تتطلع السعودية إلى الحصول على دور جديد لها في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد، وقد تلجأ إلى باكستان لمساعدتها في ذلك، لا سيما بعد أن ظهر الخصم السابق للمملكة- دولة قطر- كطرفٍ رئيسي في صناعة القرار السياسي في الدولة التي مزقتها الحرب. فكيف تسعى الرياض لذلك؟
اجتماعات سعودية مع قادة طالبان
بحسب معلومات نشرها موقع Intelligence Online، المعني بشؤون الاستخبارات، فقد كلف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل باستئناف الاتصالات مع قادة طالبان الذين سبق له التعامل معهم منذ أكثر من عقدين.
يُذكر أن تركي الفيصل الذي يبلغ من العمر الآن 76 عاماً خدمَ رئيساً لأجهزة الاستخبارات السعودية بين عامي 1979 و2001، وكان أحد المشاركين في حشد الدعم العربي للجهاد الأفغاني وتنسيق المقاومة مع المجاهدين الأفغان خلال الغزو السوفييتي للبلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وفقاً لموقع Intelligence Online، فقد اجتمع فيصل مؤخراً مع الملا يعقوب، نجل مؤسس طالبان الملا عمر، وعقد أيضاً اجتماعات مع المسؤول البارز في طالبان، الملا عبد الغني برادر، في قطر.
في الأيام التي أعقبت سيطرة طالبان على السلطة، أشادت الولايات المتحدة بقطر- الدولة التي تشهد علاقتها بالسعودية فتوراً في السنوات الأخيرة- لدورها في إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص من مطار كابول بالتنسيق مع طالبان.
كانت الدولة الخليجية الصغيرة سمحت في السابق لحركة طالبان بفتحِ مكتب لها في الدوحة في عام 2013، بدعمٍ من الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، ويقال إن لها نفوذاً كبيراً على الحركة.
باكستان حلقة الوصل بين السعودية وطالبان
من جهة أخرى، قال خبراء لموقع Middle East Eye البريطاني، إنه وإن كان الاعتقاد القائم أن العلاقات المباشرة بين السعودية وطالبان محدودة حالياً، فإن السعودية قد تستخدم حليفتها الإقليمية باكستان لتعزيز علاقاتها بالحركة واكتساب نفوذٍ لها على الحركة.
وقال جيرالد فيرستين، وهو سفير أمريكي متقاعد وخبير بـ"معهد الشرق الأوسط"، لموقع MEE: "هناك الآن، كما كان دائماً، تواصل وثيق بين إسلام أباد والرياض. وأتوقع أن مزيداً من المناقشات ستُجرى".
ومع أن العلاقات بين السعودية والمملكة شهدت توترات مؤخراً بسبب اختلافات في السياسة الخارجية، فإن هناك شواهد على أن العلاقة في تحسنٍ بعد زيادة النشاط الدبلوماسي بين البلدين.
ففي يوليو/تموز الماضي، في الشهر ذاته الذي انسحبت فيه القوات الأمريكية خفيةً من قاعدة باغرام الجوية، توجه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في زيارة إلى باكستان. وفي أغسطس/آب، عُقد لقاء بين رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السعودي، فياض بن حامد الرويلي، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان.
ويشيع اعتقاد على نطاق واسع بأن جهاز الاستخبارات الباكستاني (ISI) يقدم دعماً سرياً لحركة طالبان. كما ذكرت وكالة Reuters يوم الثلاثاء 31 أغسطس/آب أن باكستان تعتزم إرسال مسؤولين استخباراتيين وعسكريين إلى كابول لإعادة تنظيم الجيش الأفغاني الجديد تحت حكم طالبان.
انحسار التأثير وتراجع الأهمية
مع ذلك، فإن بعض الخبراء حذَّروا من أن نفوذ باكستان على طالبان، مثله مثل نفوذ السعودية، قد انحسر في السنوات الأخيرة، ولا سيما مع بروز قطر وتركيا كطرفين رئيسين.
