يبدو أن الانتخابات الألمانية المقبلة ستتيح فرصةً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتعزيز مكانته في الاتحاد الأوروبي كقائد بارز مع تنحي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد 16 عاماً في السلطة. وحيال ذلك تقول صحيفة Politico الأمريكية إن الرئيس الفرنسي سوف يكون "أكثر خبرةً كقائدٍ وطني من أيِّ شخصٍ يصبح مستشاراً لألمانيا"، ومن هذه الزاوية، سيصبح ماكرون الشريك الأول في العلاقة الفرنسية الألمانية التي تقود الاتحاد الأوروبي، حتى مع حفاظ برلين على الثقل الاقتصادي.
البحث عن شريك ألماني جديد لفرنسا
وتقول "بوليتيكو" إنه لا داعي لأن يشعر ماكرون بالقلق بشأن من سيصبح المستشار المقبل لألمانيا. ما يثير قلق الرئيس الفرنسي هو المدة التي سيستغرقها خليفة ميركل لتشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات المزمع عقدها يوم الأحد 26 سبتمبر/أيلول، والتي ينتهي بها المطاف إلى مناصب رئيسية أخرى.
لكنَّ المسؤولين الفرنسيين يعرفون أنهم لن ينجزوا الكثير من الأمور طالما كانت ألمانيا في مأزق ما بعد الانتخابات، بينما تحاول الأحزاب التوصُّل إلى اتفاقٍ لتشكيل ائتلاف.
ومع اقتراب رئاسة فرنسا لمجلس الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر، بدءاً من الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، وحتى مع ترشُّح ماكرون المُزمَع كي يتم إعادة انتخابه في أبريل/نيسان المقبل، تحرص باريس على أن يكون هناك شريكٌ جديد عاجلاً وليس آجلاً.
تقول الصحيفة الأمريكية: لقد تعلَّم فريق ماكرون بشكلٍ مباشر، منذ أربع سنوات، الإحباط الذي يمكن أن تسبِّبه السياسة الألمانية. انتُخِبَ الزعيم الفرنسي الشاب في مايو/أيَّار 2017، لكن لم يكن بإمكانه فعل الكثير لإعادة تجهيز المحرِّك الفرنسي الألماني حتى أجرت ألمانيا انتخاباتها العامة في الخريف، وقضت شهوراً في محادثاتٍ ائتلافية مُطوَّلة.
حيال ذلك، يقول كليمان بون، وزير الشؤون الأوروبية في فرنسا للصحيفة الأمريكية: "أنت لست قوياً أبداً في أوروبا وأنت بمفردك". وأضاف: "إذا كنت مرتاحاً في مقعدك، ولم يكن لديك شريكٌ مفاوضٌ مُقرَّب، فهذا ليس مفيداً حقاً. لقد فهمنا ذلك في عام 2017. لا يمكننا الاستغناء عن ألمانيا، ولا يمكن لألمانيا الاستغناء عن فرنسا".
قائمة ماكرون المفضلة في الانتخابات الألمانية
في السياق، يقول المُقرَّبون من ماكرون إنه ليس لديه تفضيلٌ كبيرٌ بين المُرشَّحين لخلافة ميركل في منصب المستشار. وذلك لأن المتنافسَين الرئيسيَّين -وزير المالية أولاف شولتس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وأرمين لاشيت من يمين وسط حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي- معروفان جيِّداً للمسؤولين الفرنسيين، ولديهم استعدادٌ جيِّد تجاه علاقة عمل وثيقة مع باريس. وفي إشارةٍ إلى القيمة التي يرونها في المحور الفرنسي الألماني، قام كلاهما بزيارة ماكرون في باريس في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية.
وباعتباره وزيراً للمالية، تعاوَنَ شولتس بشكلٍ وثيقٍ مع نظيره الفرنسي برونو لو مير. ويُنظَر إليه في باريس على أنه قد اضطلع بدورٍ مهم في قرار ألمانيا التاريخي بدعم الديون الأوروبية المشتركة للتوصُّل إلى تعافٍ اقتصادي للقارة من جائحة كوفيد-19.
أما لاشيت، الذي يتحدَّث الفرنسية، فقد شارك في تنسيق بعض الجوانب المتعلِّقة بالتعاطي مع الجائحة، ويرأس التعاون الثقافي الفرنسي الألماني في ألمانيا.
وحتى المرشَّحة الثالثة لمنصب المستشار، أنالينا بربروك، من حزب الخضر، والتي تضاءلت فرصها في الحصول على المنصب، ولكن من المُرجَّح أن تكون جزءاً من الحكومة المقبلة، ليست مجهولةً تماماً.
