بعدما أنفقت المليارات على حكومة غني.. ما وراء محاولات الهند لصنع علاقة مع طالبان حليفة باكستان؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/01 الساعة 12:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/01 الساعة 18:18 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الهندي مع الرئيس الأفغاني المخلوع أشرف غني 2016/ رويترز

 جاء إعلان الهند عن تواصلها مع حركة طالبان، بشكل رسمي لأول مرة، ليشكل نقلة نوعية في التطورات المحيطة بأفغانستان باعتبار أن الهند تعد أبرز داعمي الحكومة السابقة، وعلاقتها دوماً كانت شديدة التوتر مع طالبان.

وقالت وزارة الخارجية الهندية، الثلاثاء 31 أغسطس/آب 2021، إن سفير الهند في قطر أجرى محادثات مع قيادي كبير في طالبان، وذلك في أول تواصل رسمي منذ سيطرة الحركة على أفغانستان.

وزارة الخارجية الهندية قالت إن السفير ديباك ميتال التقى مع شير محمد عباس ستانيكزاي رئيس المكتب السياسي لطالبان في الدوحة بناء على طلب الحركة.

وأضافت وزارة الخارجية أن ميتال نقل أيضاً مخاوف نيودلهي من أن مسلحين مناهضين للهند قد يستخدمون الأراضي الأفغانية لشن هجمات، كما ناقش الجانبان سلامة الهنود الذين ما زالوا في أفغانستان.

وأنفقت الهند مليارات الدولارات في شكل استثمارات ومساعدات للحكومة الأفغانية، بما في ذلك مبنى البرلمان الأفغاني الذي بنته نيودلهي وذلك في إطار محاولتها لمحاصرة باكستان، ومنع وصول طالبان للسلطة في كابول.

الهند تأخرت في التواصل مع طالبان

وينظر إلى الهند كأكبر الخاسرين من الانسحاب الأمريكي ومن صعود طالبان، وهي من أبرز الداعمين السابقين لتحالف الشمال وشاه مسعود، كما كانت ثاني أهم داعم للحكومة السابقة، لدرجة أن الأخيرة طلبت تدخلاً هندياً عسكرياً مع بدء الانسحاب الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

ولكن الهند رفضت الفكرة، ولكن على عكس دول جوار أفغانستان، مثل الصين وروسيا، وإيران، التي بدأت تتواصل مع طالبان بشكل رسمي، فإن الهند ظلت تراهن على الحكومة السابقة إلى فترة قريبة.

وكان هناك جدل في الهند حول التواصل مع طالبان في وقت كانت تحتاج فيه للاعتراف الدولي. نقلت مجلة Foreign Policy عن عمار سينها، السفير الهندى السابق فى أفغانستان، أنه دعا إلى إجراء محادثات مع طالبان في سبتمبر/أيلول 2020، واستطرد قائلاً: "بمجرد أن جلس الجانبان، أي الحكومة الأفغانية وطالبان معاً، كان على الهند بالطبع التواصل معهم… يجب أن نتعامل معهم، كما نفعل مع أي فصيل آخر".

وفد طالبان خلال زيارته لإيران/رويترز

في عام 2018، زار سفيران هنديان سابقان روسيا كمراقبين في المنتدى الإقليمي لروسيا بشأن أفغانستان بحضور طالبان. ووفقاً للمصادر، تواصلت طالبان بعد ذلك مع الدبلوماسيين الهنود مباشرة وأبدت رغبتها في تحسين العلاقات.

واعترفت نيودلهي بعد تردد بفتح قناة حوار خلفية مع حركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة في يونيو/حزيران الماضي، وبحسب تقارير هندية، فإن ما دفعها إلى هذه الخطوة هو ضمان منع عودة المنظمات الكشميرية إلى أفغانستان، وحماية الاستثمارات الهندية بعد انسحاب القوات الأمريكية.

لكن التطورات السريعة لم تسعف الهند، ووقع ما كانت تخشاه بسقوط مروّع للحكومة التي عوّلت كثيراً على التحالف معها، وعاد كابوس أفغانستان الذي اجتاح الهند عدة مرات في التاريخ يطل عليها من بوابة طالبان.

والحركة كانت غاضبة منها

ولكن بعد أن حققت طالبان انتصارات في ميدان المعركة، تغيرت نبرة الحركة بشكل كبير وابتعدت عن محاولاتهم استرضاء الهند.

