رغم أن الوقت لا يزال مبكراً، يبدو أن دونالد ترامب قد حسم أمره وقرر الترشح للرئاسة مرة أخرى، وأظهرت استطلاعات رأي أن الرئيس السابق يتفوق بالفعل على جو بايدن والسبب أفغانستان وكورونا.
ترامب، الذي خسر الانتخابات الأخيرة عام 2020 أمام بايدن، لا يزال يردد مزاعمه بشأن "سرقة" بايدن لتلك الانتخابات، وهي المزاعم التي تسببت في أخطر أزمة تواجه الديمقراطية الأمريكية على الإطلاق بعد أن اقتحم أنصار الرئيس السابق مبنى الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني الماضي لمنع التصديق على فوز بايدن.
وأدت تلك المزاعم بشأن تزوير الانتخابات إلى قيام منصات التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك وغيرهما) بحظر حسابات ترامب وفرض حصار على الرئيس السابق، لا زال سارياً. لكن بعد أن يكمل بايدن عامه الأول في البيت الأبيض، بدأت شعبية ترامب في الازدياد بشكل لافت مؤخراً.
هل حسم ترامب قراره بالفعل؟
وحتى الآن لم يعلن ترامب صراحة أنه سيترشح مرة أخرى عام 2024، لكن جميع مستشاريه المقربين قد أكدوا أن الرئيس السابق حسم أمره بالفعل، لكنه لن يعلن القرار إلا بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل.
وتحت عنوان "بنسبة 99 إلى 100%، دونالد ترامب سيترشح عام 2024"، نشرت شبكة CNN تقريراً تناول المؤشرات على أن الرئيس السابق قد حسم أمره بالفعل، لكنه لا يشارك القرار إلا مع الدائرة المقربة من مستشاريه، انتظاراً للوقت المناسب.
وواقع الأمر يشير إلى أن ترامب لم يتوقف أبداً عن التلميح بطريقة غير مباشرة إلى أنه "ينوي الترشح" للرئاسة مرة أخرى، ففي مقابلة في مايو/أيار الماضي، قال ترامب نصاً: "كما تعرفون، لا يزال الوقت مبكراً. لكنني أعتقد أن الناس سيكونون سعداء جداً جداً جداً عندما أصدر إعلاناً معيناً".
والأسبوع الماضي، أصدر ترامب بياناً صحفياً عبر لجنته السياسية (أنقذوا أمريكا) يحمل نتائج استطلاع رأي يظهره متقدماً بفارق عريض على المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة عن الحزب الجمهوري.
والأسبوع الماضي أيضاً، قال جيم جوردون العضو الجمهوري عن ولاية أوهايو في مجلس النواب الأمريكي للصحفيين عن ترامب: "أعتقد أنه سوف يترشح. أنا أريده أن يترشح. لقد أثبت أنه يستطيع تحمل الضغوط".
وخلال أغسطس/آب الماضي، قال شون سبايسر السكرتير الصحفي لترامب إنه يعتقد أن الرئيس السابق سيشارك في الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2024، مضيفاً لصحيفة The Washington Examiner أنه تم تشجيع ترامب على الترشح مرة أخرى بسبب استيائه من مواقف إدارة بايدن.
لكن بعيداً عن المؤشرات الكلامية أو التصريحات، فإن الخطوات الفعلية تؤكد أن ترامب قد اتخذ قراره بالفعل وبات على طريق التجهيز الفعلي للحملة الانتخابية رغم أن الوقت لا زال مبكراً، وهذا ما رصده تقرير لمجلة Politico بعنوان "ترامب بدأ بالفعل حملة انتخابات 2024″، رصد مؤتمرات الرئيس السابق الانتخابية، خصوصاً في ولاية آيوا وتكثيف جمع التبرعات والظهور الإعلامي المتكرر وفيضان البيانات الصحفية وتدخله شخصياً في تعديل صياغات الإعلانات السياسية التي تهاجم بايدن.
الانسحاب من أفغانستان وجائحة كورونا
ويرى أغلب الخبراء الأمريكيين أن أداء الرئيس بايدن بشكل عام، والانسحاب من أفغانستان وجائحة كورونا بشكل خاص، قد شجع ترامب وفتح شهيته مرة أخرى للعودة إلى المشهد السياسي مبكراً وبشكل مكثف.
ويرى ترامب ودائرته المقربة أن الوقت مناسب تماماً للظهور المكثف واكتساب الزخم السياسي، في ظل تراجع معدلات القبول بين الأمريكيين بشأن أداء إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، وهو ما يمثل فرصة سانحة -من وجهة نظر فريق ترامب- لاستعادة الأغلبية في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ أو على الأقل أحدهما.
وبالتالي فإن الترويج لفكرة حسم ترامب قراره بشأن السعي لاستعادة البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة يمثل حجر الزاوية لوأد أي محاولات جادة داخل الحزب الجمهوري للتخلص من سيطرة الرئيس السابق على الحزب، وجعل "رضا" ترامب عن المرشحين في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل أمراً يسعى الجميع لأن يحظى به.
ويؤكد هذا التوجه الظهور المكثف لترامب منذ أغسطس/آب الماضي، وهجومه العنيف على بايدن على خلفية الانسحاب من أفغانستان، واصفاً تعامل الرئيس الديمقراطي مع ذلك الملف بأنه "أكبر مهانة في مجال السياسة الخارجية" تعرضت لها الولايات المتحدة في تاريخها.
