بعيد فترة قليلة من اجتياح فيروس كورونا العالم، كان الجيش الصيني يشرع في حملات تبرُّع ضخمة من أجهزة اختبارات سريعة ومعدات الوقاية الشخصية وأقنعة الوجه ومئات آلاف الجرعات من اللقاحات المضادة للفيروس فيما بعد، لنظرائه في الخارج في العديد من القارات.
وأعلن جيش التحرير الشعبي، الذي يبلغ قوامه ملايين الأفراد، بفخرٍ عن إنجازه، ووصفه بأنه أحدث مثالٍ على مساعدة الجيش للصين على أن تصبح "صاحبة مصلحة مسؤولة". وأظهر موقع وزارة الدفاع، الذي يروِّج لأنشطة جيش التحرير الشعبي في كمبوديا التي دعمتها بكين، أعلام البلدين، تحت شعار "أمواجٌ عاصفة أو مياهٌ هادئة، نبحر معاً". وفي زيمباوبي أيضاً، كان الشعار: "في الأوقات الصعبة، نرعى بعضنا بعضاً". أما في رواندا: "قَدَرُ الإصبعين أن يعيشا معاً".
ما الذي تغير على الجيش الصيني خلال فترة حكم شي جين بينغ؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية: تاريخياً، لم يضطلع الجيش الصيني إلا بدورٍ ثانوي في سياسة بكين الخارجية. ولكن منذ أن تولَّى الرئيس شي جين بينغ السلطة، منذ ما يقرب من عقدٍ من الزمان، ابتعدت بكين عن عقيدة "الاختباء والترقُّب"، لتتجه صوب "إنجاز شيءٍ ما بنشاط" على المسرح العالمي. في العام 2015، حثَّ شي قواته على القيام بدورٍ أبرز في دعم أجندة السياسة الخارجية للصين.
في ذلك العام، أرسل الجيش الصيني فريقاً مكوَّناً من 163 خبيراً طبياً إلى ليبيريا، لمساعدة الدولة المُحاصَرة الواقعة في غرب إفريقيا، في جهودها لاحتواء فيروس إيبولا. ولكن منذ اندلاع جائحة كوفيد-19، نما دور جيش التحرير الشعبي لخدمة الأهداف الإستراتيجية والعملية للصين، وفقاً لمايا نوينز، الباحثة البارزة في سياسة الدفاع الصينية والتحديث العسكري في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن.
بعد وقتٍ قصيرٍ من إعلان اندلاع الجائحة العالمية العام الماضي، بدأت نوينز تلاحظ زيادةً في مساعدة جيش التحرير الصيني نظرائه في دولٍ أخرى في مكافحة الجائحة. وفي الشهر الذي تلا إعلان اندلاع الجائحة، في مارس/آذار 2020، زادت التبرُّعات الطبية للصين لدول عديدة بنسبة 400% مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق.
ووفقاً لمشروع الطاقة الصيني في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، فقد قدَّم الجيش الصيني مساعدةً طبية لأكثر من 50 جيشاً آخر منذ أوائل العام 2020.
جائحة كورونا كانت "فرصةً لتعزيز سردية الصين"
ليست الصين الدولة الوحيدة التي تستخدم كوفيد-19 كفرصةٍ لتوسيع نفوذها الدبلوماسي. لكن "دبلوماسية كوفيد" في بكين، التي تجري في ظلِّ دبلوماسية المواجهة ودبلوماسية المحارب الذئب، أثارت قلق بعض المعلِّقين الغربيين.
قالت نوينز: "إذا كانت الصين يُنظَر إليها على أنها الدولة الوحيدة التي تقدِّم المساعدة، فقد تصبح هذه فرصةً أخرى للصين لتعزيز سرديتها، والإشارة إلى أن بكين فقط هي التي ترعى مصالح الدول الأخرى ورفاهيتها".
أضافت نوينز أن هذه أيضاً كانت فرصةً للزعماء الغربيين لتقديم بدائلهم الخاصة. وقالت: "في الوقت الذي يحاول فيه الغرب إبطال سردية الصين وتحسين الشراكات مع الدول لتقديم بدائل عن مبادرة الحزام والطريق أو البنية التحتية الرقمية، يتعيَّن على الغرب الإشارة إلى أنه لا يتحدَّث فقط عن الشراكات، بل تتطابق أفعاله مع كلماته".
