لعقودٍ من الزمن، كان الهدف الرئيسي في الصين هو السعي لتحقيق النمو، وبناء ثاني أكبر اقتصادٍ في العالم، في ظلِّ الركود النسبي على المسرح الدولي. والآن، فإن وعد بكين في توسيع الكعكة الاقتصادية وتقسيمها على نحوٍ جيِّد.
فقد أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، هذا الشهر، خططاً لنشر "الرخاء المشترك" في واحدةٍ من أكثر الاقتصادات الكبرى غير المتكافئة في العالم، مِمَّا يشير إلى تحوُّلٍ عن سعي أسلافه لتحقيق النمو، وينذر بحملةٍ صارمة على النخب الثرية- بما في ذلك مجموعة المليارديرات في قطاع التكنولوجيا.
"الرخاء المشترك" تأتي في لحظة حساسة بالنسبة لاقتصاد الصين
ومع ذلك، يأتي التحوُّل في لحظةٍ حسَّاسة بالنسبة للصين، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية. تظهر علامات الضغط في الاقتصاد الصيني بينما يشرع في مهمة شي، التي تغذيها سلالة دلتا من فيروس كورونا المُستجَد وحالة النقص في المواد الخام.
تُظهِر الأرقام المنشورة في 1 سبتمبر/أيلول، أن إنتاج المصانع قد تراجَعَ في أغسطس/آب، إذ انخفض إلى أدنى مستوى منذ 18 شهراً، في حين أظهَرَ المسح الرئيسي لقطاع الخدمات أنه تلقَّى ضربةً أكبر وانكمش للمرة الأولى منذ مارس/آذار.
ضربت الآثار غير المباشرة في جميع أنحاء جنوب آسيا، حيث تعرَّضَت دولٌ، من ماليزيا إلى فيتنام، لضغوطٍ ليس فقط من انخفاض التجارة مع الصين، ولكن أيضاً من هجمات فيروس كورونا الأخيرة في هذه الدول، والفوضى في صناعة الشحن، مِمَّا جعل الشركات تعاني من نقصٍ حادٍّ في المواد الخام.
تجاهلت اقتصادات اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة انتشار الفيروس للحفاظ على تعافيها من الإغلاق في وقتٍ سابقٍ من العام.
أما الصين، باعتبارها الدولة الأولى التي استسلمت للركود الناجم عن الجائحة، فهي تخيف المستثمرين الدوليين الآن، خشية اندلاع موجة صيفية من النمو قد تنذر بتراجعٍ طويل الأمد قد يمتد حتى عام 2022.
تقليص الفجوة المتزايدة للثروة في الصين
تعتقد ديانا توشيليفا، الخبيرة الاقتصادية والمراقِبة للشؤون الصينية، أن النمو سيضعُف في الربع الثالث إلى 0.9%، من 1.3% في الأشهر الثلاثة حتى 30 يونيو/حزيران، "متأثِّراً بالرياح المعاكسة للتصنيع والتصدير والشركات الصغيرة والمتوسطة المتعثِّرة في الصين".
وقالت إن تصميم شي على تقليص الفجوة المتزايدة للثروة في الصين خطوةٌ كبيرة في خضم ذلك. وأضافت: "شرع شي في مسارٍ طموح، ولكنه مجهول لأنه يهدف إلى الوفاء بوعد الحزب بنظامٍ اشتراكي لا يضع احتياجات القلة على حساب احتياجات الأغلبية". وتابعت: "لكنه يخاطر بأن أجندة توزيع الدخل والثروة الشاملة الخاصة به ستقوِّض النمو القوي".
ووفقاً لبيانات البنك الدولي، لدى الصين أحد أعلى مقاييس عدم المساواة بعد الولايات المتحدة. ويأتي ذلك بعد السعي وراء التفوُّق الاقتصادي منذ أن تحرَّك الرئيس دنغ شياو بينغ، قبل عقودٍ مضت، لأول مرة لفتح البلاد أمام التجارة العالمية في عام 1978، مع الاعتراف بأن ذلك سيتعيَّن معه "السماح لبعض الناس بالثراء أولاً"، لمساعدة المناطق الأفقر على المدى الطويل.
وفي ظلِّ التحوُّل الذي نظَّمه شي، سيكون التركيز على جودة النمو الاقتصادي، مع الآثار المُحتَمَلة على البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم. سارع الملياديرات بصورةٍ عامة، والمستفيدون الأثرياء من قطاع التكنولوجيا على وجه التحديد، إلى استرضاء الحزب بالتبرُّعات الخيرية ورسائل الدعم.
وقال موقع التجارة الإلكترونية Pinduoduo، المُدرَج في بورصة ناسداك، في وقتٍ سابق من هذا العام إنه سيتبرَّع بأرباح الربع الثاني وجميع الأرباح المستقبلية من أجل التنمية الزراعية في الصين، حتى وصلت التبرُّعات إلى ما لا يقل عن 10 مليارات يوان (1.5 مليار دولار)، ودفعت هذه الخطوة أسهم الموقع للقفز بنسبة 22%.
وحصلت شركة Tencent، المُدرَجة في بورصة هونغ كونغ، على نفس الإشارات من بكين، وقامت بتخصيص 50 مليار يوان لبرامج الرعاية الاجتماعية التي تدعم المجتمعات منخفضة الدخل، وبذلك يصل إجمالي التعهُّدات الخيرية لهذا العام 15 مليار دولار.
تقييد نمو شركات التكنولوجيا
ومع ذلك، تتحرَّك الصين لتقييد الشركات المحلية من الإدراج في البورصات الأمريكية، في خطوةٍ تهدِّد بتقييد نمو شركات التكنولوجيا التي أصبحت ترمز إلى معدَّلات النمو الاقتصادي الصيني القياسية وظهور رؤساء الشركات فاحشي الثراء.
وقالت رنا ميتر، المؤرِّخة ومديرة مركز الصين بجامعة أكسفورد، إن خطاب شي بشأن "الرخاء المشترك" نابعٌ من قلقٍ حقيقي من أن النماذج الاقتصادية السابقة قد خلقت نمواً على حساب عدم المساواة.
وقالت: "يخشى مسؤولو الحزب أيضاً من أن عمالقة التكنولوجيا تقع خارج نطاق السيطرة وتحتاج إلى كبح جماحها. وبعد ذلك، يجب علينا إضافة تصميم شي على الترشُّح في العام المقبل لولايةٍ ثالثة، بحيث تسمح التغييرات في الدستور أولاً".