في ظل ظروف اقتصادية خانقة فاقمتها جائحة فيروس كورونا، يواجه الأردن تحدياً صعباً مع تفجر الأوضاع في محافظة درعا السورية ومناشدة أعضاء في لجنة التفاوض ووجهاء العشائر الملك عبدالله الثاني السماح للأهالي بدخول أراضي المملكة، بعد انتهاك النظام السوري لاتفاق وقف إطلاق النار.
وكانت قوات النظام السوري قد شنت حملة قصف عنيف على درعا منذ مايو/أيار الماضي، تزامناً مع الانتخابات التي أقامها نظام بشار الأسد، واندلاع احتجاجات رافضة لها في مهد الثورة السورية، وتسبب القصف في مقتل المئات من المدنيين، بينهم عشرات الأطفال، كما أجبر القصف عشرات الآلاف على الفرار من منازلهم هناك.
ورغم أن درعا كانت تخضع لاتفاقية سلام بين المعارضة والنظام السوري برعاية روسية منذ عام 2018، تخلّت بموجبها المعارضة المسلحة في المنطقة عن أسلحتها الثقيلة، لكن قوات النظام -المدعومة من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني- انتهكت بنود تلك الاتفاقية سعياً للقضاء على المعارضة وفرض السيطرة بالكامل على محافظة درعا.
وقبل أيام، تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار جديد، دخلت بموجبه الشرطة العسكرية الروسية ولجنة أمنية تابعة للنظام السوري إلى المنطقة، بغرض تثبيت وقف إطلاق النار، وتسلم السلاح الخفيف من أشخاص حددهم النظام، وعددهم 34.
وتضمّن اتفاق وقف إطلاق النار عدم تهجير أي شخص خارج المنطقة، وتمركز قوات النظام وفرع الأمن العسكري التابع له في 4 نقاط من المنطقة كقوى أمنية، وعودة مخفر الشرطة وعناصره للمنطقة، بعد خروجهم منها جراء الأحداث الأخيرة. كما تضمن الاتفاق انسحاب الفرقتين الرابعة والتاسعة التابعتين للنظام من محيط منطقة درعا البلد، وفك الحصار عنها.
الأردن وموجات اللاجئين
يمتلك الأردن حدوداً مع سوريا يصل طولها إلى 375 كلم، وتعتبر المملكة من دول جوار سوريا التي تأثرت بالأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011، فقد استقبلت أراضيها قرابة 750 ألف لاجئ، توزعوا على مختلف محافظاتها ومدنها، فضلاً عن وجود عدد مماثل دخلوا قبل بدء الثورة بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة.
وعلى مدار سنوات طويلة لم تغلق عمان أبوابها في وجوه طالبي اللجوء، إلا أنها قررت إغلاق الحدود مع سوريا بعد تفجيرات الرقبان التي جرت في حزيران/يونيو 2016، وأودت بحياة 7 عسكريين أردنيين.
وحتى ذلك القرار لم يخل من استثناءات، فقد جرى خلال فترات متفاوتة السماح بإدخال حالات مرضية لنازحي مخيم الرقبان، الواقع في المنطقة "المحرمة" بين البلدين على الحدود الشمالية الشرقية للمملكة، والذي يضم ما يزيد على 85 ألف نازح سوري، كانوا ينتظرون السماح بدخولهم إلى الأراضي الأردنية.
كما سمح الأردن عام 2018 للأمم المتحدة بتنظيم مرور نحو 800 عنصر من الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، عبر أراضيه؛ لتوطينهم في دول غربية، لـ"أسباب إنسانية بحتة".
والسبت 4 سبتمبر/أيلول، ناشد أعضاء في لجنة التفاوض ووجهاء عشائر في مدينة درعا جنوبي سوريا العاهل الأردني السماح للأهالي بدخول أراضي المملكة، بعد انتهاك النظام لاتفاق وقف إطلاق النار، والتقدم بمطالب إضافية لم يتضمنها الاتفاق بين الطرفين.
ورجح محللون سياسيون أردنيون عدم التفات عمان لتلك المناشدة، خاصة مع الضغط "الهائل" الذي تعاني منه المملكة من تواجد أعداد كبيرة من اللاجئين على أراضيها، لكنهم توقعوا في الوقت ذاته أن يكون لبلادهم دور في حل سياسي يعيد الأمور إلى نصابها، ويحول دون تهجير الآلاف منهم.
