في تطور قد يكون استراتيجياً أعلنت كوريا الشمالية عن إطلاقها أول صاروخ فرط صوتي من تصنيعها، لمَّحت إلى أنه قادر على حمل أسلحة نووية، وقد يمثل تغييراً استراتيجياً بين بيونغ يانغ وخصومها الآسيويين وكذلك الولايات المتحدة.
وأفادت وكالة الأنباء المركزية في كوريا الشمالية بأن الصاروخ الذي أطلقته بيونغ يانغ الثلاثاء 28 سبتمبر/أيلول 2021، صاروخ فرط صوتي تم تطويره مؤخراً، ويحمل اسم "هواسونغ-8".
ويقصد بالصاروخ فرط صوتي أن سرعته تفوق سرعة الصوت عدة مرات.
وأشارت الوكالة إلى أن "تطوير مثل هذه الأنظمة من الأسلحة يعزز القدرات الدفاعية" لكوريا الشمالية.
وأضافت أنه "في أول تجربة له، أكد علماء القطاع الدفاعي الوطني التحكم في تحليق الصاروخ واستقراره في أثناء عمله".
وأكدت أن مواصفات الصاروخ "هواسونغ 8″، تتجاوب مع مواصفاته المنشودة، وضمن ذلك قدرته على المناورة وتحليق الرأس القتالي فرط الصوتي الذي يحمله.
واختبرت كوريا الجنوبية مؤخراً أول صاروخ باليستي يطلق من غواصة، وقالت إنه كان ضرورياً لردع "استفزازات" كوريا الشمالية.
وتدعو الولايات المتحدة كوريا الشمالية إلى التخلي عن أسلحتها النووية. وحتى الآن، يسود التوتر علاقة بيونغ يانغ بإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
كما تسود بين اليابان وكوريا الشمالية توترات متجذرة منذ استعمار اليابان لكوريا لمدة 35 عاماً، إضافة إلى مواصلة بيونغ يانغ برامجها النووية والصاروخية، واختطاف كوريا الشمالية مواطنين يابانيين في الماضي.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن بيونغ يانغ مصممة على إثبات أنها ستستمر في تطوير أنظمة أسلحة جديدة، بدعوى أنها ضرورية للدفاع عن نفسها.
صاروخ فرط صوتي بقدرات استراتيجية
وقالت وسائل إعلام رسمية بكوريا الشمالية إن الصاروخ الجديد هو أحد "أهم خمسة" أنظمة أسلحة جديدة في خطتها للتطوير العسكري التي تمتد على مدار 5 سنوات.
ووصفت وسائل الإعلام الرسمية الصاروخ الجديد بأنه "سلاح استراتيجي"، وهو ما يعني عادةً أن له قدرات نووية.
وكان الإطلاق الأخير ثالث تجربة صاروخية بالبلاد هذا الشهر.
فقد كشفت كوريا الشمالية في وقت سابق، عن نوع جديد من صواريخ كروز، إضافة إلى نظام صاروخي باليستي جديد يطلق من القطارات.
ماذا نعرف عن هذا الصاروخ الجديد؟
الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، خاصةً الفرط صوتية، أسرع بكثير من الصواريخ العادية، ما يجعل اعتراضها أكثر صعوبة على أنظمة الدفاع الصاروخي، وفقاً لوكالة فرانس برس للأنباء.
وقال أنكيت باندا، وهو باحث كبير بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن من الصعب، في هذه المرحلة، تقييم "القدرات الدقيقة" للصاروخ.
لكنه أضاف أنه "يُفترض أن يمثل تحدياً مختلفاً تماماً للدفاع الصاروخي عن التحدي التقليدي التي تمثله الصواريخ الباليستية"، حسب ما نقل عنه موقع "بي بي سي" البريطاني.
ولا يعتبر تطوير مقذوفات تحلّق بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت بالأمر المفاجئ، إذ إن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، كان قد أشار إلى الأمر في يناير/كانون الثاني، بحسب باندا.