وأضافت بوني لين، مديرة مشروع الطاقة في الصين التابع لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: "سيكون من المهم بشكلٍ خاص للدول الغربية زيادة تبرُّعات اللقاحات للدول المحتاجة، وهذا من شأنه أن يمثِّل تناقضاً صارخاً مع قرار الصين بتوفير الجزء الأكبر من لقاحاتها من خلال المبيعات التجارية".
حلم الصين الأكبر
تقول الغارديان، إن الدور الذي يقوم به جيش التحرير الشعبي يُضخَّم في دبلوماسية الصين من خلال تحديث القوات المسلَّحة لنفسها. بحلول نهاية العام الجاري 2021، ستزيد بكين من إنفاقها الدفاعي بنسبة 6.8% إلى 1.35 تريليون يوان (208 مليار دولار). وفي السنوات القليلة الماضية، أوضح شي أيضاً "حلمه بقواتٍ مسلَّحة قوية" في أطروحته "حلم الصين". يتضمَّن ذلك تحديث جيشه بحلول عام 2035. بعبارةٍ أخرى، أن يصبح الجيش الصيني قادراً على مواجهة الجيش الأمريكي.
يرى البعض في واشنطن أن هذا الاتجاه ينذر بالخطر. رغم أن إجمالي الإنفاق العسكري للصين هذا العام لا يزال أقل من ثلث الإنفاق العسكري للولايات المتحدة، ومع ذلك، يُعَدُّ الأكبر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويقول هؤلاء في واشنطن إن القومية الصينية المتزايدة ستدفع القيادة في نهاية المطاف إلى التركيز على أهدافٍ مثل تايوان -الجزيرة التي يبلغ سكَّانها 24 مليون نسمة وتعتبرها بكين مقاطعةً منفصلة لكن تابعة لها.
في مارس/آذار قال الأدميرال فيليب ديفيدسون، القائد السابق للقوات الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ: "أشعر بالقلق لأن الصين تسرِّع طموحاتها لتحل محل الولايات المتحدة ودورها القيادي في النظام الدولي القائم على القواعد بحلول العام 2050 … من الواضح أن تايوان كانت أحد طموحاتهم قبل ذلك. وأعتقد أن التهديد ظهر خلال هذا العقد".
الغرب ومحاولات إبقاء الصين تحت السيطرة
لكن هناك تراجعاتٌ أيضاً. كشفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا مؤخراً عن شراكةٍ أمنية ثلاثية تاريخية يقول المراقبون إنها تهدف إلى إبقاء الصين تحت السيطرة. وقد مارست تايوان، في تدريباتها السنوية، المهارات التي ستكون مطلوبة في حالة هجوم الصين. وأشادت رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، بقواتها "لمهاراتها القتالية الرائعة وإجراءاتها السريعة".
منذ توليه المنصب، طالَبَ شي قواته أيضاً بزيادة "تماسكها"، أي قدرة الجيش والبحرية والقوات الجوية على التعاون بسرعةٍ وسلاسة في المعارك الحقيقية والمعقَّدة. هذه مهمةٌ صعبة، لأن جيش التحرير الشعبي لم تكن لديه خبرةٌ قتالية منذ العام 1979، مع فيتنام. لذلك، فإن قوات الجيش غير مُختَبَرة إلى حدٍّ كبير، ومن غير الواضح مدى قدرتها على القتال في حال اندلعت حرب.
ووفقاً لتيموثي هيث، كبير باحثي الدفاع الدولي في مؤسسة راند لأبحاث السياسة العامة الأمريكية، ففي الوقت نفسه، "لا يزال انضباط الجيش والتزامه بالقواعد غير متكافئٍ في أحسن الأحوال، بسبب الفساد المستشري وضعف الإنفاذ التنظيمي. وهذا يعني أن القيادة العسكرية لا يمكنها التأكُّد من أن القوة العسكرية بأكملها يمكنها تنفيذ العمليات على نحوٍ متسق"، حسب تعبيرة.
وربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجهه جيش التحرير الشعبي -كما أقرَّت القوات المسلَّحة علناً- هو أنه لا يزال يكافح من أجل استيعاب أحدث التقنيات، ومن أجل تجنيد أفراده، وإعدادهم للقتال بفاعليةٍ باستخدام معدَّاتٍ عالية التقنية.