أصبح اليميني نفتالي بينيت أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور مصر رسمياً منذ الربيع العربي قبل 10 سنوات، فلماذا استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي الآن؟ وما دلالات الأجندة "الدسمة" للاجتماع؟
كانت آخر زيارة رسمية سابقة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر تلك التي قام بها بنيامين نتنياهو للقاء الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، في يناير/كانون الثاني 2011، في شرم الشيخ، قُبيل اندلاع الثورة التي أطاحت بمبارك من السلطة.
وانعقد اللقاء بين السيسي وبينيت الإثنين، 13 سبتمبر/أيلول، في منتجع شرم الشيخ السياحي في سيناء، قرب الحدود بين البلدين، بحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري، ومدير المخابرات العامة عباس كامل، بينما ضمَّ الوفد المرافق لبينيت آيال هولاتا، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والفريق أول آلي جيل، السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، وشيمريت مائير، كبيرة المستشارين، والسفيرة الإسرائيلية بالقاهرة.
توقيت اللقاء وتوظيفه في تل أبيب
زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي جاءت بناء على دعوة وجَّهتها له مصر الشهر الماضي، بعد نجاح وساطة القاهرة في التوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال مايو/أيار الماضي، واستعادة مصر دورها الهام فيما يخص ملف فلسطين بشكل عام، وكان العدوان الإسرائيلي على القطاع وما انتهى إليه من انتصار للمقاومة الفلسطينية في غزة أبرز أسباب تشكيل ائتلاف غير متجانس أطاح ببنيامين نتنياهو من منصبه، وأتى ببينيت إلى رئاسة الحكومة.
ورغم مرور نحو أربعة أشهر على التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، لا تزال فرص التوصل إلى تهدئة دائمة تبدو ضعيفة، في ظل الهوة الواسعة بين ما يريده الفلسطينيون وما تعرضه إسرائيل. فالفلسطينيون يريدون تسوية سياسية تنتهي بإقامة دولتهم المستقلة وإنهاء الاحتلال في الضفة والقدس الشرقية، وقبل ذلك رفع الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من 15 عاماً، بينما يرفض بينيت مبدأ حل الدولتين من الأساس، شأنه شأن أستاذه وسلفه نتنياهو، ويريد استمرار الوضع القائم حالياً.
وفي ظل صعوبة استمرار الوضع القائم دون تفجر الأوضاع مرة أخرى، يروّج بينيت ومحيطه في الإعلام الإسرائيلي لمدى أهمية زيارته الرسمية إلى مصر في هذا التوقيت، ومدى الحفاوة "والدفء" اللذين غلّفا اجتماعه مع الرئيس المصري، الذي استمر ثلاث ساعات.
وخلال اللقاء طلب بينيت من السيسي "تشديد الرقابة" على معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، ومنع حركة حماس التي تدير القطاع من "إعادة التسليح"، إضافة إلى "الضغط على الحركة لمنع التصعيد والموافقة على صفقة تبادل الأسرى"، بحسب تقرير لصحيفة The Times of Israel حول اللقاء.
ووصف بينيت نفسُه لقاءَه مع الرئيس المصري بـ"المهم جداً والجيد للغاية"، مشيراً إلى أنهما وضعا خلاله الأساس لـ"تعميق الروابط". ونقلت قناة "كان" الرسمية وصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن بينيت في نهاية اللقاء قوله: "كان الاجتماع مهماً جداً وجيداً للغاية، وخلال الاجتماع، أولاً وقبل كل شيء، وضعنا الأساس لتعميق الروابط وتعزيز مصالح بلادنا".
وأضاف بينيت: "إسرائيل تنفتح على دول المنطقة، والأساس لهذا هو السلام بين إسرائيل ومصر، لذلك على الجانبين الاستثمار في تعزيز هذه العلاقة، وقد فعلنا ذلك اليوم".
من جانبه، قال مكتب بينيت في بيان عقب اللقاء: "أكد رئيس الوزراء على الدور المهم الذي تلعبه مصر في الحفاظ على الاستقرار الأمني في قطاع غزة، وفي إيجاد حل لقضية الأسرى والمفقودين".
ماذا أراد السيسي من لقاء بينيت الآن؟
المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، قال إن محادثات شرم الشيخ تناولت "تطورات العلاقات الثنائية (بين مصر وإسرائيل) في مختلف المجالات"، مضيفاً أن الرئيس المصري أكد على "دعم مصر لكافة جهود تحقيق السلام الشامل بالشرق الأوسط، استناداً إلى حل الدولتين".
