رغم مرور 20 عاماً على هجمات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، فإن آثارها السلبية لا تزال قائمة، ليس فقط حول العالم، لكن داخل أمريكا نفسها، حيث رصد تقرير أمريكي كيف تحوّلت البلاد إلى دولة بوليسية، ومواطنوها جميعاً لمشتبه بهم.
كان تنظيم القاعدة قد تبنّى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي استهدفت الولايات المتحدة وأسقطت نحو 3 آلاف قتيل، وشنَّت أمريكا برئاسة جورج بوش حملة عسكرية دولية وصفتها بـ"الحرب على الإرهاب"، شهدت غزو أفغانستان والعراق وشن هجمات عسكرية في قارات العالم الست، نتج عنها خراب وتدمير كثير من الدول، ونزوح عشرات الملايين من بيوتهم وبلادهم.
وتناول موقع Responsible Statecraft الأمريكي ما أحدثته تلك الهجمات من عسكرة آليات تطبيق القانون، وتحويل جميع الأمريكيين إلى مشتبه بهم، ضمن سلسلة ممتدة من إجراءات الطوارئ التي لا تزال سارية حتى اليوم، وحولت القوة العظمى المدافعة عن "الديمقراطية وحقوق الإنسان" إلى دولة أشبه بالدول البوليسية.
الجميع تحت المراقبة
ففي أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول، وإعلان الحرب على الإرهاب، طوّرت الولايات المتحدة عدداً من الأدوات لفرض الانضباط على المجتمع. ووسّعت الحكومة الأمريكية نطاق ومدى استخدام أنشطة مثل هجمات الطائرات المسيّرة على أهدافٍ أجنبية، واستخدام آليات "التحقيق المعزّزة"، بحجة مكافحة الإرهاب وحماية الأفراد والممتلكات وحريات المواطن الأمريكي.
وعلى أرض الواقع، نجد أنّ تلك التعديلات المفترضة على أمن الولايات المتحدة تُهدد نفس الحقوق التي يُفترض أنّها وُضِعَت لحمايتها، بحسب الموقع الأمريكي. ويتجلّى هذا الأمر على وجه التحديد في ساحة المراقبة، حيث لا تزال سلطات الدولة البوليسية المُوسّعة -التي مُنِحَت في وقت الأزمة- معمولاً بها حتى يومنا هذا، بعد مرور عقدين على وقوع الهجمات لأول مرة.
وقد أسفر ذلك عن انخفاض هامش الخصوصية والحرية المكفول للمواطنين الأمريكيين. وتُعتبر التداعيات الأخرى غير المقصودة لتلك الآليات سبباً من أسباب أكثر المشكلات الاجتماعية إلحاحاً في البلاد.
وليست دولة المراقبة أمراً مستحدثاً في أعقاب الحرب على الإرهاب. فبعد ظهور المصطلح أوائل القرن العشرين، بدأت الحكومة في تبنّي سمات الدولة البوليسية بشكلٍ متزايد مع مرور الوقت.
وقد اعترف المسؤولون بهذا التوسّع التدريجي، ففي أوائل السبعينيات حقّقت لجنة الكنيسة في الانتهاكات الممنهجة من جانب المجتمع الاستخباراتي، وأصدرت تقريرها بأنّ "كافة عناصر مجتمعنا تقريباً قد تعرّضت لتحقيقات استخباراتية مكثّفة بأمرٍ من الحكومة".
وأشارت اللجنة أيضاً إلى أنّ هذا النوع من الأنشطة يتعارض مع المبادئ الدستورية الأمريكية التي تكفل حرية التعبير، وحرية النشاط السياسي، والحق في الخصوصية بموجب التعديل الرابع للدستور.
"الحرب على الإرهاب" والدولة البوليسية
وقد سمحت الحرب على الإرهاب باستمرار التوسع الكبير في سلطات المراقبة الفيدرالية. فبعد فترةٍ وجيزة من هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول، مرّر الكونغرس قانون الوطنية الأمريكي (باتريوت آكت) لمكافحة الإرهاب.
وسّع هذا القانون العديد من قدرات المراقبة الخاصة بالحكومة. وبات بإمكان عملاء الحكومة تفتيش الممتلكات الخاصة بدون إعلام مالكها أولاً. وصار بإمكان المسؤولين مراجعة أي معلومات تحملها أطراف ثالثة، كما أضعف القانون الحقوق المكفولة بموجب التعديل الرابع للدستور عن طريق توسيع نطاق عمليات "التصنّت والتعقّب"، حيث يستطيع المسؤولون جمع المعلومات المرتبطة بالمكالمات الهاتفية.
كما استهدفت الحكومة الأمريكية المسلمين والمنحدرين من أصولٍ عربية، سواء محلياً أو دولياً. وشمل ذلك تمويل مكتب التحقيقات الفيدرالي للمخبرين السريين من أجل اختراق المجتمعات المحلية المسلمة بغرض الرقابة وجمع المعلومات.
أما على المستوى الدولي، فكان ذلك يعني استخدام أشياء مثل نظام التسجيل الخاص بإدارة التجنيس والهجرة، الذي يُلزم غير المواطنين القادمين من دول ذات أغلبية مسلمة بتسجيل بصمات أصابعهم وصورهم والخضوع للتحقيق عند دخول البلاد، مع البقاء على تواصل دائم مع موظفي الهجرة طيلة فترة إقامتهم داخل الولايات المتحدة.
كذلك تعاونت وزارة الدفاع مع مكتب التحقيقات الفيدرالي لإصدار خطابات الأمن القومي، وهي عبارةٌ عن مذكرات تسمح للحكومة بالوصول إلى معلومات الأفراد الخاصة بدون رقابةٍ قضائية -شريطة أن يكون ذلك تحت مُسمى "الأمن القومي".
