"يغذي العنف العرقي في ميانمار"، بتلك العبارة اتهمت مهندسة البرمجيات الأمريكية فرانسيس هوغن سياسات منصة فيسبوك بلعب دور غير نزيه لتحقيق غايات خطيرة.
والثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كشفت هوغن، الملقبة بـ"المبلغة عن فضائح فيسبوك" خلال شهادتها بجلسة استماع في الكونغرس الأمريكي، عن سلسلة وثائق داخلية تدين سياسات الشركة التكنولوجية العملاقة.
واتهمت هوغن، وهي مسؤولة سابقة في فريق النزاهة المدنية بفيسبوك أيضاً، بأن المنصة "ساهمت في تأجيج العنف في ميانمار"، كما تحدثت عن كيفية استخدام المنصات الاجتماعية لتحقيق غايات خطيرة. واستندت هوغن (37 عاماً) في شهادتها إلى مجموعة أبحاث خاصة أجرتها على طبيعة سياسات منصة فيسبوك، قبل استقالتها من الشركة في مايو/أيار الماضي.
قوائم لشخصيات بارزة سمح لها فيسبوك بنشر محتوى متطرف
ووفق أبحاثها، خلصت هوغن إلى أن "فيسبوك" يضخم الكراهية والمعلومات المضللة والاضطرابات السياسية، مشيرة إلى أن الشركة "تُخفي الكثير مما توصلت إليه هذه الأبحاث".
وقالت: "أخاف من أن تكون السلوكيات المثيرة للانقسام والمتطرفة التي نراها اليوم ليست سوى البداية، ما رأيناه في ميانمار هو الفصول الافتتاحية لقصة مرعبة، لدرجة أنه لا أحد يريد أن يقرأ نهايتها".
وأضافت: "لاحظت مراراً وتكراراً أنه كان هناك تضارب في المصالح بين ما يصب في مصلحة الجمهور، وما يصب في مصلحة فيسبوك. وفي كل مرة كان فيسبوك يعطي الأولوية لمصلحته الخاصة، بينها كسب المزيد من الأموال".
وأثارت شهادة هوغن، في جلسة استماع الكونغرس، قلقاً واسعاً بين المشرعين، لدرجة رغبتهم في الاجتماع لمناقشة مخاوف الأمن القومي على وجه التحديد.
لم تكن شهادة فرانسيس هوغن هي الأولى بحق سياسات فيسبوك، بل سبقتها سلسلة مقالات صحفية نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، ونسبتها إلى مجهول في سبتمبر/أيلول الماضي.
وكشفت "وول ستريت جورنال" آنذاك عما عرف باسم "القائمة البيضاء" على فيسبوك، وهي فئة "غير مرئية" داخل النظام، تضم ما يقرب من 6 ملايين شخصية بارزة يُسمح لهم بكسر قواعد النشر عبر نشر محتوى متطرف أو مؤذٍ.
هكذا ساعد فيسبوك على التطهير العرقي لأقلية الروهينغا المسلمة
في عام 2018، اعترف "فيسبوك" بأنه فشل في منع انتشار منشورات تثير الكراهية ضد أقلية الروهينغا المسلمة المضطهدة في ميانمار، وتعهد آنذاك بالحد من انتشار "المعلومات الخاطئة".
لكن أدلة هوغن المستندة على عشرات آلاف النسخ المسربة الخاصة بصفحات البحث الداخلي في فيسبوك، أثبتت أن "الشركة تكذب على جمهورها بشأن إحراز تقدم كبير ضد الكراهية والعنف والمعلومات المضللة".
وأشارت أن من بين هذه الأدلة "استخدام الجيش في ميانمار عام 2018 فيسبوك، لشن حملة إبادة جماعية ضد الروهينغا".
وفي هذا الشأن، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أنّ "عناصر جيش ميانمار كانوا يغمرون فيسبوك بكراهيتهم وحوّلوا الموقع إلى أداة للتطهير العرقي على مدى 5 سنوات".
ونقلت الصحيفة آنذاك عن مسؤولين سابقين في جيش ميانمار ومدنيين وباحثين لم تسمهم قولهم إنّ "عناصر جيش ميانمار كانوا نشطاء رئيسيين في حملة ممنهجة على فيسبوك، استهدفت أقلية الروهينغا المسلمة في البلاد".
وأوضحت المصادر أن "عناصر الجيش حاولوا الظهور على الموقع كمستخدمين عاديين لخدماته، لكنهم في المقابل كانوا يروجون لقصص كاذبة، بينها اعتبار الإسلام تهديداً للبوذية، واغتصاب رجل مسلم لامرأة بوذية".
كما أشارت المصادر أن العسكريين "كلفوا أيضاً بجمع معلومات استخبارية عن الحسابات الشعبية، وانتقاد المنشورات غير المواتية للجيش".