ووجَّه ترامب الجمهوري اللوم مراراً إلى بايدن في سقوط أفغانستان في أيدي حركة طالبان على الرغم من أن الانسحاب الأمريكي الذي تسبب في الانهيار تم التفاوض عليه قبل تولي إدارة بايدن السلطة.
وقال ترامب، يوم 21 أغسطس/آب الماضي، في تجمع حاشد لأنصاره قرب كولمان بولاية ألاباما إن "انسحاب بايدن الفاشل من أفغانستان هو أكبر إظهار مثير للدهشة لعدم الكفاءة الفادحة من قبل رئيس للبلاد ربما في أي وقت".
وبرر ترامب، في كلمته أمام الحشد، ما وصفه بالفشل في هذا الوضع على أساس عدم اتباع بايدن الخطة التي توصلت إليها إدارة الرئيس السابق، مبدياً أسفه على الأفراد والمعدات الأمريكيين الذين جرى تركهم مع انسحاب القوات. وقال "هذا ليس انسحاباً، هذا استسلام كامل".
وأضاف ترامب أن طالبان، التي تفاوض معها الرئيس السابق، تحترمه، وأشار إلى أن الاستيلاء السريع على أفغانستان لم يكن ليحدث لو كان ما زال هو في الرئاسة، وقال ترامب: "كان من الممكن أن نخرج بكرامة. كان يجب أن نخرج بكرامة وبدلاً من ذلك خرجنا بعكس الكرامة تماماً".
ومع عودة إصابات كورونا للارتفاع بشكل قياسي مرة أخرى في الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، رغم حملة التلقيح المكثفة، وتأثير ذلك على الاقتصاد المنكمش بالفعل بفعل الجائحة، وجد ترامب ذخيرة إضافية للهجوم على خصمه اللدود، ساكن البيت الأبيض.
ما فرص ترامب في العودة للبيت الأبيض؟
رغم تبقي أكثر من ثلاث سنوات كاملة على الانتخابات الرئاسية المقبلة -نوفمبر/تشرين الثاني 2024- فإن استطلاعات الرأي التي لا تتوقف تقدم للرئيس السابق أملاً كبيراً يجعل من الصعب أن يتراجع عن قراره شبه "المحسوم" بالسعي للعودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى.
إذ كانت كثير من استطلاعات الرأي قد أظهرت، بعد مغادرة ترامب منصبه، أن معظم الأمريكيين يعتقدون أن ترشح ترامب للرئاسة مرة أخرى سيكون أمراً سيئاً للبلاد، لكن الأمور تحسنت كثيراً في الأسابيع الأخيرة.
فعلى مستوى الحزب الجمهوري، أظهرت جميع استطلاعات الرأي أن الرئيس السابق لا يواجه تقريباً منافسة تذكر من جانب أي من المرشحين المحتملين الطامحين للفوز بترشيح الحزب للرئاسة، كما أن من ألمحوا للسعي للفوز بالترشح كانوا حريصين تماماً على أنهم "لن يترشحوا" أمام ترامب، أو على الأقل تجنبوا تماماً توجيه أي انتقادات علنية له.
أما على المستوى القومي، فقد أظهر استطلاع حديث أجرته إيمرسون كوليدج أن ترامب وبايدن -إذا ما تنافسا مرة أخرى في انتخابات 2024- ستكون الغلبة لصالح الرئيس الجمهوري السابق، بحسب تقرير لمجلة Newsweek عنوانه "ترامب يهزم بايدن في استطلاع انتخابات 2024".
وأظهرت تفاصيل الاستطلاع أن 47% من المستطلعة آراؤهم انتخبوا ترامب، مقابل 46% فقط اختاروا بايدن. وأعرب 47% من المستطلعة آراؤهم عن عدم رضاهم عن أداء بايدن كرئيس حتى الآن، مقابل 46% قالوا إنهم راضون عن أدائه، بينما لم يقرر 7%.
وعلى مستوى الناخبين الديمقراطيين، قال 60% إنهم يختارون بايدن مرشحاً للحزب مرة أخرى في انتخابات 2024، بينما عبَّر 39% عن رغبتهم في وجود مرشح آخر للحزب.
أما الناخبون الجمهوريون، فقد عبر 67% منهم عن الرغبة في أن يكون ترامب مرشحاً للحزب في الانتخابات المقبلة، مقابل 10% اختاروا رون ديسانتيس حاكم فلوريدا ليكون مرشحاً للحزب، بينما حصل مرشحان آخران مثل مايك بنس نائب ترامب السابق وتيد كروث عضو مجلس الشيوخ عن تكساس على نسب تتراوح بين 1 و3%.
الخلاصة هنا هي أن ترامب لا يزال رقماً صعباً في السياسة الأمريكية، وقد يعود مرة أخرى للبيت الأبيض عام 2024، في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل. وعندها سيكون ترامب في الـ78 من عمره، فليصبح أكبر رئيس يتم انتخابه سناً على الإطلاق إذا فاز، علماً أن أكبر شخص فاز بالانتخابات الرئاسية هو جو بايدن الرئيس الحالي، الذي كان يبلغ من العمر 77 عاماً عندما فاز في عام 2020.