تشكلت حكومة جديدة أخيراً في لبنان بعد عام كامل من شلل سياسي دمر اقتصاده. لكن المحللين يتساءلون إن كان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، أغنى رجل في البلاد، سيقدم الإصلاحات اللازمة لإحياء الدولة المتعثرة؟ وهل تستطيع حكومة ميقاتي إنقاذ البلاد من الإفلاس؟
وكان اللبنانيون ينتظرون ولادة هذه الحكومة منذ أكثر من عام، في خضم انهيار اقتصادي غير مسبوق صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.
وولدت حكومة ميقاتي نهاية الأسبوع الماضي برئاسة نجيب ميقاتي، بتوافق سياسي بين الأطراف المعنية، أهمّها رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي (التيار الوطني الحر)، بعد أن امتنع عن التوقيع طوال هذه الفترة حتى حصل على مراده، وبدا ذلك جليّاً حين صرّح بعد التأليف: "ما كان يجب أن نأخذه أخذناه"، نافياً حصوله على الثلث الضامن أو المعطّل.
حكومة ميقاتي تعزز النظام الطائفي
تقول مصادر مقربة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ"عربي بوست" أن الملفات التي سيجري تباعاً العمل عليها في هذه الحكومة هي ضبط سعر صرف الليرة ضمن سقف يتراوح بين 10 و13 ألف ليرة لبنانية مقابل الدولار الأمريكي، وهو سقف قابل للانخفاض إلى حدود 8 آلاف ليرة لبنانية فور إنجاز برنامج التفاوض مع صندوق النقد.
يأتي هذا في ظل وجود تعليمات أمريكية أعطيت للمعنيين في صندوق النقد بتسريع المفاوضات مع الحكومة اللبنانية ضمن سقف لا يتعدى نهاية العام الحالي.
وترتبط خطة تحسين صرف الليرة مع خطة رفع الدعم نهائياً، وهو ما يستلزم ضبط قيمة العملة المحلية، ووضع آلية لتوزيع البطاقة التمويلية الممولة من البنك الدولي للعائلات الأكثر فقراً.
وتأتي النقطة الأساسية في عمل الحكومة أيضاً في قطاع الطاقة عبر إنجاز خطة مع شركات أمريكية وأوروبية لتطوير معامل الكهرباء، وفي قطاع الاتصالات عبر ربطه ببرامج الخصخصة، وفق شروط صندوق النقد الدولي.
ولكن يقول المحللون إن حكومة ميقاتي تعزز الطائفية التي تعوق البلاد، وإنه من المستبعد أن يقدم عرب الخليج مساعدة مالية طالما أن حزب الله المدعوم من إيران متمسك بقبضته الخانقة على السلطة في البلاد، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة Voice Of America الأمريكية.
ونجيب ميقاتي، الذي يترأس الحكومة، هو ملياردير لبناني من كبار أثرياء العالم تتركز أعماله في مجالات الاتصالات، دخل الحياة السياسية قبل نحو 25 عاماً ويُعد جزءاً من الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والتي يطالب كثيرون برحيلها.
لا يحظى ميقاتي بحاضنة شعبية واسعة حتى في مسقط رأسه مدينة طرابلس شمالاً والتي صنفتها الأمم المتحدة الأفقر على الساحل الشرقي للمتوسط، إلا أنه عادة ما يتم التداول باسمه كمرشح توافقي لرئاسة الحكومة، للخروج من الجمود الناتج عن الخلافات السياسية على تقاسم الحصص، خاصة أنه قريب لسوريا ولحزب الله، ولكن ليس بشكل لصيق، وفي الوقت ذاته لديه صلات بالغرب والخليج ومصر.
فميقاتي من السياسيين اللبنانيين الذين حافظوا على علاقات جيدة مع دمشق، حتى إنه كان يعد أحد خصوم الحريري السياسيين على الساحة السنّية، قبل أن يتحالفا خلال العامين الأخيرين تحت راية "نادي رؤساء الحكومات السابقين"، حسبما ورد في تقرير لموقع "فرانس 24".
ويُعرف عن ميقاتي، ذو القامة الطويلة والملامح الباردة، هدوؤه وابتعاده عن إطلاق التصريحات المستفزة. وهو رجل أعمال ناجح تقدر مجلة فوربس ثروته بـ2,7 مليار دولار، وقد صنفته كواحد من أغنى ستة رجال أعمال في الشرق الأوسط لعام 2021.
وقد رحبت الولايات المتحدة وفرنسا بالحكومة الجديدة بعد ضغوطهما على الساسة اللبنانيين لإنهاء مشاحناتهم السياسية بخصوص الحقائب الوزارية، وقالتا إنه لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لحل الأزمة الاقتصادية الأليمة في البلاد، خاصة بعد انفجار ميناء بيروت الهائل في أغسطس/آب من العام الماضي.