فرنسا تتطلع لدور في تسهيل تشكيل الائتلاف الحكومي بألمانيا
أمضى ماكرون ثلاث ساعاتٍ على العشاء مع بربروك وزميلها زعيم حزب الخضر، روبرت هابيت، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير/شباط من العام الماضي 2020. وأعلن المسؤولون الفرنسيون أن ماكرون سيسعد بلقائها خلال الحملة الانتخابية أيضاً.
لكن ظهور وجهٍ ودودٍ للفوز بمنصب المستشار في انتخابات الأحد المقبل لن يجلب سوى القليل من البهجة لقصر الإليزيه. قال أحد مستشاري ماكرون للصحيفة الأمريكية: "بعيداً عن شخص المستشار المقبل، فإننا نبحث في ماهية الائتلافات والوقت الذي ستستغرقه الأحزاب للتوصُّل إلى اتفاقٍ بشأن الائتلاف الحكومي، وكذلك بشأن تقسيم الحقائب الوزارية".
قد تكون محادثات الائتلاف طويلةً وشاقة، وسوف تستهلك الوقت الذي ترغب باريس في استغراقه لإعداد وتنفيذ خطط رئاستها للاتحاد الأوروبي. وللمرة الأولى، من المُرجَّح أن تكون هناك حاجةٌ لثلاث قوى سياسية مختلفة لتشكيل حكومةٍ ألمانية – ولا يأتي مثل هذا المزيج دون عقباتٍ كبرى.
تخطِّط باريس للاضطلاع بدورٍ مُتحفِّظٍ، ولكن استباقي، خلال المحادثات. يقول بون، وزير الشؤون الأوروبية في فرنسا، الذي فعل ذلك على وجه التحديد في العام 2017، عندما زار برلين مع لو مير: "بينما نحقِّق التوازن المناسب، وليس التجاوز، نحتاج إلى القيام بدورٍ خلال فترة محادثات الائتلاف، من خلال التواصل مع الأطراف ومناقشة القضايا التي تهم فرنسا والاتحاد الأوروبي".
"فرنسة" ألمانيا
لن ينظر المسؤولون الفرنسيون إلى القضايا فقط. وهم سيراقبون عن كثبٍ من سيحصل على مناصب رئيسية، مثل منصب وزير المالية.
أوضح كريستيان ليندنر، من حزب الديمقراطيين الأحرار الليبرالي، أنه يريد هذا المنصب. ويُعَدُّ ليندنر معارضاً قوياً لبعض الأفكار التي تعتز بها فرنسا، مثل جعل الديون المشتركة خاصيةً دائمةً للاتحاد الأوروبي، وكذلك تخفيف قواعد الديون والعجز.
وعلى نطاقٍ أوسع، يتطلَّع المسؤولون الفرنسيون إلى معرفة مدى مشاركة الحكومة الألمانية الجديدة في الشؤون الدولية، وما إذا كانت ستتبنَّى رؤية ماكرون للحكم الذاتي الاستراتيجي، كي تضطلع أوروبا بدورٍ "أكثر استقلاليةً" على الصعيد العالمي.
وقال دبلوماسيٌّ فرنسيٌّ رفيع المستوى لصحيفة بوليتكو: "بعد صدمة ما جرى في أفغانستان، أصبح السؤال هو هل ستتحرَّك ألمانيا نحو مسارٍ أكثر إستراتيجية، أم ستنغلق على نفسها؟". وأضاف: "في هذه المرحلة، من الصعب للغاية توقُّع أيِّ حزبٍ سيكون أكثر تفاعلاً من الناحية الاستراتيجية".
سيكون للجمع بين الشخصيات والسياسات التي ستنبثق من محادثات الائتلاف تأثيرٌ كبيراً على مدى نجاح ماكرون في دفع تغييراتٍ كبرى في الاتحاد الأوروبي، مثل زيادة التركيز على الدفاع، والديون المشتركة.
يُعَدُّ موقف الحزب الاشتراكي الديمقراطي من الدفاع (يُنظَر إليه في باريس باعتباره موقفاً مسالماً)، وموقف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من التمويل الأوروبي، من بين مجالات القلق.
ويتمثَّل الأمل لدى باريس هذه المرة، على عكس عام 2017، في أن تتشكَّل حكومةٌ ألمانية مستقرة بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، قبل بدء الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي.
يقول أحد مستشاري ماكرون: "سننتظر شريكاً ألمانياً سيكون في وضعٍ يسمح له بأن يكون مثمراً، مع مناصب ثابتة، من خلال عقد الائتلاف الذي سيفتح أكبر عددٍ ممكنٍ من الأبواب مع فرنسا والشركاء الأوروبيين".