تعرَّض شعب اليمن للتجويع على مدار السنوات الست الأخيرة، ولا يزال يتعرَّض للتجويع اليوم، ودقَّت الأمم المتحدة مجدداً ناقوس الخطر بشأن المجاعة في اليمن، حيث قال مؤخراً مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن الذي يتولى الآن منصب وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث: "يوجد اليوم نحو 5 ملايين شخص على بُعد خطوة واحدة من الخضوع للمجاعة والأمراض التي تصاحبها. ويوجد 10 ملايين آخرين وراءهم تماماً".
يعني هذا أنَّ قرابة نصف سكان البلد بأكمله في خطر شديد، ولقي مئات الآلاف حتفهم بالفعل. ولا يوجد رقم دقيق متاح بشأن العدد الإجمالي للأبرياء الذين فقدوا حياتهم من جرَّاء المجاعة والأمراض منذ عام 2015، لكنَّه كبير ويتزايد يومياً.
السعوديون والحوثيون.."صُنَّاع الجوع" في اليمن
يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إن المجاعة في اليمن هي نتيجة أعمال وخيارات السياسة المتعمدة التي تتخذها الأطراف المتحاربة، بما في ذلك حكومات التحالف السعودي وجماعة أنصار الله الحوثي. وهذه جريمة ضد الإنسانية تحدث في وضح النهار. والحكومات التي تدعم هذه الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، تشارك في تلك الجريمة، ومن الواجب عليهم جميعاً وقف انزلاق اليمن إلى مجاعة أشد.
ووفقاً لتقرير جديد صادر عن منظمتي "مواطنة لحقوق الإنسان" و"شراكة الالتزام بالحقوق العالمية" (global rights compliance) الدولية، فإنَّ كل أطراف الصراع مذنبة باستخدام الغذاء والمياه باعتبارهما سلاحين، وترتكب أثناء ذلك جرائم حرب بحق السكان المدنيين. ووثَّق نشطاء حقوق الإنسان المستقلون الذين يحظون بالاحترام في تقريرهم "صُنَّاع الجوع" كيف انخرط التحالف السعودي في هجمات ممنهجة على المزارع ومراكب الصيد وأنظمة المياه. ويُظهِرون أيضاً كيف أعاق الحوثيون إيصال المساعدات وحالوا بين السكان ومصادر غذائهم ووظائفهم من خلال الاستخدام الواسع للألغام في المناطق المدنية.
وكانت هناك تقارير متفرقة بشأن هذه الأساليب على مدار السنوات، لكنَّ هذا التفصيل الأخير يؤكد الروايات السابقة ويربطها ببعضها ليُحدِّد أنماط الجرائم المرتكبة بحق السكان المدنيين. وكما جاء في الملخص التنفيذي للتقرير: "حرمت أطراف النزاع في اليمن المدنيين من الأعيان والمواد الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، ما أدى إلى تجويعهم، في بعض الحالات، حتى الموت".
ويُعَد تقرير مواطنة وشراكة الالتزام بالحقوق العالمية شاملاً وموسعاً ولا يترك شكوكاً حول هوية المسؤول عن استخدام التجويع كوسيلة حرب، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
اليمن يتحول لمركز لـ"المجاعات الوحشية الجديدة"
كانت الأطراف المتحاربة تعرف ماذا ستكون النتائج، وقد اختارت القيام بأعمال أدَّت إليها على أي حال. ومثلما يوضح التقرير: "ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإنَّ نمط السلوك والسياق -بناءً على العديد من المحاكمات الجنائية التي حُوكِمَ فيها مرتكبو جرائم الحرب- للهجمات يصبحان أمرين مهمين لفهم سبب قيام الأفراد بالتصرف على النحو الذي قاموا به".
فقد يُرفَض هجوم واحد أو حفنة من الهجمات باعتبارها حوادث، لكن حين يُنظَر إليها جميعاً معاً، تصبح الطبيعة المتعمدة لهذه الأعمال واضحة. يُفصِّل التقرير أيضاً كيف يستهدف التحالف أجزاءً أخرى من البنية التحتية اليمنية وكيف تورط الحوثيون في قصف عشوائي للمناطق المدنية، ويُظهِر هذا أنَّ الأطراف أبدت لامبالاة طائشة تجاه تدمير الأعيان المدنية والتسبب بوفيات مدنية طوال فترة الصراع.
ويعترف التقرير أيضاً بالأعمال الأخرى التي ساهمت بصورة كبيرة في تدهور الوضع الإنساني. وتشمل قرار حكومة هادي في 2016 بنقل البنك المركزي إلى عدن وحجب رواتب موظفي القطاع العام واستخدام الحوثيين لحرب الحصار ضد المدن التي تسيطر عليها القوات المدعومة من التحالف، مثل تعز. وتشمل أيضاً حصار التحالف الذي لا يزال قائماً حتى الآن.
ويُعَد اليمن موقع إحدى "المجاعات الوحشية الجديدة" مثلما يُسمِّيها أليكس دي فال في كتابه "Mass Starvation". وكما هو الحال مع المجاعات الحديثة، فإنَّها نتيجة خيارات متعمدة للفاعلين السياسيين. والمجاعة في اليمن ليست مجرد نتيجة للصراع الدائر، بل نتيجة مباشرة للحصار والحرب الاقتصادية من جانب التحالف التي تهدف لافقار وإضعاف السكان، وممارسات الحوثيين في التدخل في إيصال المساعدات بهدف ممارسة السيطرة. ومثلما حذَّر دي فال قبل ثلاث سنوات، فإنَّه "إذا ما استعرت مجاعة في اليمن، فإنَّ ذنب خلقها سيقع في المقام الأول على عاتق التحالف العسكري الذي تقوده السعودية واستخدامه للحرب الاقتصادية العشوائية".
الولايات المتحدة الأمريكية ساهمت في تمكين هذه الكارثة
وناقشت جيني ساورز وإريكا وينثال المجاعة الفظيعة التي تحدث في اليمن هذا العام وقالتا: "المجاعات الوحشية هي مشروعات سياسية، تعتبر فيها أطراف الصراع أنَّ بعض الفئات يمكن الاستغناء عنها ولا تستحق الإنقاذ". ولأنَّ هذه المجاعات ذات أصل سياسي، فإنها يمكن، ولابد، أن يكون لها حل سياسي. وفي هذه الحالة، تملك الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً على بعض المتسببين الرئيسيين في المجاعة في السعودية والإمارات، وبسبب هذا وبسبب دور الحكومة الأمريكية نفسها في تمكين هذه الكارثة، فإنَّ عليها التزاماً عميقاً لوضع حد للمجاعة الوحشية.
ولتحقيق ذلك، يجب على الولايات المتحدة الاهتمام بتوصيات منظمة مواطنة وشراكة الالتزام بالحقوق العالمية، التي تشمل الوقف "الفوري للأنشطة التي تؤدي إلى استمرار النزاع والتي من المحتمل أن تساهم في الانتهاكات الجارية باليمن، بما في ذلك عن طريق وقف مبيعات الأسلحة ونقلها إلى الأطراف المتحاربة". وسيتطلب ذلك قطع إمدادات الأسلحة عن حكومات التحالف.
يمنح تقرير منظمة مواطنة وشراكة الالتزام بالحقوق العالمية إدارة بايدن كل الأدلة التي يجب أن تحتاجها لوقف كل مبيعات السلاح إلى الحكومات المسؤولة عن جرائم الحرب هذه، ويجب أن تذكرنا جميعاً بطبيعة الحرب الوحشية التي ساعدت الحكومة الأمريكية في جعلها ممكنة طوال كل هذه السنوات.