سعي الأردن لحل سياسي في سوريا
الكاتب والمحلل السياسي فايز الفايز، قال للأناضول: "لم يعد خافيا الجهود التي بذلها الأردن وعلى أعلى مستويات الحكم في سبيل الحل السلمي والسياسي للصراع في سوريا والذي تجاوز عقداً من الزمن.
"لكنه اليوم بات على بعد قذيفة من الهجمات الحربية للنظام السوري المدعوم من القوات الروسية والميليشيات الإيرانية، فمدينة درعا المتاخمة للحدود باتت ساحة حرب ضروس بعدما خرقت الأطراف الرئيسة شروط الهدنة والاتفاقات التي تم التوافق عليها مع السكان".
وأشار الفايز إلى أنه من الناحية الرسمية، "ينظر الأردن بعين الحذر للتطورات المقلقة التي قد تهدد استقرار حدوده والتي حافظ على هدوئها عبر سنوات خلت"، مضيفا أن "الملك عبدالله نقل تصوراته ووجهات نظر العديد من الخبراء في الاستراتيجية الجيوسياسية إلى طاولة البيت الأبيض خلال محادثاته مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وضغط بشدة لفتح المعابر الإنسانية والتجارية؛ لضمان حركة النقل وتقديم المساعدات للشعب السوري".
"استطاع (الأردن) أن يضمن فتح حدوده الرسمية مع سوريا، بيد أن تفجر الوضع من قبل الميليشيات والجيش السوري مدعوماً بغطاء روسي أفشل العملية السلمية برمتها حتى اليوم".
واعتبر الفايز أن "الأردن قد عاد إلى المربع الأول في الأزمة السورية، خصوصاً مع استمرار قصف القطاعات العسكرية لمدينة درعا ودرعا البلد، وهي مهد الثورة على النظام، ولكنه لا يستطيع العودة بصفته ملجأ للمواطنين السوريين التي تتحمل الدولة السورية ضمان أمنهم".
وأكد أنه "رغم ما قيل من مناشدات الأهالي في درعا للأردن كي يفتح حدوده، فإن ذلك ليس في الوارد، فالتنسيق ما بين عمان وموسكو تعدى حدود التفاهمات الأمنية والعسكرية بل إن الملك عبدالله قام بزيارة لموسكو والتقى الرئيس فلاديمير بوتين (أغسطس/آب الماضي)، ومن المؤكد أن الأزمة السورية كانت هي الأبرز في المحادثات، والدفع بالمصالحة وعودة المهجرين الى منازلهم".
وأردف الفايز: "لكن بعدها لم تترك اليد الإيرانية مجالاً للمزيد من التعاون الأردني لإعادة استتباب الأمن في المدينة المنكوبة، وحتى وفد العشائر الذي كان منخرطاً بالوصول لاتفاق مع أحياء درعا البلد تم قصف قافلتهم بالمدفعية".
ومضى قائلاً: "لهذا لا يمكن للأردن أن يتحمل التكلفة العالية للصراع المستجد في الجنوب السوري الذي عادت سيطرة القوات الإيرانية والتغطية الروسية عليه فضلاً عن قوى النظام".
محاولات إيران لزعزعة استقرار الأردن
الفايز أشار أيضاً إلى أن "قطاعات حرس الحدود الأردنية باتت يقظة على مدار الساعة؛ لصد عمليات التسلل لجماعات تتقصد تهريب الأسلحة والمخدرات عبر حدوده، وترصد الاستكشافات العسكرية الأردنية العشرات من مصانع المخدرات التي تتزود من الأراضي اللبنانية".
ورأى أنه "من هنا يظهر بوضوح المشروع الإيراني الذي يستهدف الأردن أيضاً، بعدما تم تهجير الآلاف من درعا وقراها إلى شمال سوريا، ومحاولة التغيير الديموغرافي للوصول إلى محاذاة الحد الأردني".
ومتابعاً في السياق ذاته أن "الأردن لن يقبل بهذا، ومثله الدعم الروسي للحفاظ على سيطرته رغم النظام، ويبدو أنهم تحركوا مجدداً للجنوب السوري كمناورات غير مباشرة أمام قواعد الجيش الأمريكي داخل الأراضي السورية في الجنوب الشرقي وفي الأراضي الأردنية".