لكن يولاند نيل، مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية BBC في القدس، قالت إنه من غير المتوقع حدوث تقدم ملحوظ في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، التي انهارت عام 2014، كما أن بينيت، القومي المتشدد يعارض فكرة إنشاء دولة فلسطينية، من الأساس.
لكن بعيداً عن فلسطين وقطاع غزة تحديداً، كان واضحاً أن الرئيس المصري، من جانبه، يريد من بينيت أن تتدخل إسرائيل في قضية سد النهضة الإثيوبي، إذ قال الرئيس المصري إنه وجد "تفهماً مشتركاً" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول "السد"، في إشارة إلى سد "النهضة" الإثيوبي، وأضاف السيسي أنه تحدث مع بينيت بـ"صراحة شجاعة"، ويوجد مزيد من الحديث من أجل البلدين والمنطقة، متابعاً أنه تناول مع ضيفه "قضية السد، وجدت تفهماً مشتركاً".
واستطرد السيسي: "قلت له نحاول معالجة (أزمة السد) في إطار من التفاوض والحوار، وصولاً إلى اتفاق بالموضوع الهام بالنسبة لنا الذي نعتبره حياةً أو موتاً".
وفي هذا السياق، ذكرت قناة "كان" الإسرائيلية (رسمية)، أن السيسي "دعا (بينيت) إلى المساعدة في حل أزمة سد النهضة"، ضمن "صفقة" لإحلال الهدوء في غزة، رغم أن تصريحات الرئيس المصري التي نشرتها الصفحة الرسمية للرئاسة على فيسبوك لم تتضمن هذا الطرح.
وقال روعي شارون، المحلل العسكري للقناة، إن "إسرائيل لا تريد الوقوف بجانب مصر أو إثيوبيا، ولكن بإمكانها التواصل مع إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن في هذا الصدد، أو المساعدة مثلاً بمنشآت التحلية لحل مشكلة المياه المتزايدة في مصر".
ورأى أنه "إذا ما قدمت إسرائيل للسيسي ما يريد فسيكون لديه حافز أكبر للضغط واستخدام كل الأدوات الممكنة على (رئيس حركة حماس في غزة يحيى) السنوار، لتنفيذ صفقة الأسرى، ومن ثم إعادة إعمار غزة وعودة الهدوء للقطاع".
اللقاء في شرم الشيخ والأعين على واشنطن
القراءة في كواليس الزيارة الرسمية الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر، رغم تصريحات نتنياهو التي قال فيها إن "زياراته إلى مصر ولقاءاته مع السيسي لم تنقطع منذ 2011 وحتى 2018″، تكشف عن حضور طاغٍ لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على اللقاء وأجندته وتوقيته، حتى وإن غاب ذلك الحضور عن البيانات الرسمية.
فالتعاون الأمني والاقتصادي بين القاهرة وتل أبيب يسير على قدم وساق بالفعل، وأقر السيسي نفسه في مقابلة أجرتها معه شبكة سي بي إس الأمريكية عام 2019، بأن الجيش المصري يعمل عن كثب مع إسرائيل في محاربة "الإرهابيين" في شمال سيناء، كما شدد على "النطاق الواسع لتعاون القاهرة مع الإسرائيليين".
ومنذ العام الماضي، تستورد مصر الغاز الطبيعي من إسرائيل لتسييله وإعادة تصديره إلى أوروبا، في صفقة مدتها 15 عاماً بقيمة 15 مليار دولار.
وبشكل علني، التقى السيسي ونتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2017، كما قالت تقارير إعلامية عام 2018 إن نتنياهو زار مصر سراً لحضور اجتماع غير رسمي مع السيسي، وهو ما أعاد نتنياهو التذكير به، رداً على تفاخر بينيت بزيارته إلى مصر.
إذ قال نتنياهو، زعيم المعارضة حالياً في إسرائيل: "هناك حدود لأكاذيب الإعلام وبينيت. التقيت السيسي بشكل علني في 2017 بالأمم المتحدة، ومنذ 2011 التقيته 6 مرات في سيناء"، بحسب ما نقلته قناة "كان" الرسمية.
وفي مايو/أيار 2020، أصبح وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، غابي أشكنازي، أول دبلوماسي رفيع يزور مصر منذ 13 عاماً بعدما توسطت القاهرة في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وأشاد بايدن بالدور المصري في التوصل للاتفاق.