وهو ما يشير إليه عارف رفيق، رئيس شركة Vizier Consulting للاستشارات السياسية، الذي قال لموقع MEE: "ما يمكن للسعوديين الحصول عليه عن طريق الباكستانيين يتضاءل، فباكستان لم يعد لديها نفس الحظوة التي كانت لها مع طالبان".
وأضاف رفيق أن "طالبان طورت علاقاتها مع دول أخرى في المنطقة. وبات لديهم ارتباطات عالمية أكثر من ذي قبل. أما السعوديون، فهم لم يعودوا بنفس الأهمية التي كانوا عليها سابقاً".
كانت السعودية أغلقت سفارتها في أفغانستان مع سيطرة طالبان على العاصمة كابول، وظلت الرياض منذ ذلك الحين صامتة عن التعليق بشأن الأحداث الجارية هناك.
يرجِّح فيرستين أن تظل كل من الرياض وإسلام أباد على الهامش في الوقت الحالي، ويقول إن "السعوديين ينتظرون ليروا ما ستفعله الولايات المتحدة، وأعتقد أنهم مرتبكون مثل أي أحد آخر بشأن ما سيحدث بعد ذلك".
علاقات إيرانية أوثق مع طالبان من تلك السعودية
ومن المفارقات الأخرى التي تشير إلى تبدل الأحوال، فإن دولاً مثل إيران وروسيا والصين- وهي دول لطالما كانت لها عداوات متفاوتة مع طالبان- هي التي أبقت على حضور دبلوماسي لها في أفغانستان. وقد أوفت الصين بتعهداتها السابقة بتقديم دعم اقتصادي للحركة واستأنفت إيران بيع الوقود إلى كابول.
وقال رفيق: "يُحتمل أن يكون للإيرانيين علاقات أوثق بطالبان من علاقات الأخيرة بالسعودية الآن".
من جهة أخرى، قال ثيودور كاراسيك، كبير مستشاري شركة Gulf State Analytics، لموقع MEE: "في الوقت الحالي، فإن الاحتمال الأكبر أن ينصبّ تركيز السعودية على إفريقيا والشرق الأوسط عموماً أكثر من تركيزهم على تداعيات الوضع في أفغانستان".
ويستبعد كاراسيك أن تكون أفغانستان ساحة تنافس بين طهران والرياض، لا سيما أنهما تخوضان حالياً محادثات تهدف إلى تهدئة التوترات، "فالبلدان يحاولان التوصل إلى مصالحة ومن غير المرجح أن تصبح أفغانستان مسرحاً لصراعٍ بالوكالة بينهما".
"آخر شيء يريدونه حالياً هو أن يكون لهم ارتباط بطالبان"
كانت السعودية واحدة من ثلاث دول، إلى جانب الإمارات وباكستان، اعترفت رسمياً بحكم طالبان عندما سيطرت الحركة على أفغانستان بين عامي 1996 و2001.
لكن الرياض قطعت علاقاتها بالحركة رسمياً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، منذ ما يقرب من عشرين عاماً.
لطالما اتُّهمت المملكة بدعم المتطرفين، لكن الرياض سعت في السنوات الأخيرة إلى تغيير صورتها العامة، لا سيما في الداخل، حيث تتطلع إلى تجاوز اعتمادها المفرط على عوائد النفط؛ عن طريق تنويع اقتصادها واستقطاب الاستثمار الأجنبي.
وبناء على ذلك، يربط كاراسيك موقف السعودية الحالي من طالبان بهذه العوامل، قائلاً: إن "السعوديين ما زالوا في مشكلة مع الغرب بشأن قضايا حقوق الإنسان. ومن ثم، فإن آخر شيء يريدونه حالياً هو أن يكون لهم ارتباط بطالبان، خاصة مع اقتراب ذكرى 11 سبتمبر/أيلول".