جاء بيان مجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة، ثم قرار إثيوبيا تعليق عمل سفارتها في مصر، ليزيد الأوضاع توتراً وغموضاً بشأن الأزمة، ويثير تساؤلات حول جدوى المسار الحالي، في ظل غياب أي ضغط على الأطراف لإيجاد حل.
وبينما جدد البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 15 سبتمبر/أيلول بشأن سد النهضة الإثيوبي الحديث عن استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي لحل الخلاف المستمر منذ عشر سنوات، جاء إعلان السفير الإثيوبي في مصر، ماركوس تكلي، اليوم الأحد، تعليق أعمال السفارة الإثيوبية في القاهرة بداية من أكتوبر/تشرين الأول المقبل لمدة قد تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، ليؤكد أن أديس أبابا لا تريد الاستجابة لتوجهات مجلس الأمن.
ومع أن تكلي، قال في تصريحات مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إن القرار جاء لأسباب مالية واقتصادية تتعلق "بخفض تكاليف إدارة السفارة، وليس بسبب أزمة سد النهضة بين البلدين في الوقت الحالي"، إلا أنه لا يتصور أن أسباباً مالية وراء تعليق عمل السفارة في البلد الذي تخوض معه إثيوبيا صراعاً دبلوماسياً عالي المستوى.
ويبدو أن القرار الإثيوبي، جاء رداً على بيان مجلس الأمن الذي اعتبرته القاهرة إنجازاً لدبلوماسيتها حسب توصيف وزير خارجيتها سامح شكري، على الرغم من أن البيان الرئاسي أضعف من القرار، كما أنه يخلو من أي إطار زمني أو تلويح بضغوط.
ماذا يقول بيان مجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة؟
ويأتي هذا البيان بعد شهرين من اجتماع مجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة، الذي عُقد بناءً على طلب مصر والسودان احتجاجاً على استمرار إثيوبيا في اتخاذ إجراءات أحادية. لكن البيان لم يحدد جدولاً زمنياً أو منهجية لهذه العملية، بل اكتفى بإلقاء كامل المهمة على الاتحاد الإفريقي.
ورغم ذلك، رحبت مصر والسودان به، ووافق البلدان على العودة للانخراط في المفاوضات بقيادة الاتحاد الإفريقي.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان إن هذا البيان الرئاسي "يفرض على إثيوبيا الانخراط بجدية وبإرادة سياسية صادقة بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزِم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة". من جانبها، أعربت وزارة الخارجية السودانية عن أملها في أن "يدفع البيان الأطراف الثلاثة إلى استئناف التفاوض في أقرب الآجال، وفق منهجية جديدة وإرادة سياسية ملموسة".
لا تعترف بدور مجلس الأمن في أزمة سد النهضة
في المقابل، فإن وزارة الخارجية الإثيوبية صرحت بأن "إثيوبيا لن تعترف بأي مزاعم قد تثار على أساس هذا البيان الرئاسي. ومن المؤسف أن مجلس الأمن يعلن عن موقفه في مشكلة تخص حقوق المياه والتنمية وهي خارج نطاق صلاحياته".
وفي غضون ذلك، لم يعلن الاتحاد الإفريقي رسمياً بعد عن أي خطوة لاستئناف المفاوضات. واختتم وزير خارجية جمهورية الكونغو الديمقراطية كريستوف لوتندولا- الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي- جولة من المناقشات يوم 16 سبتمبر/أيلول مع وزراء من مصر والسودان وإثيوبيا خلال جولة إقليمية تهدف إلى إيجاد منهجية مشتركة لاستئناف المفاوضات.
وقال مصدر حكومي مصري مطلع على ملف سد النهضة لموقع Al Monitor الأمريكي، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "الجهود الكونغولية تهدف إلى الوصول إلى منهجية واضحة لتنظيم عملية التفاوض، التي تتفق عليها الأطراف الثلاثة".