ويُجمع المحللون على أن مصر، منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، ترى في تل أبيب البوابة الأوسع لنيل رضا الإدارة الأمريكية، بغض النظر عن هوية تلك الإدارة (جمهورية أو ديمقراطية) أو هوية رئيس الوزراء في إسرائيل. وفي هذا السياق تأتي أهمية هذا اللقاء العلني الأول بين رئيس وزراء إسرائيل ورئيس مصر منذ الربيع العربي، لمواجهة الضغوط المتزايدة من جانب المشرعين الأمريكيين (الديمقراطيين) على إدارة بايدن، للتعامل بحزم أكبر مع الرئيس المصري بسبب ملف حقوق الإنسان في البلاد.
فإدارة بايدن تبدو وكأنها ضاقت ذرعا بعدم تحقيق القاهرة تقدماً في ملف حقوق الإنسان، وبالتالي اتخذت الإثنين- نفس يوم لقاء السيسي وبينيت- قراراً غير مسبوق بحجب مساعدات عسكرية لمصر على خلفية ذلك الملف بالتحديد.
وبحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية، قررت إدارة بايدن حجب بعض من مساعدات عسكرية قيمتها 300 مليون دولار لمصر، مع فرض شروط صارمة على طريقة استخدام ما سيتم إرساله من تلك المساعدات، على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
ويرى كثير من المحللين في واشنطن أن قرار إدارة بايدن جاء كحل وسط، فهو من ناحية سيهدئ- ولو قليلاً- من غضب المشرعين الديمقراطيين المطالبين بفرض عقوبات على مصر، بسبب سجل حقوق الإنسان السيئ حسب وصفهم، ومن ناحية أخرى لن يؤدي إلى تعقيد العلاقات مع القاهرة- بشكل كبير- في ظل رغبة إدارة بايدن في مواصلة القاهرة دورها في ممارسة الضغط على حركة حماس لضمان عدم تفجر الأمور.
وكان حضور واشنطن "الخفي" في ذلك اللقاء بين بينيت والسيسي الزاوية التي ركز عليها تحليل لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، بعنوان "مصر أنهت حرب إسرائيل وحماس وتفادت التعامل الصارم من جانب بايدن"، إذ رصد التحليل المكاسب التي حققتها القاهرة من الوساطة الناجحة، في مايو/أيار، ورغبة السيسي في استثمار تلك المكاسب من خلال استقباله لبينيت.
ماذا يمكن أن تحقق زيارة بينيت لمصر إذن؟
يمكن القول إن زيارة بينيت إلى مصر قد حققت بالفعل مكاسب متعددة لرئيس الوزراء الشاب، الذي يرأس حكومة ائتلافية تواجه أزمات داخلية لا تنتهي ومعارضة يقودها نتنياهو، تتحين الفرصة للإطاحة ببينيت ووزارته. ففضيحة نجاح الأسرى الستة في انتزاع حريتهم والهروب من سجن جلبوع بتلك الطريقة الدرامية لا تزال تمثل إحراجاً بالغاً للحكومة الإسرائيلية، رغم إعادة اعتقال أربعة من الستة.
ويعد لقاء بينيت بالرئيس المصري وبهذه الصورة الرسمية والعلنية إضافة كبيرة للسيرة الذاتية لرئيس الوزراء الإسرائيلي قليل الخبرة بشكل عام، إذ أظهرته في صورة الزعيم الإقليمي الذي يمكن أن يلعب أدواراً في ملفات غاية في الأهمية كملف سد النهضة الإثيوبي، بغض النظر عن إمكانية حدوث ذلك من عدمه.
وقالت مراسلة BBC في القدس، في هذا السياق، إن اللقاء مثَّل للرئيس السيسي فرصة لإعادة تأكيد دور مصر الإقليمي، بينما كان لرئيس وزراء إسرائيل فرصة لإظهار نفسه كرجل دولة بعد شهور فقط من توليه منصبه.
أما فيما يتعلق بالملف الأساسي، الموقف المتوتر بين حماس وإسرائيل، فلا يبدو أن هناك ما يمكن أن تحققه زيارة بينيت للسيسي، على الأقل في الشق السياسي. وهذا ما عبر عنه الرئيس المصري ضمنياً، عندما ركزت تصريحاته على جهود إعادة الإعمار في القطاع، ومطالبته المجتمع الدولي بدعم دور مصر في ذلك الأمر.
الخلاصة هنا هي أن زيارة بينيت، التي سبقها إعلان مصر تسيير رحلات جوية مباشرة بين القاهرة وتل أبيب للمرة الأولى منذ عام 1967، تمثل نجاحاً كبيراً لرئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني الرافض لحل الدولتين، بينما تظل نتائج تلك الزيارة بالنسبة لمصر رهناً بما ستكشف عنه الأيام القادمة في ملفَي العلاقات مع واشنطن- بعد قرار حجب معونات- وسد النهضة الإثيوبي.