منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد تمديد "التدابير الاستثنائية" بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، تواترت مواقف الأحزاب التونسية بين الاستنكار والرفض، ومطالبات بخارطة طريق عاجلة وانتخابات مبكرة.
وفي 25 يوليو/تموز الماضي جمّد سعيّد البرلمان لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن النواب، وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي ومسؤولين وعيّن آخرين. وفي 23 أغسطس/آب المنصرم أعلن الرئيس التونسي "التمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة إلى إشعار آخر".
غموض مقلق لا يزال يلف المشهد التونسي
وفي أحدث تصريحات مثيرة للجدل للرئيس التونسي، وتعمّق من ضبابية المشهد في البلاد، اتهم سعيد، الأربعاء 1 سبتمبر/أيلول 2021، أطرافاً في الداخل، لم يحددها، "بشراء مرتزقة من الخارج لتقويض حكمه"، على حد تعبيره. وسبق هذه التصريحات اتهامات من سعيد لأطراف بـ"محاولة اغتياله"، قبل أسبوعين، قائلاً إن هذه الأطراف "ذات ميول إسلامية"، بحسب وصفه.
من جهتها، وعلى لسان زعيمها راشد الغنوشي، أعربت حركة "النهضة" (53 نائباً في البرلمان من أصل 217)، عن "مدى انشغالها العميق بالغموض الذي يكتنف مستقبل البلاد"، بعد التمديد إلى أجل غير مسمى.
وقالت في بيان موقع من الغنوشي في 23 أغسطس/آب، إن التمديد "يلغي مراقبة البرلمان الذي يمنح الدستور لرئيسه أو 30 من أعضائه حق طلب إنهاء الإجراءات الاستثنائية".
وجدّدت الحركة دعوتها إلى "استئناف المسار الديمقراطي، المُعطّل منذ 25 يوليو 2021 والعودة السريعة إلى السير العادي لمؤسسات الدولة كما ينص على ذلك الفصل 80 من الدستور، واعتماد الحوار سبيلاً وحيداً لحلّ مختلف المشاكل".
وجددت "تمسّكها بموقفها المبدئي الذي يعتبر تعليق اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن النواب خرقاً جسيماً للدستور، ومخالفة صريحة لمقتضيات الفصل 80 منه في التنصيص على إبقاء البرلمان في حالة انعقاد دائم".
قلق من شرعنة تجميع السلطات بيد قيس سعيّد
من جانبه، عبر حزب "التيار الديمقراطي" (22 مقعداً)، عن قلقه من "تجميع السلطات بيد سعيد دون أفق زمني واضح".
وقال في بيان أصدره في 28 أغسطس، إن على الرئيس "تعيين رئيس حكومة مع الحرص على الكفاءة ونظافة اليد، وبالإفصاح عن برنامج واضح وعاجل لمجابهة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والمالية والشروع في الإصلاحات الضرورية".
وعبّر "التيار" عن القلق مما صاحب إجراءات الرئيس من "ضبابية سياسية ودعوات لا مسؤولة لتعليق الدستور وتأخر غير مبرر في تعيين الحكومة وسد الشغور في عديد الوزارات".
وفي 25 أغسطس، أعلن حزب "ائتلاف الكرامة" (18 مقعداً) عن رفضه لكل القرارات الرئاسية التي أعقبت ما وصفه بـ"انقلاب 25 يوليو وأدخلت البلاد في المجهول".
وندّد "بمواصلة تجميد عمل السلطة التشريعيّة ورفع الحصانة عن النواب"، معتبراً أن ذلك يمثل "خرقاً جسيماً للدستور واستهداف عدد من نوابه بمحاكمة عسكرية في ملف سبق وأن تعهد به القضاء العدلي منذ مارس/آذار الماضي".
وأدان "الائتلاف" ما اعتبرها "أشكال التضييق على الحريّات العامّة والعقوبات الجماعيّة التي استهدفت وتستهدف السياسيّين ونواب الشعب والقضاة والمحامين ورجال الأعمال وأصحاب الرأي وحرمان المواطنين من حقوقهم المدنية التي جاءت بها ثورة الحرية والكرامة عام 2011 (في إشارة إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)".
بدوره، اعتبر حزب "العمال" (يساري/ لا نواب له) في بيان يوم 25 أغسطس، أن تمديد التدابير الاستثنائية لمدة غير معلومة "يمثل حلقة من حلقات المسار الانقلابي الذي فتحه سعيد يوم 25 يوليو لتحييد خصومه في منظومة الحكم والاستيلاء على كافة السلطات".
