دفعت التطمينات الخارجية رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، إلى قبول تكليفه بتشكيل حكومة في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد. وظهر أول هذه التطمينات من الدولة الفرنسية، التي تربطها بلبنان علاقات تاريخية خاصة.
فالأسبوع الماضي، افتتح ميقاتي عهده الحكومي عبر بوابة باريس، حيث التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في قصر الإليزيه، لتحطّ بعدها طائرته في لندن، حيث التقى عدة مسؤولين.
"لا مساعدات للبنان دون إصلاحات"
كلام موحّد سمعه رئيس الوزراء اللبناني، من باريس ولندن، مفاده: "لا شيكات على بياض، ولا مساعدات ماليّة من دون إجراء إصلاحات".
وتشكّلت الحكومة اللبنانية برئاسة ميقاتي، عقب 13 شهراً من التعثّر، إثر استقالة حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب، في 10 أغسطس/آب 2020، بعد 6 أيّام من انفجار كارثي في مرفأ بيروت.
ويأمل اللبنانيون أن تضع الحكومة الجديدة حداً للأزمة الاقتصاديّة الحادّة التي تضرب البلاد منذ أواخر 2019، وأدّت إلى انهيار مالي وارتفاع قياسي بمعدّلات الفقر، فضلًا عن شحّ في المحروقات والأدوية وسلع أساسية أخرى.
وعقب غداء عمل جمع ميقاتي وماكرون، خرج الاثنان بوجهين مبتسمين، وعقدا مؤتمراً صحفياً أمام قصر الإليزيه، وأكد ميقاتي لماكرون عزمه على تنفيذ إصلاحات "لإنعاش الاقتصاد، ومواصلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي".
أما الرئيس الفرنسي فجدد تأكيده أن "لا مساعدات للبنان ما لم تُقْدِم سلطته على القيام بإصلاحات حقيقيّة في نظامَيه الاقتصادي والمالي".
وبعد أيام عدة، دعا مجلس الأمن الدولي، الإثنين، الحكومة اللبنانية الجديدة إلى "التنفيذ العاجل والشفّاف للإصلاحات المعروفة والضرورية والأساسية، للاستجابة للاحتياجات المُلحة والتطلعات المشروعة للشعب".
بناء على ذلك، يعتبر المحلل السياسي جوني منيّر، أن "المدخل لكل مساعدات دولية هو صندوق النقد الدولي، والإصلاحات"، مشيراً في حديث لـ"الأناضول"، إلى أن "الفرنسيين ركّزوا على الإصلاحات في قطاع الكهرباء، خصوصاً تأليف (تشكيل) الهيئة الناظمة له".
والهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء لها الحق بإصدار التراخيص للشركات الخاصة التي تنوي إنتاج الكهرباء وبيعها إلى شركة "كهرباء لبنان".
وتعاني البلاد منذ أكثر من شهرين، نقصاً حاداً في الوقود المخصص للاستخدام بمحطات توليد الطاقة الكهربائية، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده، ما أدى إلى زيادة عدد ساعات انقطاع الكهرباء أو التقنين (نحو 20 ساعة يومياً).
وعادة تغطي المولدات الخاصة النقص في الوقود المخصص لتوليد الكهرباء، لكنها تعمل بوقود الديزل، الذي تشهد البلاد أيضاً أزمة حادة في توفيره.
ماذا عن الدعم السعودي للبنان؟
في السياق، يشدد منيّر على أنه "لا يمكن التعويل على أي دعم خارجي أو خليجي، قبل تنفيذ الإصلاحات". ويتوافق كلام منيّر، مع الخبير في الشؤون الأوروبية تمّام نور الدين، الذي أوضح لـ"الأناضول"، أنه "لا مساعدات إلى لبنان من دون إصلاحات".
من جهته، يعتبر المحلّل السياسي محمد نمر، أنه "من الواضح أن هذه الحكومة أتت نتيجة تواصل بين فرنسا وإيران". ويضيف "نمر"، في حديث للأناضول، أن "أكثر دولة ممكن أن يتم التواصل معها هي فرنسا".
وبيّن أنّ "فرنسا ليس لديها الدّعم الكافي لتنقذ لبنان، والذي لا يمكن إنقاذه إلّا عبر ممرّ الخليج، وتحديدًا السعودية، الّتي كانت لديها تاريخيًّا القدرات الأكبر في انتشال البلاد من أزماتها".
وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية عربية لـ"عربي بوست"، إن اتصالاً رُتّب يوم الإثنين 27 سبتمبر/أيلول 2021، بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لمناقشة الملف اللبناني عقب تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي مطلع الشهر الحالي.