فقبل سيطرة طالبان على العاصمة كابول، وتحديداً في يوليو/تموز 2021، طالب سهيل شاهين، المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان الهند أولاً بإثبات حيادها في الصراع إذا كانت تريد التحدث مع طالبان. يقول: "لدينا علاقات سياسية مع روسيا وإيران والصين ليس لمدة عام أو عامين، ولكن لسنوات عدة. لقد زرناهم عدة مرات وأكدنا لهم أننا لن نسمح باستخدام الأراضي الأفغانية ضدهم. كانت الهند تقف إلى جانب حكومة كابول الموالية للأجانب. هم ليسوا معنا. إذا التزموا بسياستهم في دعم حكومة مفروضة على الأفغان، فيجب أن يقلقوا. هذه سياسة خاطئة لن تخدمهم".

وزعم شاهين أن الهند كانت تسلح الحكومة الأفغانية، وقال: "لدينا تقارير من قادتنا تفيد بأن الهند تقدم أسلحة للجانب الآخر". كيف يعقل أنهم يريدون التحدث إلى طالبان لكنهم عملياً يزودون كابول بالأسلحة والطائرات بدون طيار… هذا متناقض". قال محللون هنود إن الحكومة الهندية كانت حذرة للغاية في مساهماتها العسكرية للحكومة الأفغانية وأنه من السابق لأوانه أن تساعد الهند أي متطوعين أو ميليشيات تدعمها.

مع دخول طالبان إلى كابول في 15 أغسطس/آب، ورد أنهم اتصلوا بالمسؤولين الهنود، قائلين إنهم سيضمنون سلامة الدبلوماسيين الهنود إذا أبقوا سفارتهم مفتوحة في كابول. 

ووفقاً لصحيفة هندوستان تايمز، فإن المسؤولين الهنود يزِنون عرض طالبان، لكنهم تلقوا بعد ذلك معلومات استخبارية أعطتهم وقفة: أن مسلحين متمركزين في باكستان ربما دخلوا كابول مع طالبان، ولذا في 17 أغسطس/آب 2021، أجلت الهند دبلوماسييها المقيمين في كابول وأغلقت سفارتها. وقد أغلقت بالفعل قنصلياتها في مدن أفغانية أخرى.

أسباب تخوف الهند من سيطرة طالبان على أفغانستان

لديها مشروعات ضخمة هناك

بالإضافة إلى دورها في بناء البنية التحتية الأفغانية، ساعدت الهند في تنظيم طرق التجارة إلى أفغانستان – ومن خلالها إلى بلدان في آسيا الوسطى. وحصلت على إعفاءات من العقوبات الأمريكية لبناء ميناء تشابهار في إيران بتكلفة 8 مليارات دولار، على أمل أن يكون طريقاً تجارياً رئيسياً لأفغانستان يتجاوز باكستان، حسبما ورد في تقرير لموقع NBR الأمريكي.

كانت الهند أيضاً جزءاً من كونسورتيوم يخطط لشبكة سكة حديد بطول 4400 ميل تربط أفغانستان بأوروبا.

الآن هذه المشاريع تواجه مستقبلاً غير مؤكد.

تبدَّد حلم صياغة جنوب آسيا وفقاً للرؤية الهندية

لطالما كانت لدى الهند مخاوف حيال طالبان بسبب علاقاتها الوثيقة مع خصمها باكستان، ولكن ليس هذا فقط السبب فهناك علاقة وثيقة تاريخية بين كشمير وأفغانستان، لدرجة أن التعاطف من قِبل البوشتون مع كشمير كان سبباً لاستمرار الأقاليم البشتونية ضمن باكستان.

بهيمنة حركة طالبان على المشهد الأفغاني، تبدد حلم نيودلهي بصياغة واقع جديد في جنوب آسيا. فوفق ما أفصح عنه ساسة ومحللون سياسيون هنود، فإن الحصيلة "صفر كبير" بعد إنفاق نحو 8 مليارات دولار في أفغانستان مجاراة للتدخل الأمريكي ودعماً لحلفاء المحليين، لتكون بذلك الهند أكبر الخاسرين في المشهد الأفغاني الجديد، وذلك على عدة أصعدة وفي مواجهة منافسيها الأساسيين في المنطقة باكستان والصين.

نمو التأثير الصيني

تتزايد مخاوف الهند بشأن نفوذ الصين في أفغانستان.

تعمل الصين على بناء شبكة بنية تحتية عالمية عملاقة بما في ذلك الطرق وخطوط الأنابيب ومحطات الطاقة والموانئ، تسمى مبادرة الحزام والطريق. الهند ليست جزءاً منها. لكن باكستان كذلك، ويمكن أن تكون أفغانستان قريباً أيضاً جزءاً منها.

