يمكن القول إنَّ إيران والسعودية، الدولتين المهيمنتين في الشرق الأوسط، هما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة، إذ إنَّ هيمنة هذين البلدين كبيرة جداً في كل جانب من جوانب الشرق الأوسط تقريباً. والصراع بينهما صراع قديم على أساس المذهبين السني والشيعي. ومع ذلك، نحن بحاجة إلى النظر في تطور هذه المشكلة على مدار السنوات الـ41 الماضية، كما يقول تحليل نُشر مؤخراً لمجلة Modern Diplomacy الأوروبية.
بداية المواجهة
سجّل عام 1979 بداية قصة الثواني التي تدور فيها هذه الحرب الباردة. فقد انتهى حكم شاه إيران، واستبدلت إيران بقيادتها العليا آية الله روح الله الخميني وجعلت التشيع أساس الدولة. وهذا بالطبع أحدث صدمةً في العالم الإسلامي، وعلى رأسه السعودية، التي تحمل صورة زعيمة العالم الإسلامي. ويمكن القول إنَّ هذا يُظهِر أنَّ السعودية تشعر بالتهديد من إيران؛ التي تجعل "المذهب الشيعي" أساس الدولة وتطلق على نفسها اسم الجمهورية الإسلامية.
يمكننا أيضاً أن نرى الاختلاف من وجهة نظر كيفية إدارتهما للتعاون الدولي؛ فمن ناحية وُلِدَت إيران من فكرة تخليص الشرق الأوسط من الاستغلال الغربي، خاصةً الولايات المتحدة، التي تنظر دائماً للشرق الأوسط على أنه ساحة معركة.
وعلى الجانب الآخر، السعودية التي تستفيد دائماً من تعاونها مع الغرب الذي يعتبر النفط سلعة رئيسة. وهذا يجعل إيران وسياسييها الشيعة مختلفين، فهم يفضلون تمويل الجماعات الشيعية المسلحة المرتبطة بتحالفات مباشرة معهم وتدعم المتعاطفين معهم مثل بشار الأسد في سوريا.
حروب الوكالة بين إيران والسعودية استمرت طويلاً
تقول المجلة الأوروبية، إنه يمكن القول إنَّ إيران بدأت الآن في تطويق السعودية ومحاولة الاقتراب منها؛ فهي تغوص في العراق واليمن ولبنان وسوريا. ويتضح هذا الاختلاف تحديداً في رد الدولتين على القضية الفلسطينية؛ إذ يبدو أنَّ إيران أوضح في تقديم الدعم عكس السعودية. وقد حشدت إيران حزب الله في لبنان بصفته أحد وكلائها، فيما دعمت حماس وحركات المقاومة الأخرى في مواجهة إسرائيل. وفي السنوات الخمس عشرة الماضية، تفاقمت الخلافات بين السعودية وإيران بفعل سلسلة من الأحداث. ولم يعلن البلدان قط حرباً مفتوحة مع بعضهما البعض، لكنهما خاضا حروباً بالوكالة في العراق وسوريا واليمن والبحرين.
ويبدو أنَّ السعودية تتحرك نحو لبنان ليكون ساحةَ الحرب بالوكالة القادمة. وعلى الرغم من أنَّ لبنان مُعرض لخطر الوقوع في فوضى مثلما حدث بسوريا، لا يرى كثير من الخبراء أنَّ المصالح السعودية لن تسير بسلاسة هناك. إذ يمكن لصراع محتمل في لبنان أن يجذب إسرائيل بسهولة إلى صدام مع حزب الله؛ وبالتالي حرب إسرائيلية لبنانية ثالثة أشد بكثير من الحرب السابقة.
ويمكن اعتبار الخليج حالياً منطقة معرضة لخطر الصراع، لأنها تواجه بعضها البعض على حدود بحرية. وتُصنِّف الولايات المتحدة وحلفاؤها إيران على أنها قوة مُزعزِعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وهذا ليس إلا بسبب المصالح. ومن ثم، قد يجعل هذا النشاط السعودي الجديد مصدراً لمزيد من عدم اليقين في المنطقة، حيث يركز التعاون الغربي على المملكة باعتبارها القوة الدافعة.
الاتجاه الجديد في الحرب الباردة بين إيران والسعودية
ويثير هذا الوضع تساؤلات حالياً حول المكان الذي ستتجه إليه سياسات البلدين، خاصةً السعودية. في 29 سبتمبر/أيلول، التقى البلدان بالعراق؛ حيث شاركا في محادثات رفيعة المستوى، بحسب تأكيدات مصادر رسمية. ويقال أيضاً إنَّ الرياض تشعر بالانزعاج من الصواريخ الإيرانية.
ومع ذلك، في الوقت الحالي، لا يسع المجتمع الدولي إلا انتظار ما سيحدث في المستقبل؛ لأن هذا الاجتماع انعقد في أثناء الصراعات المستمرة بدول الشرق الأوسط الأخرى حيث يتحرك وكلاء الدولتين. وفي مؤتمر عبر الفيديو للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال العاهل السعودي الملك سلمان: "نأمل أن تؤدي محادثاتنا إلى نتائج ملموسة، من شأنها بناء الثقة" وإحياء "التعاون" الثنائي.
تشير مجلة Modern Diplomacy، أنه إضافة إلى ذلك، أصبحت الطموحات السياسية للبلدين مختلفة. وقد فتحت إيران مؤخراً الباب أمام تعاونها مع العالم الغربي، خاصةً الولايات المتحدة، باستثناء إسرائيل التي قلّلت من قيمتها السياسية في تقليص نطاق القوى الغربية بالشرق الأوسط. وبالفعل، فإنَّ "نزاهة" التوجه السياسي للسعودية وإيران تتغير تدريجياً عمّا شُكِّل في السابق. إنَّ التكيف ضروريٌ لرؤية آفاق التعاون والأمن. ومن وجهة نظر سياسية، لا يمكن إنكار أنَّ الاستراتيجية القديمة قد لا تكون مناسبة للاستخدام في ظروف عالم اليوم.
ومن أجل إنجاح عملية التفاوض هذه، فستكون هناك على الأرجح حاجة لتفضيل إيران؛ وذلك من خلال منحها مزيداً من الحرية في نشر أيديولوجيتها دون الحاجة إلى استخدام الوكلاء وسيلةً للقتال.
وبالنسبة للسعودية نفسها، عليها التخلي عن صورتها بوصفها رئيسة لدول العالم الإسلامية، وستحتاج إلى قوة سياسية وفكرية لمواجهة الأفكار التي تطرحها إيران. ومع ذلك، فإنَّ هذه المفاوضات قد تعزز فقط الأمن الداخلي، والقوة الإقليمية، والتهديد غير المتكافئ الذي تواجهه المملكة والذي ينبع مما هو أكثر بكثير من القوة النووية الإيرانية في الخليج.