ما مدى قابلية تطبيق خطة "الاقتصاد مقابل الأمن" التي طرحها وزير خارجية إسرائيل بشأن قطاع غزة المحاصر؟ البعض يرى أن المقاومة بقيادة حماس لن توافق عليها، ويرى البعض الآخر أن الحكومة الإسرائيلية نفسها لن تتبناها كسياسة.
كان يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي، قد كشف عن تفاصيل خطته "الجديدة" للتعامل مع قطاع غزة خلال مؤتمر أمني، الإثنين 13 سبتمبر/أيلول، وترتكز على تخلي إسرائيل عن "نزع سلاح المقاومة" والتركيز على الإغراءات الاقتصادية.
ومهّد وزير الخارجية لتلك الخطة من خلال تغريدات له على تويتر، قال فيها: "منذ أن غادرت إسرائيل قطاع غزة في عام 2005 واجهت مراراً جولات عنف تسببت في معاناة وأضرار لسكان الدولة (إسرائيل) والاقتصاد. السياسة التي انتهجتها إسرائيل حتى الآن لم تغير الوضع بشكل جذري".
خطة لابيد تعتبر تغيّراً في التفكير الإسرائيلي
ويرى كثير من المحللين والمراقبين أن مجرد طرح لابيد لفكرة "الاقتصاد مقابل الأمن" يمثل تغيّراً في السياسة الإسرائيلية، فرضته صلابة المقاومة الفلسطينية في القطاع المحاصر منذ 15 عاماً.
وهذا ما عبّر عنه أسامة محمد، الكاتب والمحلل السياسي، بقوله للأناضول إن "صنّاع القرار في إسرائيل أدركوا بعد عدة سنوات أن سياستهم باتجاه قطاع غزة لم تكن مُجدية، ولم تنجح في تقويض قدرات المقاومة، أو تحقيق الهدوء في المستوطنات"، مضيفاً أن هناك 4 عوامل أدت إلى تغيّر الموقف لدى بعض أقطاب الحكومة الإسرائيلية.
العامل الأول، وفق محمد، يكمن في "رغبة إسرائيل في التركيز على الجبهة الشمالية (لبنان وسوريا)، والتهديد النووي الإيراني". والعامل الثاني يتمثل في "وقف استنزاف الجيش الإسرائيلي في معارك وجولات قتالية (في غزة) لم تحقق أهدافها".
بينما يتمثل العامل الثالث، بحسب محمد، في رغبة إسرائيل بـ"إيجاد أفق سياسي للتسوية مع السلطة الفلسطينية، من خلال خطة تضمن الهدوء على جبهة غزة وعزل حماس". وأخيراً، فإن العامل الرابع يعكس مساعي إسرائيل لـ"ضمان هدوء وأمن مستدامين لسكان مستوطنات غلاف غزة، ومنع الانجرار لمعركة مع المقاومة".
وكان لابيد قد استعرض خطته الجديدة بالقول: "علينا اتخاذ خطوة كبيرة متعددة السنوات. هذه نسخة واقعية لما كان يُطلق عليه ذات مرة "إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح"، الغرض من هذه الخطوة هو خلق الاستقرار على جانبي الحدود الأمنية والمدنية والاقتصادية والسياسية".
وأضاف وزير الخارجية أن البنية التحتية في غزة في المرحلة الأولى من الخطة ستحصل على تحسين هي في أمسّ الحاجة إليه، مضيفاً: "سيتم إصلاح نظام الكهرباء وربط الغاز وبناء خطة لتحلية المياه وإدخال تحسينات كبيرة على نظام الرعاية الصحية، وإعادة بناء البنية التحتية للإسكان والنقل".
وفي حال سارت المرحلة الأولى بسلاسة ستشهد غزة عندئذ بناء جزيرة اصطناعية قبالة سواحلها، تسمح بإنشاء ميناء، وسيتم إنشاء "رابط مواصلات" بين غزة والضفة الغربية، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC حول تفاصيل خطة لابيد.
ما مدى إمكانية التطبيق على أرض الواقع؟
وفي هذا السياق يعتقد بعض المحللين الذين تحدثوا لوكالة الأناضول أن إسرائيل جادة بتنفيذ الخطة لتقليل التهديدات التي تتعرض لها انطلاقاً من غزة، خاصة في ظل فشل محاولاتها العسكرية لذلك.
