يبدو أن التوترات العسكرية بين الصين وتايوان تسير نحو الأسوأ بالفعل؛ إذ قال وزير الدفاع التايواني الأربعاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن التوترات مع الصين بلغت أسوأ وأخطر حالاتها منذ 40 عاماً، محذراً من خطر وقوع اشتباك وشيك بين البلدين. فما الذي يحدث؟ وماذا عن موقف واشنطن حليفة تايبيه؟
ما الذي يحدث بين الصين وتايوان؟
جاءت تصريحات تشيو كو تشنغ بعد أن أرسلت الصين "رقماً قياسياً" من الطائرات الحربية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية على مدى 5 أيام بدءاً من يوم الجمعة الماضي؛ إذ قالت وزارة الدفاع التايوانية إن الصين أرسلت حتى الآن 150 طائرة حربية لمجال دفاعها الجوي.
وتضمنت الطلعة الأولى وحدها 34 مقاتلة من طراز "J-16" و12 قاذفة من طراز "H-6″، حسبما نقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية. وحلقت يوم السبت، 39 طائرة عسكرية صينية في نفس المنطقة على دفعتين خلال النهار والمساء. وكان هذا أكبر توغل من قبل بكين حتى الآن.
أما يوم الجمعة، فكانت أربع قاذفات من طراز (اتش-6) يمكنها حمل أسلحة نووية وطائرة مضادة للغواصات من بين 38 طائرة، حلقت على موجتين على مدار اليوم.
وتقع منطقة تحديد الدفاع الجوي خارج المجال الجوي لتايوان، ولكن الطائرات الأجنبية فيها تخضع للتحديد والمراقبة من أجل حماية الأمن القومي. وبالنسبة لتايوان، تظل هذه المنطقة من الناحية الفنية مجالاً جوياً دولياً.
خلفيات الأزمة بين الصين وتايوان
انقسمت الصين وتايوان خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وهي تحظى بدعم أمريكي وغربي. لكن بكين لا تزال تصر على أنه سيتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر.
وللجزيرة دستورها الخاص وقادة منتخبون ديمقراطياً بالإضافة إلى حوالي 300 ألف جندي في قواتها المسلحة. ويعترف بتايوان عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
والعام الماضي، قرّرت واشنطن، التي تعتبر التصدّي لتنامي النفوذ الصيني في المنطقة أولوية إستراتيجية، بيع تايوان قاذفات صواريخ تكتيكية مقابل 436 مليون دولار ومعدّات تصوير للاستطلاع الجوي مقابل 367 مليون دولار، لتصل بذلك القيمة الإجمالية لهذه المبيعات إلى أكثر من 1.8 مليار دولار.
ومنذ سنوات تقول الصين إنها أصبحت قلقة بشكل متزايد من أن حكومة تايوان تحرك الجزيرة نحو إعلان رسمي للاستقلال وتريد ردع رئيستها تساي إنغ ون عن اتخاذ أي خطوات في هذا الاتجاه.
وكانت بكين قد زادت ضغوطها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية منذ وصول تساي إلى السلطة في عام 2016، ويُعرف عنها رفضها مبدأ "الصين الواحدة".
وسبق أن حذرت تايوان من أن الصين ستكون قادرة على شن غزو واسع النطاق على الجزيرة بحلول عام 2025. فيما سارت تايبيه مؤخراً بدراسة مشروع قانون للإنفاق الدفاعي بمليارات الدولارات لبناء صواريخ وسفن حربية.
رئيسة تايوان تحذر من "عواقب كارثية" وواشنطن تؤكد التزامها تجاه تايبيه
في أشبه بنداء استغاثة، حذرت رئيسة تايوان، تساي إنغ-ون، في مقال، نشر الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021، من "عواقب كارثية" في حال سيطرت الصين على الجزيرة، وتعهدت بالقيام "بكل ما يلزم" لمواجهة تهديدات بكين، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
تساي أشارت في مقالها الذي نشرته في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية إلى أن الفشل في الدفاع عن تايوان سيكون "كارثياً" على الجزيرة والمنطقة، وقالت: "يجب أن يتذكروا أنه إذا سقطت تايوان، ستكون العواقب كارثية على السلام في المنطقة وعلى نظام التحالف الديمقراطي".
أضافت أنه "ستكون تلك إشارة إلى أنه في المواجهة العالمية بين القيم اليوم، يسود الاستبداد على الديمقراطية"، مؤكدة في ذات الوقت أن تايوان تأمل في تعايش سلمي مع الصين، ولكن "إذا تعرضت ديمقراطيتها وأسلوب حياتها للتهديد، فإن تايوان ستفعل كل ما يلزم للدفاع عن نفسها".
