أثار تصديق البرلمان على قانون الانتخابات التشريعية تساؤلات بشأن ما إذا كان ذلك يعني أن ليبيا أصبحت على طريق الاستقرار أخيراً، في ظل إقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الموعد المقرر، رغم استمرار الخلافات ووجود العقبات.
وكان مجلس النواب قد صادق الإثنين، 4 أكتوبر/تشرين الأول، على قانون الانتخابات التشريعية في ليبيا، بعد أقل من شهر من تبنّي المجلس قانون الانتخابات الرئاسية الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية داخل البلاد.
متى تقام الانتخابات الليبية؟
من المقرر أن تُقام الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا، يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من الآن، وذلك الموعد كان قد تم إقراره من جانب ملتقى الحوار الليبي، وهو المسار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة للمرة الثانية خلال عشر سنوات من الاضطرابات والحرب.
فمع حلول الذكرى العاشرة للثورة في ليبيا تم اختيار سلطة انتقالية موحدة تقود البلاد إلى إجراء انتخابات جديدة، وتم اختيار محمد يونس المنفي، وهو دبلوماسي ليبي لرئاسة المجلس الرئاسي، ورجل الأعمال عبد الحميد محمد الدبيبة لمنصب رئيس الوزراء، ووافقت جميع الأطراف الداخلية والخارجية على هذا المسار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، وتولى المنفي والدبيبة المسؤولية رسمياً منذ مارس/آذار الماضي.
تلك المفاوضات السياسية برعاية الأمم المتحدة (ملتقى الحوار الليبي) كانت قد بدأت منذ اتفاق وقف إطلاق النار، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ بدا أن غالبية الأطراف قد اقتنعت أخيراً بأن مسار الحرب لن يؤدي إلى تحقيق أي نتيجة لصالح أي من تلك الأطراف، وهكذا صمد وقف إطلاق النار، باستثناء خروقات متناثرة من وقت لآخر من جانب قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، في محاولة منه لتذكير الجميع بقدرته على إفشال الجهود السياسية مرة أخرى.
ولتفويت الفرصة على الجنرال المتقاعد لإفساد الاتفاق السياسي اتفقت الأطراف على أن يتولى المجلس الرئاسي منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة في ليبيا، بينما يتولى الدبيبة منصب وزير الدفاع، لكن حفتر ظل مصمماً على عدم الانصياع لأي منهما رغم اعترافه الشكلي بسلطتهما.
هل سيترشح حفتر ونجل القذافي للانتخابات؟
كان من المفترض أن تشهد بداية يوليو/تموز الماضي اتفاق أعضاء ملتقى الحوار الليبي برعاية البعثة الأممية على القواعد الدستورية الحاكمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية العام الجاري، لكن ذلك لم يحدث.
إذ مرّ الأول من يوليو/تموز دون أن يتمكن ملتقى الحوار الليبي من إنهاء القاعدة الدستورية، ولم ينجز مجلس النواب قوانين الانتخابات المطلوبة، وهي مؤشرات سلبية على صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها.
وكانت مفوضية الانتخابات قد حددت يوم 1 يوليو/تموز، آخر أجل لتسلم القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، للشروع في التحضير للاقتراع البرلماني والرئاسي وإجرائه في موعده المحدد، في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ووصلت مشاورات ملتقى الحوار السياسي المنعقد في جنيف السويسرية إلى طريق مسدود، بسبب عدة ملفات، على رأسها شروط الترشح لرئاسة الجمهورية. حيث يحاول أنصار حفتر الضغط على أعضاء الملتقى لتخفيف شروط الترشح للعسكريين ومزدوجي الجنسية، بما يسمح للأخير بدخول الانتخابات الرئاسية دون التنازل عن جنسيته الأمريكية ولا عن صفته العسكرية.
وعاد سيف الإسلام القذافي نجل معمر القذافي الذي حكم ليبيا لأكثر من ثلاثة عقود وقامت الثورة على نظامه وانتهت بمقتله، للظهور على الساحة السياسية من خلال تقارير تشير إلى رغبته في الترشح للرئاسة في ليبيا، وسط غموض بشأن مدى إمكانية ذلك من الناحية القانونية على الأقل.
لكن بعد أن صادق عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، على قانون الانتخابات الرئاسية دون طرحه للتصويت في المجلس، وهو ما أثار جدلاً كبيراً حول مدى قانونية تلك الخطوة، أصبح من حق خليفة حفتر الترشح للانتخابات الرئاسية.
فقد نصت المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية على إمكانية ترشح مسؤول عسكري (للرئاسة في ليبيا) بشرط التوقف "عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب فإنه يعود لسابق عمله".
ويوم 23 سبتمبر/أيلول الماضي، قام حفتر بـ"تجميد مؤقت" لمهامه العسكرية ونقل قيادة قواته إلى الفريق أول عبد الرزاق الناظوري، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس أركان قوات حفتر، مستفيداً من المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية.
هل يعني ذلك أن الانتخابات في ليبيا ستقام في موعدها؟
معلقاً على هذه الخطوة، قال فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة للصحفيين: "نرحب بأي خطوة تساعد على المضي قدماً نحو إجراء انتخابات في 24 ديسمبر/كانون أول المقبل".
وهي الرسالة التي يصر عليها المجتمع الدولي بشكل واضح، إذ يبدو أن إقامة الانتخابات في موعدها هو الهدف الرئيسي، رغم الانقسام الواضح بين ممثلي ليبيا أنفسهم في ملتقى الحوار، بشأن كيفية وآليات إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
فرغم تصديق مجلس النواب على قانون الانتخابات التشريعية، لم تذكر وكالة الأنباء الرسمية ولا المتحدث باسم المجلس تفاصيل حول عدد من حضروا الجلسة في مدينة طبرق (شرق)، ولا نسبة التصويت لصالح القانون ولا بنوده.