فيما يرى آخرون أن الخطة غير قابلة للتطبيق، وأن إسرائيل غير جادة في تنفيذها، لكنها تتماشى مع الموقف الدولي، وخاصة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، التي طالبت في أكثر من مناسبة بضرورة تحسين أوضاع قطاع غزة المعيشية.
ويعتقد أسامة محمد، من جانبه، أنه من الممكن "تطبيق هذه الخطة نظراً لرغبة حماس في إنهاء حصار غزة، وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان، لكنها تصطدم بتحديات". من هذه التحديات، بحسب محمد "عدم وجود إجماع كامل داخل الحكومة الإسرائيلية حول هذه الخطة، خاصة في ظل وجود عناصر يمينية متطرفة ترفض مبدأ التفاهم مع حماس".
وأضاف: "هناك مخاوف لدى الأجهزة الأمنية في إسرائيل من استغلال حماس للخطة لمراكمة قوتها العسكرية وتهديد إسرائيل".
من جهته، يعتقد عمر جعارة، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن إسرائيل "جادة في طرحها للخطة الاقتصادية". وقال لوكالة الأناضول، إن إسرائيل "أدركت أنها لا تستطيع أن تغيّر واقع غزة بالقوة العسكرية أو إحراز نصر ضد المقاومة، ما دفعها للذهاب إلى مبدأ الاقتصاد مقابل الأمن".
واستكمل: "إسرائيل في جولاتها العسكرية بغزة لم تحرز نصراً حاسماً يضمن لمستوطنيها الهدوء، ولم تضعف المقاومة، ولم تمنع إطلاق الصواريخ، بالعكس فإن القدرات العسكرية للمقاومة شهدت تطوراً في السنوات الأخيرة".
ويعتقد أن المقاومة بغزة قادرة على "تحقيق أهدافها التي تريد انتزاعها من إسرائيل بسبب فاعلية مقاومتها، بينما إسرائيل لا تستطيع أن تفعل ذلك"، لذلك يرى أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الخطة إلى "خلق موقف منسجم مع الموقف الأمريكي الجديد".
لكنه يرجّح أن ترفض الفصائل الفلسطينية الخطة، في حال عُرضت عليها من أحد الوسطاء، قائلاً: "الصراع سياسي وليس اقتصادياً".
خطة لابيد هدفها "تجاوز" طبيعة الصراع
أما شاكر شبات، الكاتب والمحلل السياسي، فيرى أن تلك الخطة التي أعلنها لابيد غير قابلة للتطبيق، في ظل رغبة إسرائيل في أن "يتنازل الجانب الفلسطيني عن حقوقه". ويضيف في حديثه لوكالة الأناضول، أن الخطة الاقتصادية الإسرائيلية "تتجاوز حقيقة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتحوله من سياسي إلى اقتصادي".
"الفصائل تتبنى فكرة المقاومة، ليس من أجل تحسين شروط الحياة الاقتصادية فقط، بل من أجل انتزاع الحقوق السياسية وإقامة الدولة". ويوضح شبات أن الخطة ما زالت فضفاضة، إذ إن ملف "أمن إسرائيل" يعد قضية "مليئة بالتفاصيل لم يتم ذكر كيف سيتم تحقيقها، خاصة في ظل وجود جنود إسرائيليين أسرى في قبضة المقاومة".
ويضيف أن إسرائيل قد تفرض أيضاً "اشتراطات أمنية تسبق الموافقة على هذه الخطة، ما يعني أن تطبيق الخطة قد يحتاج إلى سنوات طويلة".
من جانيه، يرى فايز عباس، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن هذه الخطة تهدف ربما إلى "توجيه ضغط اجتماعي من سكان غزة تجاه حماس". وقال لوكالة الأناضول: "هذه الخطة تثير عواطف الفقراء في غزة، الذين يشكلون أغلبية، ما يدفهم ربما للتمرد على قيادة القطاع، ويجرونه نحو مربع الفتنة (تثوير المجتمع)".
ويستبعد أن تكون إسرائيل جادة في طرحها لهذه الخطة، قائلاً: "إن كافة الوعود الإسرائيلية كاذبة". ويشير إلى أن إسرائيل قد تبحث الخطة مع عدد من الدول العربية، كي "تمارس ضغوطاً على قطاع غزة، والفصائل، للموافقة عليها".
