بعد تردد، قررت آن هيدالغو خوض غمار الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022 باسم الحزب الاشتراكي. الأندلسية التي تستخدم الابتسامة كـ"سلاح ناجح" أعلنت عن ترشحها، الأحد، في مدينة روان غرب فرنسا. وتريد عمدة باريس التي تلقب بـ"المرأة الحديدية" مضاعفة رواتب موظفي قطاع التربية، كما وعدت بأن النساء سيحصلن "أخيراً على المساواة التامة والكاملة في الأجور كما في المسار المهني". فهل تنجح هذه المرأة التي تنحدر من عائلة أندلسية في أن تصبح أول رئيسة لفرنسا؟ بحسب تقرير لموقع فرانس 24.
بعد سيغولين روايال التي مثلت الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2007 ضد المرشح اليميني نيكولا ساركوزي، الذي فاز بها في نهاية المطاف، تستعد سليلة الأندلس آن هيدالغو لخوض غمار رئاسيات 2022 باسم نفس الحزب، وكلها أمل أن توفر "مستقبلاً زاهراً لأطفالنا"، كما كشفت، الأحد الماضي، في خطابها بمدينة روان (غرب فرنسا) معلنة رسمياً ترشحها.
هيدالغو هي أول امرأة تتربع على عرش بلدية باريس في تاريخ فرنسا. تم انتخابها للمرة الأولى في 2014 لخلافة العمدة السابق برتران دولانوي، ثم أعيد انتخابها لولاية ثانية في 2020.
وتحظى بدعم كبير من قبل سكان العاصمة الفرنسية الذين يرون فيها امرأة تجمع بين الدفاع عن البيئة والعمل على تحسين ظروف معيشتهم. لكن الرهان هذه المرة ليس بالسهل، فهي مطالبة بإقناع جميع الفرنسيين، وليس الباريسيين فقط، بأنها المرأة المناسبة لقيادة فرنسا، وجعلها تتلألأ بين الأمم.
"علينا أن ننجز التحول البيئي"
تعد هيدالغو من بين رؤساء البلديات الأوائل الذين فرضوا الدراجات الهوائية كوسيلة تنقل جديدة في مدنهم، معلنة بذلك حرباً ضروساً ضد السيارات، إذ قامت بخفض عدد الأماكن المخصصة لركنها، فيما قامت أيضاً برفع سعر تذكرة الركن من 10 يورو شهرياً إلى 35 يورو.
ولا تزال عمدة باريس متمسكة بنفس الوعد، وهو التحول البيئي ليس فقط لباريس بل لفرنسا كلها. وقالت في خطابها الأحد في هذا الشأن: "علينا أن ننجز التحول البيئي"، فيما وعدت بالكشف عن "خطة لخمس سنوات لإزالة الكربون من اقتصادنا".
من جهة أخرى، أعلنت أنها في حال فازت بمنصب رئيسة فرنسا، فستفتح "مفاوضات لزيادة الأجور وتوسيع اللامركزية" ومواضيع أخرى مثل الحق في الموت بكرامة.
لكنها لم تكشف بعد عن الخطوط العريضة لسياستها الخارجية، مكتفية بالذكر أنها تريد "فرنسا أقوى، بإمكانها إيصال صوتها الفريد مجدداً في أوروبا والعالم".
هيدالغو ليست جديدة في عالم السياسة
ولدت هيدالغو في مدينة "سان فرناندو" الإسبانية عام 1959 في كنف عائلة هاجرت إلى مدينة ليون الفرنسية عام 1961.
ورغم أن عائلتها عادت إلى إسبانيا سنوات بعد ذلك، فإن الشابة هيدالغو التي تستخدم الابتسامة كـ"سلاح ناجح"، كانت تحلم بالعيش في يوم من الأيام بباريس. ففضلت البقاء في فرنسا حيث حصلت على الجنسية الفرنسية عام 1973.
درست هيدالغو في جامعة "جان مولان" في ليون وحصلت في عام 1982 على شهادة في العلوم الاجتماعية ثم على ماجستير في قانون العمل والنقابات.
وهي الشهادة التي مكنتها من المجيء إلى باريس عام 1984 بعد أن عينت مفتشة في مجال التوظيف والعمل في بلدة "شوفيه لا رو" بالضاحية الباريسية.
وليست هيدالغو بالمرأة الجديدة في عالم السياسة. فلقد شغلت مناصب سياسية وإدارية عدة قبل أن تتربع على "عرش" مدينة باريس.
وشغلت في 1993 مستشارة في مجال التكوين المهني بوزارة العمل ثم عام 1997 مستشارة في ديوان مارتين أوبري التي كانت آنذاك وزيرة العمل والتضامن الاجتماعي في حكومة ليونيل جوسبان.
هيدالغو تدافع عن المساواة التامة بين الرجال والنساء
وعن هذه الفترة، قالت هيدالغو إنها "تعلمت الكثير وأدركت كيف تسير السياسة في الوزارات والإدارات العليا".
وهي اليوم تعول على أن تحتل المنصب الأعلى في هرم السلطة الفرنسية، أي منصب رئيسة فرنسا، وتأمل أن تزيح من المشهد السياسي الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي تصفه بـ"الغرور". وقد أكدت في خطابها، الأحد، أن انتخابات 2022 ستشكل "لقاء أول امرأة رئيسة للجمهورية مع الفرنسيات"، واعدة بأن النساء سيحصلن "أخيراً على المساواة التامة والكاملة في الأجور كما في المسار المهني".
مضاعفة أجور موظفي قطاع التربية
تأثرت هيدالغو بالنهج السياسي الذي كان يتبعه العمدة السابق دولانوي في تسيير شؤون العاصمة الفرنسية. وكانت دائماً تقول إنها معجبة "بقربه من سكان العاصمة وبانفتاحه الذهني وأخلاقه الحميدة"، لكنها أصبحت تدرك اليوم أن "هناك اختلافاً كبيراً بين تسيير شؤون مدينة، حتى ولو تعلق الأمر بالعاصمة باريس، وتسيير دولة بأكملها".
ومن بين الوعود التي تريد تجسيدها على أرض الواقع في حال فازت بالانتخابات الرئاسية المقبلة، مضاعفة أجور كل العاملين الذين لهم علاقة بالتلاميذ والطلبة (سواء تعلق الأمر بالمدرسين والأساتذة أو بموظفي قطاع التربية).
لكن هذا الاقتراح سرعان ما جلب لها انتقادات لاذعة، لا سيما من قبل وزير التربية الحالي جان فرانسوا بلانكير، الذي اتهمها بـ"الديماغوجية" قائلا إن "تكلفة هذا الوعد سيكلف خزينة الدولة 150 مليار دولار".
تدرك هيدالغو أن الطريق إلى الإليزيه صعب وشاق. فبعدما صرحت في الأشهر القليلة الماضية بأنها لن تشارك في الانتخابات في حال بقيت نتائج استطلاعات الرأي ضعيفة بالنسبة لها ولا تتجاوز 11 بالمئة من الأصوات، غيرت فجأة استراتيجيتها ورشحت نفسها بعد أن لقيت الدعم من قبل السكرتير الأول للحزب الاشتراكي أوليفييه فور ورئيسة بلدية ليل مارتين أوبري.
لكن منافسيها من اليمين يخشون أن "تدمر" فرنسا كما "دمرت" باريس، حسب تعبيرهم، في حين يتساءل البعض الآخر: كيف يمكن أن تغير صورتها التي يطغى عليها الطابع الباريسي؟