تستطيع إطلاقه خلال وقت قصير وهذا يعني إمكانية تجنبه للقصف الجوي
وشهد السلاح الجديد أيضاً قيام كوريا الشمالية بإدخال أسطوانة وقود على الصواريخ للمرة الأولى، وهو ما وصفه باندا بأنه "تطور مهم".
ووفقاً لصحيفة "كوريا تايمز"، يبدو أن ذلك يشير إلى نوع من الوقود السائل، من شأنه أن "يقلل من وقت التحضير لإطلاق صاروخ ويجعل السلاح جاهزاً للاستخدام بسرعة مماثلة تقريباً لصواريخ الوقود الصلب، وذلك مقارنة بالصواريخ التقليدية التي تحتاج إلى حقن الوقود قبل إطلاقها".
وقال باندا: "يمكن لذلك أن يجعل الجزء الأكبر من القدرات الصاروخية بعيدة المدى في كوريا الشمالية أكثر استجابة خلال الأزمات ويجنّبها الحاجة إلى التزود بالوقود في الميدان"، وهو أمر يساعد على زيادة تجنب الصواريخ لفرص القصف الجوي الذي يهدف إلى إحباط عملية الإطلاق.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي، إن كوريا الشمالية أعادت -على ما يبدو- تشغيل مفاعل يمكنه إنتاج البلوتونيوم للأسلحة النووية، فيما وصفته بأنه تطور "مقلق للغاية".
ويعتبر إطلاق الصاروخ، الثلاثاء، مؤشراً آخر على تطور تكنولوجيا الأسلحة في بيونغ يانغ رغم العقوبات الصارمة.
هل تستطيع الصواريخ فرط صوتية تجاوز الأنظمة الدفاعية الجوية الحالية؟
من المعروف أن الصين وروسيا والولايات المتحدة تعمل على تطوير نماذج أولية لصواريخ فرط صوتية، كما تبحث فرنسا أيضاً في تطوير قدرات تفوق سرعة الصوت؛ لتأكيد الجيل القادم من الردع النووي.
والتفاصيل حول ما يمكن أن تفعله الأسلحة فرط صوتية والوصول إلى أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، غامضة إلى حد ما، بسبب الطبيعة السرية للغاية لهذه التكنولوجيا.
الرأي السائد هو أن الجيل الحالي من الأسلحة الدفاعية غير قادر إطلاقاً على اعتراض صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت أو مركبة انزلاقية، حسب موقع Airforce Technology
يوضح جاستن برونك، زميل الأبحاث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، أن أنظمة الدفاع الباليستية تعتمد على حقيقة أن الصواريخ بطبيعتها تتبع مساراً باليستياً؛ ومن ثم يمكن التنبؤ به.
ويضيف: "بمجرد إدخال حمولة انزلاقية تفوق سرعة الصوت، تصبح قادرة على تغيير اتجاهها بشكل كبير، وتغيير مسار طيرانها"، "أنت تنظر بعد ذلك إلى شيء لم يعد يتبع مساراً يمكن التنبؤ به".
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنه باستثناء نظام الاعتراض الأرضي (GBI) الذي يتم تطويره بتكلفة كبيرة في الولايات المتحدة، ولم يعمل بعد، لا توجد حالياً إمكانية لاعتراض حتى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات القياسية، والتي سرعتها أقل بكثير من الصواريخ فرط صوتية، خاصةً الصواريخ المتعددة الرؤوس، التي يُعتقد أن كوريا الشمالية طورت نسخاً محلية منها.
وفي حال نجاح تجربة فرط الصوتية الأخيرة فهذا يعني أن كوريا الشمالية أضافت وسيلة جديدة قادرة على اختراق أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية، إضافة إلى الصواريخ الباليستية متعددة الرؤوس التي يُعتقد أنها بحوزتها.
يبقى السؤال حول مدى هذه الصواريخ الكورية فرط صوتية، وهل تصل لليابان أو الولايات المتحدة، غير أنه حتى لو كان مداها قصيراً، فإن تاريخ برنامج كوريا الشمالية الصاروخي يشير إلى قدرتها على إطالة مدى صواريخ باطراد لافت.