وأشار إلى أن المصريين والسودانيين يريدون دوراً أكبر للمراقبين الدوليين، ولكن "لا تزال توجد مشكلات قانونية مثيرة للجدل تتعلق بالاتفاق على تشغيل وملء سد النهضة، ويمكن تكثيف المناقشات حوله للوصول إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف. وهذا الحل سيشمل تقديم ضمانات قانونية لجهات ضامنة دولية في حالة عدم امتثال أحد الأطراف".
وتابع المصدر: "قرار مصر واضح وغير قابل للتفاوض فيما يخص الجوانب الفنية لملء السد وتشغيله. وهذا لضمان عدم إلحاق أي ضرر كبير بالأمن المائي في مصر، خاصة خلال فترات الجفاف الطويلة".
التوتر الداخلي في إثيوبيا يلقي بظلاله على الأزمة
وفيما يتعلق بإمكانية نجاح العودة لمفاوضات سد النهضة، قال خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، لموقع Al Monitor إن دخول مصر في أي جولة من المفاوضات سيكون "اختباراً جديداً لجدية إثيوبيا في حل المشكلة".
وأضاف عكاشة: "التوتر الأمني وهشاشة الوضع السياسي في إثيوبيا يؤثران بلا شك على التزامات إثيوبيا على طاولة المفاوضات".
وقال أيمن عبد الوهاب، الخبير في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث لموقع Al Monitor إن "بيان مجلس الأمن أجّل الموضوع مرة أخرى وأعاده إلى الاتحاد الإفريقي الذي نفدت خياراته لاحتواء الأزمة. وفي الوقت نفسه، لا تُمارَس أي ضغوط على الطرف الذي يعرقل الحل"، في إشارة إلى إثيوبيا.
وقال عبد الوهاب إن المشاكل الداخلية في إثيوبيا الناتجة عن الحرب المستمرة في إقليم تيغراي تمثل عقبة أيضاً، و"لا يمكن لنظام آبي أحمد إعطاء الأولوية لمفاوضات سد النهضة في ظل الوضع الحالي".
لا بديل عن فرض ضغوط على إثيوبيا
ويرى عبد الوهاب أن "مسار المفاوضات لن يكون مفيداً إلا إذا فُرضِت ضغوط اقتصادية حقيقية.. وهذا قد يكون الحل العملي، لأن إثيوبيا بحاجة إلى تمويل لتستمر في بناء مرافق السد قبل مرحلة الملء الثالثة".
يقول عمار أراكي، الصحفي السوداني المتخصص في الشؤون الإفريقية، إنه متفائل بالنجاح. وقال لموقع Al Monitor: "تدهور الوضع السياسي والأمني والاحتقان الداخلي ضد حكومة أحمد سيقلل بالتأكيد من المناورات السياسية للحكومة الإثيوبية التي كثيراً ما استغلت بطاقة سد النهضة لخدمة مصالحها الداخلية وتوحيد الأعراق الإثيوبية المتصارعة. ولذلك يتعين على الحكومة الإثيوبية تحمل مسؤولياتها هذه المرة وحل المشكلات العالقة مع مصر والسودان، والتوصل إلى تسوية في مشكلة السد".
وأشار عمار إلى أن "امتداد المعارك والمشاكل الأمنية إلى إقليم بني شنقول، موقع سد النهضة، سيزيد الضغط على الحكومة الإثيوبية لتأمين السد وحمايته من أي عملية عسكرية".
وأضاف: "هذه المشكلات الأمنية قد تؤدي إلى تسوية الخلاف مع مصر والسودان، حيث إن إطالة أمد المفاوضات يهدد السد ويزيد من الضغط على حكومة أحمد".
وتظل آلية المفاوضات الجديدة هي المحدد الرئيسي لكيفية حل الخلافات بين الدول الثلاث، بمنح مزيد من الصلاحيات للمراقبين والخبراء الأجانب بما يتوافق مع القانون الدولي.