تُعَد القوات البرية الثقيلة هي الأفضل في ردع وقوع حرب وتعزيز النفوذ الكلي لدولة ما عقب أزمة. لكنَّ القوات الثقيلة، التي تشمل المركبات المدرعة مثل الدبابات إلى جانب المدفعية ومنظومات الدفاع الجوي، يجب فقط أن تكون بالقرب من منطقة الصراع، وليس فيها.
الهدف من الإبقاء على قوات برية دائمة قرب مناطق الصراع
هذه هي خلاصة دراسة أجرتها "مؤسسة راند"، وهي مركز أبحاث مقره ولاية كاليفورنيا الأمريكية وعلى علاقة وثيقة مع الجيش الأمريكي. إذ يؤكد تقرير راند "حصافة" جهود الجيش الأمريكي المستمرة لنشر مزيد من القوات الثقيلة في أوروبا. وتُعَد الدراسة أيضاً تذكرة بأنَّ الردع التقليدي الأمريكي في أوروبا ربما مايزال غير كافٍ حتى بعد التعزيزات الحالية.
وأوضحت المؤسسة: "تقدم نتائج التحليل أدلة متسقة على التأثيرات الرادعة للقوات البرية الثقيلة وقدرات الدفاع الجوي، لاسيما حين تُنشَر في المسرح العام محل الاهتمام وليس بالضرورة على الخطوط الأمامية لصراع محتمل".
وأضافت: "كلما كانت القوات أكثر حركية، قلّت الدلائل على أنَّها توفر ردعاً. وقد يكون هذا لأنَّ القوات المتحركة توفر درجة أقل من الالتزام الأمريكي عالي المستوى أو طويل الأجل، أو ربما لأنَّ قياس تأثيراتها أكثر صعوبة".
ويقول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية، إنه من أجل تحقيق التوازن بين الردع والاستفزاز، يجب أن تجعل القوات البرية قواعدها في البلدان المجاورة للبلدان التي يُرجَّح جداً أن تندلع الحرب فيها. وتضيف المجلة: "حين تتمركز القوات الأمريكية، خصوصاً القوات البرية الخفيفة، داخل حدود حليف أو شريك من أجل الدفاع عنه وليس في بلدان قريبة بالمسرح الأوسع، فإنَّها ترتبط بزيادة احتمالية النزاعات المسلحة".
"نشر قوات برية ثقيلة في أوقات الأزمات هو الخيار الأفضل"
في السياق، وجدت دراسة مؤسسة راند أنَّه يمكن لما يُسمَّى بـ"عمليات نشر القوات في حالة أزمة"، أو نشر القوات خلال وقت قصير، في رد مباشر على تهديد عسكري وشيك- أن يمنع حرباً من الاندلاع، لكن لا يُحتمل أن يجعل الدولة التي تنشر قواتها، في وضع أفضل مما كانت عليه من قبل.
وبالحديث من وجهة نظر استراتيجية، تقول المؤسسة إنَّه من الأفيد للطرف المدافع الإبقاء على قوات ثقيلة دائمة قرب منطقة الصراع.
وتتسق نتائج مؤسسة راند مع دراسات أخرى تتناول تجارب الجيش الأمريكي الأخيرة. إذ أبقى الجيش طوال عقود، على قوات ثقيلة في أوروبا بهدف الدفاع عنها ضد الاتحاد السوفييتي ولاحقاً روسيا. وتراجعت مستويات القوة بشكل حاد بعد نهاية الحرب الباردة، لكن بحلول عام 2012، كان لدى الجيش أربع كتائب في أوروبا، منها اثنتان تضمان دبابات.
الدبابات الأمريكية في أوروبا لمواجهة روسيا
قلَّصت إدارة باراك أوباما كتيبتَي الدبابات الأمريكية بأوروبا عقب نزاع مع الكونغرس حول سقف الديون في عام 2011 أدَّى إلى "قانون ضبط الميزانية" و"الضبط" التلقائي لتخفيضات الميزانية. فتراجعت قوات الجيش الأمريكي الموجودة بصفة دائمة في أوروبا من 40 ألفاً إلى قرابة 25 ألفاً.
وسرعان ما أصبح فوج الجيش المزود بـ300 عربة مدولبة من طراز Stryker هو القوات الأمريكية الميكانيكية الوحيدة الموجودة بصفة دائمة في أوروبا.
غزت روسيا أوكرانيا في عام 2014، فسارعت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لاستعادة قوتها القتالية في أوروبا رداً على ذلك. وقدَّمت إدارة أوباما تمويلات من الميزانية بمليارات الدولارات، من أجل عمليات انتشار مؤقتة بأوروبا في إطار "مبادرة إعادة الطمأنينة الأوروبية".
أعاد الجيش الأمريكي مؤخراً كتيبة قاذفات صواريخ مُتعقِّبة إلى أوروبا. وينشر الجيش أيضاً بصفة مؤقتة، كتيبة مدرعة واحدة في المرة بأوروبا، على أساس التناوب كل تسعة أشهر. وتضم الكتيبة المدرعة النموذجية 90 دبابة من طراز M-1 و130 عربة قتالية من طراز M-2، إضافة إلى نحو 18 مدفع هاوتزر ذاتي الإطلاق من طراز M-109.
تقول مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، إن هذا قد لا يكون كافياً. إذ تُبقي روسيا على نحو 760 دبابة في وحدات ضمن نطاق الضرب السريع من دول البلطيق العضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتُبقي دول الناتو مُجتمِعةً على نحو 90 دبابة في المنطقة نفسها، نحو 90 منها دبابات أمريكية من طراز M-1 في إطار عملية تناوب مؤقت.
ماذا سيحدث لو غزت روسيا أوروبا؟
أجرت مؤسسة راند في عام 2016، محاكاة لغزو روسي لمنطقة البلطيق. وفي سيناريو راند، اجتاحت القوات الروسية سريعاً قوات الناتو خفيفة التسليح. فيلجأ التحالف الغربي لإرسال مروحيات وقوات متنقلة جواً لمواجهة التقدم الروسي. لكنَّ وصول دبابات الناتو بطيء للغاية.
وأوضحت المؤسسة: "ما لا يمكن إيصاله إلى هناك في الوقت المناسب هو أنواع القوات المدرعة المطلوبة للاشتباك مع نظيراتها الروسية على قدم المساواة، وتأخير تقدمها، وكشفها أمام مزيد من الهجمات الأكثر تواتراً وفعالية من النيران الجوية والبرية، وتعريضها لهجمات مضادة مدمرة".
تقول المجلة الأمريكية في النهاية، إن دراسة مؤسسة راند هذه، تذكرة بأنَّ الحسابات لم تتغير. فإذا كانت الولايات المتحدة تريد ردع نشوب حرب وتنمية نفوذها، فمن الأفضل أن تضع مركبات مدرعة قرب منطقة الحرب المحتملة، وبصفة دائمة.