ووفق الصحيفة الأمريكية ذاتها، استمرت هذه الحملة حتى أدانت منظمات حقوقية دولية الدعاية المناهضة للروهينغا، والتي أدت إلى "التحريض على القتل والاغتصاب والقيام بأكبر نزوح بشري قسري في التاريخ الحديث".
وقالت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) إن أكثر من 750 ألف لاجئ من الروهينغا، معظمهم من النساء والأطفال، عبروا إلى بنغلاديش منذ أن شنت قوات ميانمار حملة قمع وحشية ضد الأقلية المسلمة في عام 2017.
فيسبوك كان منصة لجيش ميانمار في نشر دعايته
وتأكيداً على استخدام عناصر جيش ميانمار لمنصة فيسبوك كـ"أداة تطهير عرقي"، لفت رئيس سياسة الأمن السيبراني في الشركة، ناثانيال جلايشر، لـ"نيويورك تيامز" أن فيسبوك وجد "محاولات واضحة ومتعمدة لنشر دعاية سرية مرتبطة مباشرة بجيش ميانمار".
فيما أشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في سبتمبر/أيلول 2018، إلى تزايد المنشورات المناهضة للروهينغا على المنصة الاجتماعية، وتحول الأوضاع في ميانمار بسبب فيسبوك إلى "فوضى عارمة".
ونقلت الصحيفة البريطانية عن خبراء قولهم: "لا نعرف كيف ينام (مارك) زوكربيرغ (مؤسس فيسبوك) وزملاؤه ليلاً بعد ظهور أدلة على تزايد المشاركات التي تحرض على العنف على موقعهم".
فيما أشارت الصحيفة إلى فحص قام به الباحث والمحلل الرقمي ريموند سيراتو لنحو 15 ألف منشور على فيسبوك، مصدرها أنصار مجموعة "ما با ثا" القومية المتشددة.
وتوصل الباحث إلى أن "أقدم المنشورات يعود تاريخها إلى يونيو/حزيران 2016، وازدادت يومي 24 و25 أغسطس/آب 2017.
وفي هذه الأثناء هاجم عناصر جيش إنقاذ الروهينغي (أرسا) القوات الحكومية؛ ما دفع قوات الأمن إلى إطلاق "عملية التطهير" التي أسفرت عن نزوح مئات الآلاف من الروهينغا من موطنهم.
وبحلول عام 2016، باتت ميانمار أكثر دولة في جنوب شرق آسيا استخداماً لمنصة فيسبوك، بإجمالي ما يزيد عن 14 مليون مستخدم، وفق تقديرات غير رسمية.
فيما أفاد تقرير للهيئة العالمية لمشغلي الهاتف المحمول "جي إس إم أيه" أن العديد من الأشخاص في ميانمار يعتبرون "فيسبوك" نقطة الدخول الوحيدة على الإنترنت للحصول على المعلومات، وأن معظمهم يعتبرون منشوراته بمثابة أخبار.
"فيسبوك كان متواطئاً في إبادة جماعية"
وفي 4 فبراير/شباط 2021، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أنه عندما استولى جيش ميانمار على السلطة في انقلاب عسكري، شاهد العديد من المواطنين أحداث الانقلاب في وقت وقوعها الفعلي على فيسبوك، باعتباره المصدر الأول للأخبار والمعلومات في البلاد.
ومنذ ذلك الحين، استنتج الحقوقيون التابعون للأمم المتحدة، أن خطاب الكراهية على فيسبوك "لعب دوراً رئيسياً في إثارة العنف في ميانمار".
وفي السياق، اعترفت الشركة بأنها فشلت في منع استخدام منصتها "للتحريض على العنف خارج الإنترنت" في ميانمار، حسب الهيئة البريطانية.
كما نقلت عن رين فوغيماتسو، من مركز "بروجريسيف فويس" للأبحاث قوله إن "فيسبوك كان متواطئاً في إبادة جماعية".
وأضاف لـ"بي بي سي": "كانت هناك بالفعل إشارات ودعوات قوية لفيسبوك للتعامل مع التحريض على العنف على المنصة، لكن عدم تحركهم (مسؤولو فيسبوك) ساهم حقاً في تأجيج العنف في ميانمار".
ومنذ 25 أغسطس/آب 2017، ينفذ جيش ميانمار وميليشيات بوذية حملة عسكرية ومجازر وحشية بحق الروهينغا في أراكان.
وأسفرت الجرائم المستمرة عن مقتل الآف الروهينغا، حسب مصادر محلية ودولية متطابقة، فضلاً عن لجوء قرابة مليون آخرين إلى بنغلاديش، وفقاً للأمم المتحدة.