واختتم الفايز "أي تهديد للأراضي الأردنية سيقطع أي أمل بالسلام، والحل أن يتخلص النظام السوري من عقلية المغالبة التي ورطته فيها قوات طهران بالوكالة واستوطنت الأرض السورية ولا يهمها الاستقرار ولا حماية المواطنين الأبرياء".
هل يتم التوصل لحل سياسي في درعا؟
وقال خالد شنيكات، أكاديمي ومحلل سياسي، للأناضول إن "الأردن في موقف ليس سهلاً، بموضوع اللاجئين؛ لأن لديه أعداداً هائلة تزيد على 1.3 مليون منهم، لكنه رغم ذلك متأهب لكل الخيارات".
ولفت إلى أن "زيارة الملك عبدالله الأخيرة إلى روسيا ربما تناولت شيئاً من هذا الموضوع، والأردن يفضل أن يحل الموضوع سلمياً داخل سوريا؛ منعاً لموجات نزوح جديدة من اللاجئين باتجاه أراضي المملكة".
"إذا لم يتم الاتفاق بين المعارضة والنظام في درعا، قد نشهد موجات لاجئين، لكن يبدو أن هناك اتفاقاً برعاية نائب وزير الدفاع الروسي، يتمثل في الرجوع لاتفاق عام 2018 بنقاط أمنية مشتركة ومعالجة موضوع اللاجئين والمقاتلين، وبالتالي حل الموضوع داخل سوريا".
واعتبر أن ما يقلق بلاده من تطورات درعا السورية هو "فقدان الاستقرار في سوريا وتبعاته الاقتصادية، واستمرار دورة العنف، وما يتبع ذلك من تداعيات، وبالتالي المزيد من التكلفة لما يجري هناك".
صايل السرحان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آل البيت (حكومية)، كان أكثر تفاؤلاً من سابقيه، حيث قال: "أعتقد أن موضوع أزمة درعا الأخيرة المتعلقة بالمسلحين المتحصنين في حي المحطة في طريقها إلى الحل".
وأرجع السبب في ذلك إلى "أن المقاومين يواجهون ضغطاً من الجيش السوري الأقوى عدداً وعدة، وضغطاً من جانب الأهالي بضرورة الاستجابة لدعوات وقف إطلاق النار والانصياع للتسوية بالرعاية الروسية".
ونوه السرحان بأن "عدداً قليلاً سيتم ترحيله إلى إدلب، وأعتقد أن الأردن لن يستقبل موجة لجوء جديدة"، مضيفاً: "الأردن يرحب بتسوية للصراع السوري بشكل عام، وفي درعا بشكل خاص؛ ليمهد الطريق لاستئناف فتح المعبر بين البلدين للنهوض بالحياة الاقتصادية التي تشكل قضية ملحة له، وقد أشار الملك عبدالله قبل أكثر من شهر إلى ذلك بشكل واضح وصريح".
وكانت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية قد نشرت تحليلاً تناول رغبة روسيا في الحفاظ على الوضع الراهن وعدم تجدد القتال في سوريا بعد أن اكتشفت موسكو أن الحفاظ على السلام في سوريا أصعب من القتال في حربها الأهلية. ويرجع ذلك إلى الاعتداء الشرس من جانب قوات النظام السوري ضد إدلب، المعقل الأخير للمعارضة السورية، وفي درعا يؤدي إلى تقويض الهدف الأساسي لموسكو الرامي إلى ترسيخ أقدامها بوصفها وسيطاً قوياً رئيسياً في المنطقة.
وأكد السرحان أن "مصلحة الأردن العليا تكمن في الوقت الحالي، وفي ضوء ما أسفر عنه الوضع، في تسوية تحفظ وحدة سوريا لما فيه مصلحة شعبها، والحاجة الملحة إلى منح المملكة وضعاً خاصاً في علاقته معها؛ في ظل قانون قيصر المفروض أمريكياً". واستطرد: "وبالفعل تم التوصل إلى تفاهمات حول ذلك خلال زيارة الملك إلى واشنطن مؤخراً (يوليو/تموز الماضي) ولقائه الرئيس الأمريكي جو بايدن".