خطة لابيد ليست جديدة من الأصل
ويعتقد أن إسرائيل لن تقبل تطبيق الخطة إلا إذا "سلّمت المقاومة بغزة سلاحها، وهو أمر مستحيل الحدوث". ويتفق عباس مع سابقيه في أن هذه الخطة تهدف إلى "تحويل الصراع من سياسي إلى اقتصادي، بحيث يقتصر على تحسين الظروف المعيشية للسكان، بعيداً عن حقوقهم السياسية والوطنية".
وربما يكون الأمر الوحيد الذي يوجد عليه إجماع بين المحللين هو أن خطة لابيد "غير واضحة التفاصيل"، وفيها غموض، خاصة فيما يتعلق بكيفية "تحقيق أمن إسرائيل".
فالمرحلة الأولى من تلك الخطة تتمثل في إعادة الإعمار وتقديم الاحتياجات الإنسانية في القطاع المحاصر، مقابل إضعاف قوة حماس العسكرية عبر قوات دولية، بحسب ما قاله لابيد، دون أن يقدم توضيحات بشأن أي قوات دولية يقصد وما يعنيه ذلك من الأساس.
والمرحلة الثانية، بحسب لابيد، "تكون بضمان الأمن، وقبول غزة بتفاصيل المرحلة الأولى، إضافة إلى تولي السلطة الفلسطينية زمام الأمور على صعيد الإدارة المدنية والاقتصادية في القطاع".
ولم يقدم وزير الخارجية الإسرائيلي كذلك تفسيراً لكيفية تولي السلطة الفلسطينية زمام الأمور في قطاع غزة، دون إجراء انتخابات فلسطينية كانت مقررة بالفعل في أبريل/نيسان الماضي، لكنها لم تتم بقرار من رئيس السلطة محمود عباس، بسبب رفض تل أبيب مشاركة سكان القدس المحتلة في تلك الانتخابات.
واللافت في تلك الخطة الجديدة التي أعلن عنها لابيد، بغض النظر عن مدى واقعية إمكان تنفيذها بالشروط التي أعلنها، أن وزير الخارجية قال إنه ناقش الخطة مع عدد من قادة العالم، منهم وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا، إضافة إلى مسؤولين في مصر والاتحاد الأوروبي والخليج، رغم عدم مناقشة الخطة مع الحكومة الإسرائيلية نفسها.
ويرى بعض المحللين الإسرائيليين أن كشف لابيد عن خطته بتلك الطريقة على الأرجح هو بمثابة "بالون اختبار" لقياس رد الفعل، خصوصاً أن لابيد كان حريصاً على ختام تفاصيل خطته بالتركيز على نقطتين، أولاهما أن "هذا ليس عرضاً للتفاوض مع حماس"، والثاني "عدم تنازل إسرائيل عن جهودها في مجال الأسرى والمفقودين".
وتحتفظ حماس، منذ الحرب على غزة عام 2014، بجنديين إسرائيليين كأسرى، دون أن تدلي بأي تفاصيل عن مصيرهما، بالإضافة إلى إسرائيليين اثنين تقول إسرائيل إنهما دخلا قطاع غزة لاحقاً في ظروف غامضة.
وفي النهاية فإن ما أعلن عنه لابيد كخطة جديدة للتعامل مع قطاع غزة ليس جديداً في واقع الأمر، بحسب تقرير لصحيفة The Times of Israel شكك في قابلية تنفيذ ما طرحه وزير الخارجية من الأساس.
وبحسب تقرير الصحيفة، قدم مسؤولون إسرائيليون من قبل خططاً مشابهة تتعلق بإصلاحات في البنية التحتية المنهارة في القطاع المحاصر دون أن ينتج أي شيء على أرض الواقع، بل إن كثيراً من المشاريع التي ذكرها لابيد، مثل توصيل الغاز الطبيعي لغزة وإنشاء محطات صرف صحي ومحطات لمياه الشرب والسماح بإنشاء ميناء بحري، تم طرحها من قبل بالفعل.
لكن الفلسطينيين دائماً ما ينتقدون تلك "الخطط الاقتصادية"، لأنه من وجهة النظر الفلسطينية، لن يكون هناك حل حقيقي للصراع دون تسوية سياسية تعيد لهم حقوقهم في أرضهم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وعلى الجانب الآخر، يرفض اليمين الإسرائيلي، الذي ينتمي إليه نفتالي بينيت رئيس الوزراء الحالي وتلميذ نتنياهو، تلك "المبادرات الاقتصادية"، معتبرين إياها "مكافأة" لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة.