تبادلت كل من إثيوبيا والسودان توجيه الاتهامات إلى بعضهما بشنِّ حروبٍ بالوكالة عن طريق دعم المتمردين في الدولة الأخرى في الأيام الأخيرة، ما زاد التوترات وسط تدهور قائم بالفعل في العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا.
ويقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، إنه بعد يومين من اتهام إثيوبيا للسودان بأنه دعم متمردين من منطقة تيغراي المضطربة، سعياً لإلحاق الضرر بسد النهضة الإثيوبي المتنازع بشأنه، زعمت الخرطوم يوم الإثنين 6 سبتمبر/أيلول أنها صادرت أسلحة دخلت إلى السودان، بعد أن شُحنت من موسكو عبر إثيوبيا.
جثث في النهر تنجرف من إثيوبيا إلى السودان
غير أن آخر التطورات المأساوية كانت يوم الأربعاء، 8 سبتمبر/أيلول، بعد شيوع الأنباء عن انجراف 29 جثة في الأسابيع الأخيرة إلى الضفاف السودانية من نهر سيتيت -المعروف في إثيوبيا باسم تكازي- على الحدود بين البلدين.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية يوم الأربعاء أن الجثث التي انتُشلت من نهر سيتيت يُعتقد أنها لأشخاص ينتمون إلى طائفة التيغراي العرقية وقد قُتلوا في الحرب الجارية حالياً بين متمردي إقليم تيغراي والقوات الحكومية الإثيوبية.
وقالت الوزارة في بيانٍ أرسلت نسخة منه إلى موقع Middle East Eye إن انتشال الجثث من النهر مستمر منذ 26 يوليو/تموز، وإن الخرطوم أبلغت إثيوبيا بالموضوع في 30 أغسطس/آب.
تأتي التطورات الأخيرة في وقت أكملت فيه إثيوبيا التعبئة الثانية لسد النهضة، ما تسبب في أضرار واسعة النطاق بالمحاصيل والمنشآت في مناطق عدة من السودان، كما أدى الصراع حول منطقة الفشقة الحدودية المتنازع عليها إلى تفاقم التوتر في العلاقات بين البلدين بدرجة كبيرة.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، منصور بولاد، لموقع MEE، إن السلطات السودانية استدعت يوم الثلاثاء 7 سبتمبر/أيلول السفيرَ الإثيوبي في الخرطوم، يبلطال أيميرو، لإبلاغه بانتشال 29 جثة لإثيوبيين من نهر سيتيت.
وشهد سكان قرية حمداييت وقرية ود الحليو السودانيتين الواقعتين بالقرب من الحدود مع إثيوبيا في تصريحات لموقع MEE بأنهم عثروا على الجثث وأن لاجئين من إقليم تيغراي يعيشون في المنطقة تعرفوا عليها.
مع ذلك، نفى دبلوماسي إثيوبي المزاعم بأن الجثث جاءت من تيغراي. وقال الدبلوماسي الإثيوبي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لموقع MEE: "هذه بيانات ملفقة اختلقها متمردو التيغراي للإساءة إلى سمعة إثيوبيا أمام العالم وحشد التضامن مع تمردهم بذريعة أن الحكومة الإثيوبية تنتهك حقوق الإنسان. إنها خدعة قديمة وسنتصدى لها".
النزاع الخاص بتهريب الأسلحة
في غضون ذلك، فإن مزاعم الخرطوم بأن إثيوبيا ساعدت في تهريب أسلحة إلى السودان زادت الأمور التباساً، لا سيما بعد أن أصدرت السلطات السودانية بيانين متناقضين حول هذا الموضوع في غضون 24 ساعة.
وقال مصدر في "لجنة إزالة التمكين" السودانية، وهي هيئة لمحاربة الفساد تشكَّلت بعد إسقاط الرئيس السابق عمر البشير، إن السلطات السودانية ضبطت كمية كبيرة تضم أنواعاً مختلفة من الأسلحة القادمة من روسيا بعد نقلها بطرق غير شرعية إلى السودان عبر إثيوبيا.
لكن وزارة الداخلية السودانية نفت في وقت لاحق مصادرةَ شحنة الأسلحة، قائلة إن الأسلحة دخلت البلاد بطريقة قانونية. وقالت الوزارة في بيانها يوم الإثنين 6 سبتمبر/أيلول: "ما تمَّ كان إجراءات فحص عادية تحدث في مثل هذه الحالات، والشحنة قانونية".
وصرَّح مصدر بالشرطة السودانية، طلب عدم ذكر اسمه، للموقع البريطاني، بأن "سلطات الجمارك (السودانية) صادرت الشحنة للتحقق منها ضمن الإجراءات العادية، ووجدت أن الشحنة تضمنت 73 صندوق ذخيرة من طلقات الرصاص و290 بندقية آلية".
وأضاف المصدر أن الشحنة تعود إلى تاجر أسلحة مرخص له في السودان، لكن السلطات الإثيوبية احتجزتها في مطار أديس أبابا، منذ مايو/أيار 2019.
من جهتها، رفضت الخطوط الجوية الإثيوبية مزاعمَ تهريب الأسلحة، مؤكدة أن الشحنة كانت قانونية وأن لديها الوثائق المستوفاة لإثبات ذلك.