يأتي هذا في ظل وجود تعليمات أمريكية أعطيت للمعنيين في صندوق النقد بتسريع المفاوضات مع الحكومة اللبنانية ضمن سقف لا يتعدى نهاية العام الحالي، وبالفعل أعلنت وزارة المالية اللبنانية أن صندوق النقد الدولي سيسلم لبنان هذا الأسبوع مبلغ مليار و135 مليون دولار أمريكي بدل حقوق السحب الخاصة عن عامي 2021 و2009.
خيبة أمل، كيف سيحاسب وزير المالية مديره السابق؟
يرى قلة من المراقبين أن حكومة ميقاتي ستشرف على تدقيق مالي شامل للبنك المركزي لأن تأمين دعم صندوق النقد الدولي سيتطلب إصلاحات فشلت الحكومات السابقة في تنفيذها.
وتقول المحللة اللبنانية دانيا قليلات الخطيب من معهد عصام فارس في الجامعة الأمريكية ببيروت لشبكة Voice Of America إنه بعد أكثر من 13 شهراً من انتظار حكومة جديدة، شعر اللبنانيون بخيبة أمل من حكومة ميقاتي، ويتوقون لوقف الانزلاق نحو حالة الفقر والفوضى التي يعيشونها.
وتقول دانيا قليلات إن وزير المالية الذي يتعين عليه استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي بخصوص فتح الدعم المالي الذي تشتد حاجة لبنان إليه، لا يُعتقد أنه سيكون قاسياً بما يكفي على ربّ عمله السابق، حاكم مصرف لبنان "البنك المركزي" رياض سلامة، الذي يحمّله كثيرون مسؤولية إفلاس لبنان.
وأضافت: "لقد احتفظوا بالشبكة الطائفية نفسها، وبالنظام نفسه. الناس كانوا يتوقعون التغيير. ولكن لا شيء جديد، لأنه لن تتحقق أي إصلاحات ما لم توضع وزارة المالية بيد شخص مستقل فعلاً. لكنهم وضعوا يوسف خليل في وزارة المالية. وما لم يحدث تدقيق مالي حقيقي، فلا يمكن إجراء أي إصلاحات. يوجد بعض الأشخاص الممتازين مثل ناصر ياسين وزير البيئة. ولكن لا يكفي وضع القليل من الأسماء الممتازة، إلا إذا كان لديك هيكل يمكنهم العمل منه".
كما أن هناك إشادة بوزير الصحة اللبناني الجديد، فراس أبيض الذى نجح بكسب ثقة مفقودة بمرفق عام في لبنان هو مستشفى رفيق الحريري الجامعي في مواجهة كوفيد-19، ووصفه رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان كريستوفر مارتن بالرجل "الاستثنائي".
واختلفت هذه الحكومة عن سابقتها فيما يتعلق بـ"العنصر النسائي"، إذ تتواجد وزيرة واحدة حالياً في لبنان، وهي نجلا رياش، كوزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية، بينما الحكومة السابقة كان قد طغى فيها الحضور الأنثوي بست وزيرات.
حزب الله يسيطر على وزارة شديدة الحيوية
ويحمّل الشعب هذه الأحزاب الحاكمة نفسها مسؤولية عقود من الفساد وسوء إدارة موارد لبنان. والمشكلة الكبرى أن الحصول على مساعدة مالية من دول الخليج يعني صراعاً مع نفوذ حزب الله الكبير.
ويشير المحلل سامي مبيّض، الذي يكتب في صحيفة Gulf News بدبي، إلى أن حزب الله تولى مسؤولية وزارة الأشغال العامة وهي "شديدة الأهمية للحزب المدعوم من إيران، لأنها المكان الذي ستصب فيه كل الأموال، إذا بدأت إعادة إعمار بيروت أو حين تبدأ".
وقال إن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري رفض رفضاً قاطعاً منحهم هذه الوزارة "خشية أن يعيق ذلك إعادة الإعمار، ويخيف المستثمرين العرب، وربما يؤدي إلى عقوبات من الولايات المتحدة".
الهدف هو التمهيد للانتخابات لإعادة إنتاج النظام
ويقول بعض المراقبين إن حكومة ميقاتي قد تحاول تنفيذ بعض الإصلاحات المتواضعة لتأمين أصوات الأحزاب الطائفية التقليدية. وتقول ديانا إن التركيز الآن على الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية في لبنان المقرر إجراؤها العام المقبل.
وقالت: "الحوار كله سيكون عن الترشح للانتخابات. ولا أظن أن الانتخابات ستحدث تغييراً حقيقياً لأن هيكل السلطة موضوع بطريقة ستدمره؛ والمعارضة ليست منظمة تنظيماً جيداً".
وفي هذه الأثناء، يصارع معظم اللبنانيين من أجل البقاء في غمرة ارتفاع التضخم وخسارة عملتهم لأكثر من 90% من قيمتها، إلى جانب نقص الوقود والأدوية والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.