ورأى أن هذا التمديد "يسمح لسعيد بمواصلة احتكار كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية دون الخضوع لأية رقابة، واستكمال انقلابه على الدستور ولو كان ذلك عبر سياسة الخطوة خطوة.. تمهيداً لتنفيذ مشروعه الشعبوي القائم على الحكم الفردي والاستبداد".
واستنكر "العمال" في بيانه "مواصلة سعيد تعمّد الغموض في كل ما يتعلق بالخطوات التي سيقطعها مستقبلاً".
خارطة طريق عاجلة وانتخابات مبكرة
في المقابل دعت أحزاب أخرى لم تُبد رفضاً لتمديد "الإجراءات الاستثنائية"، إلى التعجيل بتشكيل حكومة جديدة وخارطة طريق توضح الرؤية السياسية للمرحلة المقبلة.
وفي هذا الصدد شدد حزب "آفاق تونس" (ليبرالي/نائبان) على ضرورة أن "تهدف التدابير الاستثنائية إلى الإصلاح السياسي وتكريس مفهوم دولة القانون والمؤسسات واستئناف مسار الانتقال الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة".
ودعا سعيّد، في بيان يوم 23 أغسطس، إلى "الإسراع بتشكيل حكومة كفاءات مُصغّرة تتولى تنفيذ إصلاحات تشريعية واقتصادية كبرى، وتعمل على إيجاد الحلول اللازمة لعجز المالية العمومية ومجابهة الأزمة الوبائية وتداعياتها السلبية على مختلف القطاعات".
كما دعا "آفاق" إلى "صياغة رؤية سياسية شاملة وعملية للمرحلة المقبلة وتجاوز حالة الضبابية والأوضاع الاستثنائية في أقرب الأوقات".
بدورها أكدت حركة "مشروع تونس" (ليبرالية/3 مقاعد) في بيان يوم 25 أغسطس، أن "غياب برنامج عمل وطني معلن وشفاف محدّد الآجال والخطوات للخروج من المرحلة الاستثنائية إلى المرحلة غير الاستثنائية لن يؤدي إلى نتائج إيجابية".
وقالت إنها "سجلت إرادة الرئيس (سعيد) في تحسين مستوى عيش التونسيين بالتحكم في الأسعار والتخفيض منها"، معتبرة أن "الوصول لهذا الهدف يتطلب إضافة للإرادة سياسة اقتصادية واضحة تنفذها حكومة قوية كفؤة يجب الإعلان عنها وتركيزها في أقرب الآجال بعد تأخر غير مفهوم".
سعيد لم يفصح بعد عن رؤية واضحة لحل الأزمة
من جانبه أكد حزب "التكتل" (ليبرالي/ لا نواب له) أن "يوم 25 يوليو مثّل لحظة فارقة مكّنت من إيقاف نزيف الديمقراطية الفاسدة التي هيمنت على دواليب الدولة"، معتبراً أن "السيادة تبقى للشعب، وعليه يجب العودة إليه في أقرب وقت وتحديد موعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها".
ودعا "التكتل" في بيان يوم 25 أغسطس رئيس الجمهورية إلى "الإفصاح عن رؤيته للمرحلة القادمة حتى تتمكن تونس من صياغة خارطة طريق واضحة توحد الشعب وتتفادى الفراغ والضبابية الحالية".
من جهته، طالب الحزب "الجمهوري" (وسط/ لا نواب له) "بوضع حد لحالة الاستثناء التي تمر بها البلاد"، مشدداً على "أهمية الرجوع إلى الشعب صاحب السيادة في انتخابات عامة مبكرة بعد تعديل المجلة الانتخابية بما يضمن شفافية ونزاهة الانتخابات".
ودعا الحزب في بيان، سعيّد إلى "الإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تضع من ضمن أولوياتها المعالجة السريعة للأزمة الاقتصادية المستفحلة ولاختلال التوازنات المالية والقضاء على منظومة الفساد".
يذكر أن أحزاباً أخرى ممثلة بالبرلمان لم تعلن أي موقف رسمي من قرار "التمديد" حتى اللحظة، وهي أحزاب "قلب تونس" (28 مقعداً)، و"تحيا تونس" (10 مقاعد)، و"الدستوري الحر" (16 مقعداً)، وحركة الشعب (15 مقعداً) التي أعلنت في 25 يوليو مساندتها لقرارات سعيد.
وفي 25 يوليو الماضي قال سعيد إنه اتخذ القرارات الاستثنائية لـ"إنقاذ الدولة التونسية"، لكن غالبية الأحزاب رفضتها، واعتبرها البعض "انقلاباً وخروجاً على الدستور"، بينما أيدتها أخرى، معتبرة إياها "تصحيحاً للمسار".