تلقت الشراكة التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي ضربة قوية، إثر قرار محكمة العدل الأوروبية مساء الأربعاء، 29 سبتمبر/أيلول 2021، في لوكسمبورغ، إلغاء العمل باتفاقيتين تجاريتين بينهما، على أساس أنهما تشملان منتجات قادمة من الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المملكة وجبهة البوليساريو. فما هذه الاتفاقية وما قيمتها، وما الأسباب التي دفعت أوروبا لهذه الخطوة؟
ما عقد الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي الذي تم إلغاؤه؟
أبرم المغرب والاتحاد الأوروبي عقد شراكة موسعاً عام 1996، دخل حيز النفاذ أربعة أعوام بعد ذلك، ويشمل عدة جوانب أهمهما بالنسبة للمغرب تصدير المنتجات الزراعية بما فيها القادمة من الصحراء الغربية، وقد تم تجديده آخر مرة العام 2012، وفق معطيات رسمية.
تتضمن هذه الشراكة أيضاً اتفاقاً للصيد البحري، تم تجديده آخر مرة في 2019، ويمكّن 128 سفينة أوروبية من الصيد في المياه المغربية لمدة أربعة أعوام، مقابل 52,2 مليون يورو، يمنحها الاتحاد الأوروبي سنوياً للمغرب، وفق معطيات رسمية.
لكن جبهة البوليساريو، التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، اعترضت لدى محكمة العدل الأوروبية على هذه الاتفاقية، كون اتفاقي التبادلات الزراعية والصيد البحري يشملان الصحراء الغربية، وعلى هذا الأساس لجأت إلى محكمة العدل الأوروبية لطلب إلغائهما.
ما ردود الفعل لدى الأطراف المتنازعة على هذا القرار الأوروبي؟
وصفت الجبهة، التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية الحكم "بأنه نصر كبير للشعب الصحراوي"، كما كتب ممثلها في الاتحاد الأوروبي أبي البشير على تويتر.
في المقابل أكدت الرباط وبروكسل في تصريح مشترك إثر إعلان القرار التزامهما بمواصلة شراكتهما التجارية، واتخاذ "الإجراءات الضرورية من أجل تأمين الإطار القانوني الذي يضمن استمرارية واستقرار العلاقات" بينهما.
من جهته، قال مسؤول دبلوماسي مغربي في الرباط لوكالة فرانس برس، إن قرار المحكمة الأوروبية "بُني على معطيات مغلوطة واعتبارات أيديولوجية".
وأضاف معلقاً على مسألة اعترافهم بتمثيلية البوليساريو لشعب الصحراء الغربية: "ماذا يكون إذن موقع المنتخبين الذين اختارهم سكان الأقاليم الجنوبية لتمثيلهم، وشاركوا في جلسات المفاوضات برعاية الأمم المتحدة؟".
ونصّ الحكم، الذي جاء بناء على دعوى تقدمت بها جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء الغربية، على "إلغاء قرارات مجلس الاتحاد الأوروبي المتعلقة باتفاقيتين مبرمتين مع المغرب حول المنتجات المغربية من جهة، والصيد البحري من جهة ثانية".
لكن المحكمة أشارت إلى أن هذا القرار سيدخل حيز النفاذ في غضون شهرين، وسيستمر العمل بالاتفاقيتين التجاريتين خلال هذه المدة.
واعتبرت أن الاتفاقيتين "لم تراعيا ضرورة الحصول على موافقة شعب الصحراء الغربية باعتباره طرفاً معنياً بهما"، و"أنهما لا تمنحانه حقوقاً بل تفرضان عليه واجبات".
كما استندت في قرارها إلى أن جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية "معترف بها على الصعيد الدولي كممثل لشعب الصحراء الغربية".
ما بعد القرار الأوروبي
بعد القرار، حرص وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي المكلف بالسياسة الخارجية جوزيف بوريل، على التأكيد في تصريح مشترك: "سنظل على أتمّ الاستعداد من أجل مواصلة التعاون… في مناخ من الهدوء والالتزام لتوطيد الشراكة الأوروبية- المغربية".