من جهتها، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية حليفة تايوان عن "قلقها البالغ" من الأعمال "الاستفزازية" الصينية الأخيرة، ووصفت الخارجية الأمريكية هذه الإجراءات بأنها "تزعزع الاستقرار"، وأكدت التزامها "الراسخ والصخور" تجاه تايوان.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية: "إن الولايات المتحدة قلقة للغاية بشأن النشاط العسكري الاستفزازي للصين بالقرب من تايوان والذي يزعزع الاستقرار ويخاطر بحسابات خاطئة ويقوض السلام والاستقرار الإقليميين". وأضافت: "نحث بكين على وقف ضغطها العسكري والدبلوماسي والاقتصادي والتصعيد ضد تايوان".
ومن المقرر أن يتم توجيه معظم الإنفاق العسكري الخاص في تايوان على مدى السنوات الخمس القادمة لامتلاك أسلحة بحرية، منها أسلحة مضادة للسفن، تشمل أنظمة صواريخ يتم نشرها على البر.
لكن هل أغرى بايدن الصين بتسريع غزوها لتايوان؟
رغم أن انسحاب أمريكا من أفغانستان كان مخططاً ومعلناً منذ فترة، فإن مشهد سيطرة طالبان وانهيار الحكومة الأفغانية وفوضى عمليات الإجلاء التي وقعت في نهاية أغسطس/آب الماضي، قد تشجع الصين على أن تسرع من غزو تايوان، بحسب كثير من المراقبين الأمريكيين.
وقال تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية نشر قبل نحو شهر، إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الذي سرّعت إدارة بايدن من وتيرته، ولّد مخاوف جدية في عواصم شرق آسيا الحليفة لواشنطن، ورسمت مشاهد الأفغان، الذين يحاولون الحصول على مكانٍ في طائرةٍ عسكرية أمريكية تغادر كابول، صورةً عميقة لا تُمحَى عن تراجع القيادة الأمريكية عن حماية حلفائها.
وتقول المجلة إن حكومة تايوان تخشى أن تستغل الصين ما حدث في أفغانستان وتسرع من خططها لضم تايوان، ولو بالقوة العسكرية، وهو الأمر الذي كرره الرئيس الصيني شي جين بينغ مراراً.
وكان جورج ستيفانوبولوس، المذيع بشبكة ABC الأمريكية، قد وجه سؤالاً مباشراً، الأربعاء 18 أغسطس/آب، للرئيس بايدن حول ما إن كان انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان يقود إلى التشكيك في مصداقية التزام أمريكا بحلفائها وشركائها، لاسيما تايوان.
ورد بايدن على السؤال بسؤال؛ إذ قال: "مَن قد يقول ذلك؟"، لكن الحقيقة هي أن الكثير من حلفاء واشنطن يرددون نفس التساؤل، أو بمعنى أدق التشكيك في مدى مصداقية الولايات المتحدة، قبل خصومها حتى، وبخاصة بكين وموسكو، كما تقول المجلة الأمريكية.
وكان ستيوارت لاو، مراسل شؤون الصين لدى مجلة Politico Europe الأمريكية، من أوائل من دعوا أتباعه لـ"تخيُّل بكين وهي تتابع (الالتزام) العسكري الأمريكي في أفغانستان أثناء تفكيرها في خطوتها التالية بشأن تايوان".
وشعر جيم سكويتو، من شبكة CNN الأمريكية، أيضاً بالقلق من أنَّ "شعب تايوان يتعين عليه مشاهدة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بقلق". وحلَّت تايوان أولاً في قائمة الكاتب بصحيفة The New York Times الأمريكية لحلفاء الولايات المتحدة الذين "سيستخلصون الدرس بأنَّهم وحيدون في مواجهة أعدائهم".
وبُعيد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، نشرت صحيفة The Global Times، وهي صحيفة صينية غير رسمية، مقالاً افتتاحياً يسخر من تايوان، وأعربت عن شماتتها في أنَّ "دفاع تايوان سينهار في غضون ساعات، ولن يأتي الجيش الأمريكي للمساعدة" في حال نشوب حرب.
حيث أثار هذا المقال غضب السيناتور الأمريكية عن ولاية تينيسي، مارشا بلاكبيرن، التي صرَّحت بأنَّ "بايدن كشف مدى ضعفه، والحزب الشيوعي الصيني يستغل ذلك".