وفي 8 سبتمبر/أيلول الماضي، أحال مجلس النواب قانون انتخابات الرئاسة إلى المبعوث الأممي الخاص بليبيا، يان كوبيتش، بعد إقراره من خلال تصديق رئيس المجلس عليه دون طرحه للتصويت.
وفي 19 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن المجلس الأعلى للدولة (نيابي- استشاري) أنه أقر مشروع قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، في حال تعذّر تنظيم استفتاء شعبي على مسودة دستور للبلاد، لكن حتى اليوم لم يتمكن الفرقاء الليبيون من التوافق على قاعدة دستورية تنظم سير الانتخابات.
وفي ظل هذه المعطيات على الأرض، لا يمكن الجزم حتى الآن بما إذا كانت الانتخابات، الرئاسية والبرلمانية، سوف تقام في موعدها المقرر، 24 ديسمبر/كانون الأول، أم سيتم تأجيلها لضيق الوقت، رغم إقرار مجلس النواب لقانوني الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
ماذا يقول مجلس النواب الآن؟
في بيان بمناسبة إنجاز التشريعات اللازمة لإجراء الانتخابات، قالت رئاسة مجلس النواب: "كان لزاماً على المجلس مواكبة رغبة الشعب الليبي صاحب السيادة في تطلعه إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية العام الجاري، وذلك انطلاقاً من المسؤولية الملقاة على عاتقه، لإيصال البلاد إلى بر الأمان والإيفاء بالتزاماته بوضع الإطار القانون والدستوري وإصدار التشريعات اللازمة للاستحقاق الانتخابي في موعده، في 24 ديسمبر (كانون الأول)".
وأكدت الهيئة أن "مجلس النواب بإصداره القانون رقم (1) لسنة 2021، الخاص بانتخاب رئيس البلاد وإقراره قانون الانتخابات البرلمانية، يضع الشعب أمام مسئوليته، ويعيد الأمانة للشعب الليبي العظيم، وبذلك يكون مجلس النواب قد خاض مرحلة صعبة من تاريخ الوطن، استطاع خلالها الحفاظ على وحدة أراضيه رغم عظم التحديات والمؤامرات الداخلية والخارجية".
واعتبرت رئاسة مجلس النواب أنه بإصدار التشريعات والقوانين المنظمة للانتخابات المقبلة يكون المجلس قد أنهى مرحلة من أخطر المراحل التي مرت على تاريخ ليبيا الحديث، وبعد مضي سنوات من عدم الاستقرار والحروب والفوضى، مؤكدة أنه "آن الأوان لأن ينعم الشعب الليبي بحالة من الاستقرار وإنهاء المراحل الانتقالية التي أرهقت الليبيين، ووصلت بالبلاد إلى مرحلة خطيرة".
كما دعت هيئة رئاسة مجلس النواب، في ختام البيان، جميع الأطراف والجهات "إلى أن يجعلوا يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل عرساً انتخابياً تدخل به البلاد إلى مرحلة الاستقرار والبناء والمصالحة، على كافة المستويات، السياسي منها والاجتماعي، لكي تطوي صفحات الاحتراب والخصومة إلى غير رجعة".
ماذا عن موقف حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي؟
لكن مجلس النواب نفسه كان قد زاد المشهد في ليبيا تعقيداً، عقب قراره الشهر الماضي سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إضافة إلى رفض المجلس الأعلى للدولة الطريقة التي صادق بها مجلس النواب على قانون الانتخابات الرئاسية.
لكن إقرار المجلس قانون الانتخابات التشريعية وبيانه في هذا الشأن يشير إلى أن عقيلة صالح، رئيس المجلس، ألقى بالكرة في ملعب السلطة التنفيذية المؤقتة (حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي)، فيما يتعلق بالتحضير لإجراء الانتخابات، وهو ما يثير تساؤلات بشأن إذا ما كان ذلك ممكناً في ظل ضيق الوقت من جهة، وعدم الاتفاق بين فرقاء ليبيا على القواعد الدستورية المنظمة لإجراء الانتخابات.
وهناك أصوات الآن تحذر من أن إجراء الانتخابات في ظل المشهد الحالي، خصوصاً وجود المرتزقة في البلاد، وعدم توحيد المؤسسة العسكرية، ربما تكون خطوة غير مكتملة ولا تؤدي إلى الاستقرار المنشود. ويتساءل أصحاب الرأي عن كيف سيكون رد فعل خليفة حفتر حال خسارته في الانتخابات الرئاسية وعودته إلى قيادة ميليشيات شرق ليبيا مرة أخرى؟ هل سيقبل بنتائج العملية السياسية هذه المرة، أم أنه سيواصل تمسكه بطموحه الشخصي؟
ومن الأسئلة الأخرى التي لا يبدو أن هناك إجابة واضحة عنها: هل سيترشح أي من المسؤولين الحاليين (بخلاف حفتر بالطبع الذي اتخذ خطوة عملية تجاه ترشحه) للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية؟ المفترض طبقاً لقواعد ملتقى الحوار ألا يكون ذلك وارداً، لكن التراجع عما تم الاتفاق عليه، سواء في شأن القواعد المنظمة للانتخابات أو الملفات الأخرى كخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب يفتح الباب أمام جميع الاحتمالات.