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي يتمتّع بقدرةٍ أكبر على إصدار الخطابات من وكالة الأمن القومي قبل بدء الحرب على الإرهاب. لكن قانون الوطنية الأمريكي جاء لتوسيع نطاق استخدامها. بينما تحالفت الوكالتان معاً للتغلّب على أي معوقات قانونية في وجه المراقبة.
زيادة تمويل وعسكرة الأجهزة الأمنية
وهذه ليست قائمةً شاملة بكافة سلطات المراقبة المكفولة في أعقاب الـ11 من سبتمبر/أيلول. ولم تعُد دولة المراقبة إلى وضعها الطبيعي قبل اندلاع الحرب على الإرهاب، حيث قانون الوطنية وغيره من التشريعات الخاصة بالمراقبة قد تم تمديدها أو إعادة إقرارها أو تعديلها أو إنهاء صلاحيتها.
ولم تخفت رغبة المسؤولين الأمريكيين في تعقّب والتجسس على المواطنين الأمريكيين على الإطلاق. إذ تترك الحرب على الإرهاب -بدون أي عدوٍّ محدد بوضوح وبدون تاريخ انتهاء- الباب مفتوحاً أمام مؤسسات مثل وكالة الأمن القومي ووزارة الدفاع ومكتب التحقيقات الفيدرالي لمواصلة أنشطةٍ من النوع المذكور أعلاه.
وليست أنشطة المراقبة تلك مقتصرةً على الحكومة الفيدرالية بالطبع. حيث تبنّت سلطات إنفاذ القانون المحلية في الولايات أدوات دولة المراقبة على نحوٍ متزايد، إلى جانب آليات وتقنيات أخرى عُرِفَ عن الجيش استخدامها تاريخياً.
وليس هذا النوع من العسكرة مستحدثاً في فترة ما بعد الـ11 من سبتمبر/أيلول، لكن الحرب على الإرهاب هي ما جعلت هذا الرابط بين الشرطة ودولة المراقبة أقوى من أي وقتٍ مضى. وبعد أن كانت الشرطة مكلفة بحفظ القوانين المحلية وإحلال السلام الداخلي، وجد رجالها أنفسهم على الجبهة في الحرب الفيدرالية على الإرهاب، حيث يشاركون بأنفسهم في بعض الأنشطة المخصصة لنظرائهم الفيدراليين أو يعملون بالنيابة عنهم مباشرة.
ويُذكر أنّ أعداد فرق مكافحة الإرهاب المشتركة قد زادت بنسبة 185% عقب أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول، من 35 إلى 100 فرقة. وهذه الفرق هي عبارة عن شراكات تحت إشراف العديد من المؤسسات الفيدرالية مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، وتعمل من أجل تسهيل تبادل المعلومات بين مختلف مستويات الحكومة، بما في ذلك الولايات والشرطة المحلية، ما يعني أنّ سلطات إنفاذ القانون المحلية صارت جزءاً متداخلاً وأساسياً في دولة المراقبة، بدلاً من أن تكون مستقلة وتؤدي دور الرقيب على سلطة الحكومة المركزية.
وإليكم هذا المثال التوضيحي: إلى جانب تسلم كادر أسلحة وعربات مدرعة وأدوات أخرى من وزارة الدفاع، حصلت الولايات والشرطة المحلية أيضاً على معدات مراقبة عسكرية.
وشملت تلك المعدات أجهزة التعقب الخلوية (ستينغراي) التي تُستخدم لجمع معلومات الهواتف الخلوية، مثل الموقع وغيرها من المعلومات الشخصية. وكانت هذه الأجهزة تُستخدم في الأصل خارج البلاد خلال عمليات المراقبة، لكنها باتت الآن جزءاً أساسياً من أنشطة جهات إنفاذ القانون المحلية في الولايات.
وقد أثار استخدام هذه الأجهزة قلق المدافعين عن الخصوصية، الذين أشاروا إلى أنّ تلك الأجهزة تجمع بيانات كافة الهواتف الموجودة داخل نطاقٍ معين، ما يعني أنّها تجمع بيانات العديد من الأمريكيين الأبرياء بدون أي اشتباه في ارتكابهم أي جرم. علاوةً على أنّ هذه الأجهزة تُستخدم عادةً بموجب اتفاقيات عدم إفصاح، أي أنّها لا تخضع لأي إشرافٍ تقريباً.
وبالتحليل الدقيق لتوسّع دولة الأمن القومي خلال العشرين عاماً التي أعقبت أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول، يتضح أنّ السلطات التي حصلت عليها الحكومة الأمريكية بحجة الحرب على الإرهاب لن يكون من السهل سحبها.
حيث ستتطلّب على الأقل تحوّلاً أيديولوجياً كبيراً وسط السكان. وبينما يعترض البعض على برامج المراقبة الحكومية، نجد أن العديدين يرونها "ضرورية". حيث يتبنّى الكثيرون موقف من ليس لديه شيءٌ ليخفيه.
وحتى في حال حدوث هذا التحول الأيديولوجي، فإنّ إلغاء مختلف البرامج، أو حتى الحيلولة دون توسيعها، سيتطلب تفكيكاً كاملاً للعلاقات التي توطّدت على مدار 20 عاماً بين المؤسسات الوطنية والوكالات المحلية في الولايات والشركات الخاصة. ونتيجةً لذلك، سنجد أنّ الخصوصية قد صارت دون شك من ضحايا الحرب على الإرهاب.