وبحسب المصدر فإن الاتصال بين الجانبين ناقش سبل مساعدة لبنان للخروج من أزمته ودعم الحكومة الجديدة، في ظل تعهدها بالقيام بإصلاحات.
إذ شدّد ماكرون لولي العهد السعودي على تطلّع باريس لقيام الرياض بإجراءات تنقذ لبنان، عقب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها منذ سنتين، والتي أثرت على جزء كبير من اللبنانيين.
السعودية ترفض صراحة دعم حكومة ميقاتي
لكن -وفق المصدر- الموقف السعودي لم يكن إيجابياً، وأكد بن سلمان لماكرون على عدم الرضا السعودي عن آلية تشكيل الحكومة، وعن السياسات اللبنانية المستمرة التي بقيت على حالها.
ووفقاً للمصدر، فإن بن سلمان أوضح للرئيس الفرنسي خلال اتصالهما أن مشكلة السعودية مع لبنان ليست في الأشخاص ولا في الحكومة، بل في السياسات اللبنانية المتّبعة، ولا سيما السياسة الخارجية والأداء المستمر وتغطية ممارسات حزب الله في المنطقة العربية.
وفي اتصالهما شدّد بن سلمان لماكرون على أن المشكلة السعودية الأوضح مع لبنان هي حزب الله، وقدرته على فرض سياسته الخارجية على الحكومة الرسمية.
لذا، لا يمكن لأي مسؤول سعودي أن يوافق على مسايرة الفرنسيين وتقديم الدعم للبنان، فيما حزب الله يستمر في مواجهة السعودية في اليمن والعراق وسوريا.
وأوضح بن سلمان للرئيس الفرنسي أن المملكة غير مستعدة في الوقت الحالي لاستقبال ميقاتي واللقاء معه، وإعطائه شرعية للحكومة، في ظل الأداء المستمر والنهج المتبع، وأن أقصى ما يمكن أن تقدمه هو لقاء مع وزير الخارجية فيصل بن فرحان، وليس مع الملك سلمان أو ولي العهد السعودي.
ضمانات فرنسية للحكومة اللبنانية الجديدة.. هل تكفي لطمأنة السعودية؟
وخلال الاتصال بينهما، أوضح المصدر لعربي بوست أن ماكرون أكد لولي العهد السعودي استعداد بلاده تقديم سلسلة ضمانات متعلقة بأداء الحكومة القادمة، والتي تعتبر مهمتها الحالية وقف التدهور الحاصل في الاقتصاد المحلي، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإجراء انتخابات برلمانية بإشراف دولي، تسمح بإجراء تغيير على المجموعة الممسكة بالسلطة منذ عقود.
ووفقاً للمصدر فإن ماكرون حثّ بن سلمان على ضرورة الاستفادة من المناخات الإيجابية للحوار بين السعودية وإيران، والعمل على نقل هذه المناخات لتنعكس على لبنان، في ظل أنه بحاجة للدول العربية للوقوف إلى جانبه في هذه المرحلة الصعبة.
بحسب المصدر، فإن وفداً فرنسياً سيضم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ورئيس المخابرات الخارجية برنار إيمييه، سيتوجهون لزيارة المملكة العربية السعودية للقاء مسؤولين سعوديين ومناقشة الملف اللبناني بشكل أوسع.
يأتي هذا قبيل الزيارة المرتقبة لماكرون، التي ينوي إجراءها قبيل نهاية العام لدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لحشد دعم للبنان من دول مجلس التعاون الخليجي.
لبنان قد يتوجه إلى الكويت وقطر بعد إغلاق السعودية أبوابها
ومنذ تشكيل حكومة ميقاتي قبل نحو ثلاثة أسابيع، لم يصدر أي بيان سعودي أو تعليق حولها، حيث أنّ موقفها من لبنان لا يتوقف على القيام بإصلاحات فقط، بل وقف تأثير "حزب الله" السلبي على علاقات البلدين التاريخية.
ومنذ تكليفه، لم يوفّر نجيب ميقاتي، فرصة أو خطابا، إلا وذكر الدول العربية بهدف الحصول على دعمها وتأييدها لحكومته. وعقب زيارته فرنسا، ارتفعت حدّة الأحاديث عن زيارة مرتقبة لميقاتي إلى الخليج وتحديدا للكويت وقطر.
وحتّى اليوم، لم يُصدر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، أيّ تعليق على هذه الأنباء، ولم يحدد أيّ موعد لزيارة خارجية جديدة لميقاتي.
ويقول محللون للأناضول إن زيارة ميقاتي إلى الكويت وقطر ومصر واردة. مؤكدين على أن "هذه الزيارات ستعني تأييدا سياسيا، أما التأييد المالي فسيتأخر بانتظار الاتفاق مع صندوق النّقد الدولي".