أخيراً، قالت لجنة إزالة التمكين في بيان صحفي، يوم الثلاثاء 7 سبتمبر/أيلول، إن الجمارك السودانية ووزارة الداخلية لا يملكان الحق في إغلاق القضية، داعيةً إلى إجراء تحقيق أشد استقصاءً من أجل فهم الظروف الكاملة المتعلقة بالشحنة.
وقال مصدر من لجنة إزالة التمكين لوكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) إن "شكوكاً تدور حول ما إذا كانت الأسلحة المصادرة كانت في طريقها لدعم مقربين من البشير يسعون لزعزعة استقرار البلاد وتقويض جهود السلطات الانتقالية".
لكن من جهة أخرى، زاد الالتباس بشأن شحنة الأسلحة كونَ الأنباء عنها تأتي بعد يوم واحد فقط من اتهام إثيوبيا للسودان بفتح حدودها للسماح بتدفق الدعم -من لوجستيات وأسلحة- إلى إقليم تيغراي المتمرد، لكن الحكومة السودانية رفضت هذا الاتهام.
وقال بولاد المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية: "السودان ليس له علاقة بالخلافات المحلية بين الكيانات الداخلية الإثيوبية التي قد تكون قائمة على أسباب عرقية أو قومية، ونحن نعتقد أن إثيوبيا تحاول صرف الأنظار عن أزماتها الداخلية من خلال اتهام السودان بالتورط أو التدخل في شؤون إثيوبيا الداخلية"، وشدد على أن "السودان يدين بشدة المواقف العدوانية المتكررة لإثيوبيا، وأن لها غرض سياسي من تلك المواقف".
وأضاف بولاد: "السودان يسيطر سيطرةً كاملة على حدوده المعترف بها دولياً مع إثيوبيا، ولن يسمح أبداً لأي شخص باستخدام تلك الحدود لزعزعة استقرار الدول المجاورة. كما نؤكد للعالم كله أن السودان لا ينوي غزو إثيوبيا أو مهاجمتها".
هل هناك تدخلات أجنبية؟
في غضون ذلك، زعم مسؤول سوداني أن "بعض القوى الإقليمية، التي رفض ذكرها، تسعى لإفساد العلاقات بين السودان وإثيوبيا".
وأوضح المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لموقع MEE أن الوضع العدائي الحالي بين البلدين، وإن كان متأثراً لدرجة كبيرة بالخلافات بشأن سد النهضة والتوترات الحدودية، فإن أطرافاً أخرى لها يد فيه أيضاً.
وقال المصدر: "هناك أياد خارجية تستغل الخلافات بين العسكريين والمدنيين في السودان لتخريب العلاقات بين أديس أبابا والخرطوم".
وجادل المصدر السوداني بأن بلاده: "حريصة على عدم زعزعة استقرار إثيوبيا، لأننا نعتقد أن انهيار الدولة في إثيوبيا في ظل الحرب الأهلية المستمرة سيكون له عواقب وخيمة على السودان، حيث سيعبر ملايين اللاجئين الحدود وتتفاقم الأوضاع السيئة بالفعل في السودان".
وأضاف: "انهيار إثيوبيا سيكون أشد ضرراً من بناء السد، لذلك نحن نتعامل بحكمة مع الوضع هناك، وليس لدينا أي نية لتأجيج ناره لأن ذلك سيضر بنا أيضاً".
في غضون ذلك، حذَّر كاميرون هدسون، وهو دبلوماسي أمريكي سابق في السودان وباحث متخصص في الشؤون الإفريقية، من أن تداعيات المناخ الحالي للاتهامات المتبادلة قد تخرج عن نطاق السيطرة.
وأضاف هدسون في تصريحات لموقع MEE: "يوجِّه كل جانب للآخر خطابات واتهامات تزداد خطورتها مع الوقت. فإذا تركت الأمور دون كابح يُحتمل أن يسيء أي من الطرفين التقدير، وهو أمر قد تكون له عواقب كارثية على كل من البلدين والمنطقة عموماً".
"تداعيات تدهور الأزمة بين إثيوبيا والسودان ستطال المنطقة برمتها"
وعلى النحو نفسه، حذَّر نزار مانيك، وهو مستشار مستقل وباحث في شؤون المنطقة، من أن الوضع في إثيوبيا آخذ في التدهور، مضيفاً أن تدعيات ذلك ستطال المنطقة بأسرها.
وقال مانيك لموقع MEE: "عندما اندلعت الحرب في تيغراي أواخر العام الماضي كانت الأجواء ملبدة بالتوترات بالفعل. والوضع الحالي للصراع بالوكالة بين إثيوبيا والسودان كان متوقعاً منذ منتصف عام 2020، وقد حذر بعض الخبراء منه في إحاطات خاصة وعلنية، لكن قلة من استطاعوا استيعاب ذلك حتى أظلمت الأجواء بعد تفاقم الأمور".
وأشار مانيك إلى أن الصراع في إثيوبيا من المرجح أن يتصاعد، ما قد يصعِّب على السودان عدم الانغماس فيها.
وحذَّر مانيك من أن "إثيوبيا تتشارك حدودها بالكامل مع السودان، ويشمل ذلك الأمور المتعلقة بالمجموعات المسلحة في إقليم بني شنقول-قماز وغامبيلا وغرب أوروميا، وعلاقة هؤلاء المتنامية مع السودان، وكل ذلك يزداد أهمية ضمن المسار الأوسع نطاقاً مع استمرار الحرب الإثيوبية طويلة الأمد".