وأوضح مسؤول دبلوماسي مغربي لوكالة فرانس برس أن "المغرب والاتحاد الأوروبي يقفان موحَّدين في صفٍّ واحد لمواجهة أعداء شراكتهما، أي الجزائر والبوليساريو"، حسب تعبيره.
وأضاف: "الحكومة المغربية ليست طرفاً في الدعوى؛ لذلك ننتظر من الاتحاد الأوروبي أن يقدم طعناً في قرار المحكمة الأوروبية"، مؤكداً أن هذا القرار "لن يؤثر على سير التبادلات التجارية بين الطرفين".
وتعتبر الصحراء الغربية موضوع نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر، وهي منطقة تصنفها الأمم المتحدة بين "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".
وتطالب جبهة البوليساريو، مدعومة من الجزائر، بإجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية بإشراف الأمم المتحدة، التي أقرته عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المتحاربين، في سبتمبر/أيلول 1991.
في حين يعتبرها المغرب، الذي يسيطر على ما يقرب من 80% من مساحتها، جزءاً لا يتجزأ من أراضيه، ويقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادته.
وتدعو الأمم المتحدة أطراف النزاع إلى استئناف المفاوضات من أجل "حل سياسي" للنزاع. غير أن كل محاولاتها باءت بالفشل حتى الآن، ومنذ استقالة آخر مبعوث للأمم المتحدة توقفت المفاوضات الرباعية التي تضم المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا.
وأعلن المغرب قبل أسبوعين موافقته على تعيين الدبلوماسي الإيطالي السويدي ستافان دي ميستورا مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة للصحراء الغربية، وهو منصب شاغر منذ 2019.
القرار يأتي في ظل تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر
وكانت كل من المغرب والجزائر، قد تبادلتا يوم الإثنين 27 سبتمبر/أيلول 2021، الاتهامات خلال خطاب وزيري خارجيتهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبب النزاع الدائر حول "إقليم الصحراء"، في وقت لا تزال فيه العلاقات مقطوعة بين البلدين.
وزير الخارجية الجزائري رمطان لمعامرة قال من على منبر الجمعية العامّة إنّ "حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره حتمي وثابت، وغير قابل للتقادم"، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
لمعامرة اعتبر أن "تنظيم استفتاء حرّ ونزيه لتمكين هذا الشعب الأبيّ (سكان إقليم الصحراء) من تقرير مصيره وتحديد مستقبله السياسي، لا يمكن أن يظل إلى الأبد رهينة لتعنت دولة محتلّة، أخفقت مراراً وتكراراً في الوفاء بالتزاماتها الدولية"، وفق تعبيره.
من جهته ردّ وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، في خطاب مسجّل عبر الفيديو، بُثّ أمام الجمعية العامّة، أنّ "المشاركة الكثيفة لسكان الصحراء المغربية في الانتخابات" التي جرت أخيراً "تجسّد تشبّثها بالوحدة الترابية للمملكة وانخراطها التامّ والفعّال" في البرامج التنموية التي أطلقتها الرباط في هذه المنطقة.
أكّد بوريطة على "جوّ الهدوء والطمأنينة الذي تشهده منطقة الصحراء"، مستشهداً "بتسجيل المنطقة لأعلى نسبة مشاركة في الاستحقاقات على المستوى الوطني، بلغت 63%".
كذلك اعتبر الوزير المغربي أنّه لا حلّ لأزمة إقليم الصحراء "إلا في إطار تحمّل الجزائر لمسؤوليتها كاملة في المسلسل السياسي للموائد المستديرة، وذلك على قدر مسؤوليتها في خلق واستمرار هذا النزاع".
وكانت الجزائر قد قطعت، في نهاية أغسطس/آب 2021، العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وقالت إن ذلك "بسبب الأعمال العدائية للمملكة ضدها"، في قرار اعتبرت الرباط أنه "غير مبرر". وفي مؤشر آخر على توتر العلاقات بين البلدين قررت الجزائر، في 22 سبتمبر/أيلول، أن تغلق "فوراً" مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية.