلع العام الجاري تهدف إلى إجبار زوكربيرغ على التخلي عن تطبيقات مثل إنستغرام وواتساب.
ودخلت إدارة الرئيس جو بايدن على خط النار في المعركة الدائرة ضد فيسبوك، إذ قالت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، تعليقاً على تسريبات هوغن، إن البيت الأبيض ينظر إلى تلك التسريبات على أنها أحدث حلقة من سلسلة حول منصة التواصل الاجتماعي، توضح أن "التنظيم الذاتي لا يعمل".
وفي هذا السياق، بدأ بعض مسؤولي شركة فيسبوك في استخدام لغة أقسى لوصف تصرفات فرانسيس، وهو ما يمكن تفسيره بأنه تهديد. ففي مقابلة مع وكالة The Associated Press، الخميس 7 أكتوبر/تشرين الأول، أشارت مونيكا بيكرت، نائبة رئيس الشركة لسياسة المحتوى، إلى الوثائق التي نسختها فرانسيس مستخدمة كلمة "مسروقة"، وهي كلمة استخدمتها في مقابلات صحفية أخرى.
وقال ديفيد كولابينتو، المحامي لدى شركة المحاماة المتخصصة في قضايا المبلغين عن المخالفات Kohn, Kohn and Colapinto، تعليقاً على لغة بيكرت: "تلك اللغة كانت تهديدية".
وفي نفس المقابلة، سُئلت مونيكا إذا كانت فيسبوك يمكن أن تقاضي المبلغة عن المخالفات أو تنتقم منها، فلم تقل إلا: "لا أستطيع الإجابة عن ذلك".
قبل أسبوع من هذا، اعترف أنتيجون ديفيس، رئيس قطاع السلامة العالمي في فيسبوك، أمام مجلس الشيوخ بأن فيسبوك "لن ينتقم قط من شخص لتحدثه أمام الكونغرس"، ما يفتح الباب أمام احتمالية أن تسلك الشركة مسلك مقاضاتها لإعطاء الوثائق إلى صحيفة The Wall Street Journal.
هل تحظى هوغن بحماية في مواجهة فيسبوك؟
تكفل قوانين متنوعة حمايةً للمبلغين عن المخالفات على مستوى الولاية وعلى المستوى الفيدرالي. القوانين التي تنطبق على فرانسيس هي قانون إصلاح وول ستريت وحماية المستهلك دود-فرانك لعام 2010، وقانون ساربينز أوكسلي لعام 2002، الذي أعقب انهيار فضيحة انهيار إنرون والفضائح المحاسبية الأخرى.
ووسّع قانون دود-فرانك من نطاق حماية المبلغين عن المخالفات، ومَنَح هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية سلطة اتخاذ إجراءات ضد أي شركة تهدد أي مُبلغ عن مخالفات. ويقول الخبراء إن الحماية موجودة لكل من الموظفين الحاليين والسابقين لدى الشركات.
وعندما سُئل عن الخطر الذي تواجهه للجوئها إلى وسائل الإعلام، قال محامي فرانسيس إنه نظراً إلى أنها ذهبت إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والكونغرس وسلطات الدولة، فيحق لها الحصول على الحماية المكفولة للمبلغين عن المخالفات. وأوضح أن أي دعوى قضائية تتقدم بها فيسبوك قد تكون طائشة، وأن فيسبوك لم تتواصل معهم.
ولم تختبر المحاكم الأمريكية من قبل ما إذا كانت التسريبات لوسائل الإعلام تحظى بحماية بموجب قانون دود-فرانك أم لا، لكن كولابينتو قال إن وزير العمل الأمريكي حدد منذ عقود أن الاتصالات بوسائل الإعلام من جانب المبلغين عن المخالفات البيئية ومخالفات الأمن النووي، كانت محمية. ويجادل بأن اللغة المستخدمة في قانون ساربينز أوكسلي صيغت استناداً إلى هذه القوانين السابقة، ولذا فإن فرانسيس يجب أن تحظى بنفس الحماية لجميع اتصالاتها بالصحفيين.
لكن يمكن لفيسبوك أن يزعم أن فرانسيس انتهكت اتفاقية عدم الإفشاء عن طريق مشاركة وثائق الشركة مع الصحافة، وتسريب أسرار التجارة، أو أنها فقط أبدت تعليقات تعدها فيسبوك تشهيرية، وذلك حسبما قالت ليزا بانكس، المحامية لدى شركة المحاماة Katz, Marshall and Banks المتخصصة منذ عقود في قضايا المبلغين عن المخالفات. وأضافت: "مثل كثير من المبلغين عن المخالفات، إنها شُجاعة بصورة استثنائية وخاطرت بنفسها مهنياً وشخصياً لتسليط الضوء على هذه الممارسات".
ما الذي قد يمنع فيسبوك من مقاضاة هوغن؟
ربما تريد شركة فيسبوك من تهديداتها المبطنة أن تبث القلق والخوف في نفوس الموظفين الحاليين أو السابقين، الذين قد يشجعهم ما أقدمت عليه هوغن إلى الحديث علناً. قالت ليزا: "إذا لاحقوها، لن يكون السبب بالضرورة أنهم يعتقدون أن لديهم قضية قوية قانونياً، بل لإرسال رسالة إلى المبلغين عن المخالفات المحتملين الآخرين، مفادها أنهم ينوون التصرف بقسوة".
لكنها قالت إن ملاحقة فرانسيس قد تنذر بـ"كارثة" على فيسبوك، بغض النظر عن أوجه القصور القانونية المحتملة، فقد تبدو فيسبوك طرفاً متنمراً إذا رفعت قضية ضد فرانسيس.
وقال نيل جيتنيك، الذي تمثل شركته Getnick and Getnick المبلغين عن المخالفات: "آخر شيء تحتاج إليه فيسبوك هو أن تثير غضب السلطات الحكومية والجمهور عن طريق الاضطلاع بدور الشركة الكبيرة الشريرة ضد المُبلغة الشجاعة عن المخالفات".
فقد أصبحت هوغن بمثابة أيقونة للكشف عن مخاطر فيسبوك على سلامة المستخدمين، وقدمت مستندات تقول إنها دليل دامغ على أن إمبراطورية زوكربيرغ تفضل الربح المادي على المصلحة العامة.
وأفادت وسائل إعلام أمريكية أن أعضاء في البرلمان الأوروبي طلبوا من هوغن أن تتحدث في جلسة استماع، يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بشأن "كشف الأسرار والإبلاغ عن المخالفات". ونقلت بلومبيرغ عن رئيسة لجنة السوق الداخلي في البرلمان الأوروبي آنا كافازيني قولها، في بيان، إن الأسرار التي كشفتها هوغن تُظهر الحاجة إلى قواعد قوية لضبط المحتوى ومتطلبات الشفافية.
وقالت كافازيني: "بما أن لجنة السوق الداخلية تتفاوض الآن بشأن قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، فإن جلسة استماع مع فرانسيس هوغن ستثري المسار الديمقراطي، وعملنا التشريعي الحالي في اللجان المعنية". وتدرس اللجنة حالياً 2297 تعديلاً على قانون الخدمات الرقمية و1199 على قانون الأسواق الرقمية.