يقول جاكوب: "إن صعود النفوذ الصيني في أفغانستان سيعني محوراً بقيادة الصين في المنطقة بأكملها – باستثناء الهند بالطبع". "هذا سيعزز نوعاً من المخاوف في الهند من أن هناك تطويقاً صينياً حقيقياً يحدث لها".

ويقول محللون إنه من المحتمل جداً أن يعني ذلك فقدان القوة الاقتصادية الهندية والنفوذ في منطقة تهيمن عليها بشكل متزايد الصين. 

عدوى الانتصار قد تنتقل لكشمير

ما تتحسب له القيادة الهندية هو إسقاطات مشهد انهيار حلفائها في كابول على الوضع في كشمير، الإقليم ذي الغالبية المسلمة الساحقة، والمتنازع عليه مع باكستان، وتكرار انتفاضة كشمير بعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان.

إذ حاول الكشميريون تقمص تجربتي الجهاد الأفغاني الذي أشعلت شرارته عام 1979، ومن بعده الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987، حسبما ورد في تقرير للجزيرة.نت.

الهند
القوات الهندية في كشمير/رويترز

وقد حذر القنصل العام الهندي السابق في كراتشي راجيف دوغرا من انتقال دومينو طالبان إلى كشمير، وقال في كتاب سماه "الطريق الدامي" إن الأوضاع في كشمير يمكن أن تتدهور إلى حد لا يمكن تصوره، واستشهد برد رئيس حكومة طالبان السابقة الملا محمد رباني على طلب رئيس المخابرات العسكرية الباكستانية تزويده بـ10 آلاف إلى 15 ألف مقاتل من طالبان لدعم الفصائل الكشميرية، فكان ردّ رباني باستعداده تقديم 100 ألف مقاتل.

يقول دبلوماسيون ومحللون إن الهند تخشى أن يقوم مسلحون من جارتها وخصمها اللدود، باكستان، بتوسيع قواعد التدريب في أفغانستان.

وها هي نيودلهي تغازل الكشميريين

وبعد أن ألغت نيودلهي الوضع الخاص بولاية جامو وكشمير بتعديلات دستورية أجرتها في 5 أغسطس/آب 2019، سعياً وراء حسم النزاع المزمن حول الإقليم، عادت في يونيو/حزيران الماضي لتبدأ حواراً مفاجئاً وعلى أعلى مستوى مع قادة كشميريين، للبحث عن سبل إنهاء الاحتقان في كشمير، واستقبل خلاله رئيس الوزراء ناريندرا مودي قادة 14 فصيلاً كشميرياً، منها 4 ترفض الاعتراف بتبعية الإقليم للهند وتطالب بالانفصال.

حاول المحاورون الهنود مقايضة التخلي عن الحكم المركزي المباشر التي تفرضه الحكومة الهندية على الإقليم منذ عامين، وإجراء انتخابات للمجلس التشريعي الكشميري، وإعادة الحياة السياسية للولاية، مقابل تعاون القيادات الكشميرية في استتباب الأوضاع، ومنع خروجها عن السيطرة، وهو ما اعتبر تراجعاً كبيراً لسياسة مودي المتشددة وقبضته الحديدية في كشمير.

الصراع الهندي الباكستاني جعل من قضيتي أفغانستان وكشمير متلازمتين

مما يعزز القلق الهندي من تطورات أفغانستان هو تلازم قضيتي أفغانستان وكشمير منذ استقلال الهند وباكستان عن التاج البريطاني، حيث كانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي رفضت اعتراف الأمم المتحدة بباكستان عام 1947، احتجاجاً على ادعاء اقتطاع باكستان قسماً من أراضيها في إقليمي بلوشستان والحدود الشمالية الغربية، والذي غُيّر اسمه لاحقاً إلى خيبر بختونخواه، حسب تقرير الجزيرة.نت.

لكن ما إن اندلعت الحرب الباكستانية الهندية الأولى عام 1948 حتى هبّ رجال قبائل البشتون (البتان) لنصرة الكشميريين الرافضين لضمّ الإقليم للهند، ولم يتوقف تقدم الكشميريين والبتان على حساب القوات الهندية إلا بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بإجراء استفتاء يحدد مصير الإقليم.

وأملاً في وضع باكستان بين فكي كماشة، تبنت الهند منذ خمسينيات القرن الماضي سياسة تعزيز العلاقة مع جار الجار، ووجدت في تدخل الاتحاد السوفييتي في أفغانستان فرصة تاريخية لإجبار باكستان على التنازل عن موقفها المطالب بمنح الشعب الكشميري حق تقرير المصير.

وعقب هزيمة القوات السوفييتية عام 1989 على أيدي قوات المجاهدين، اندلعت انتفاضة كشميرية عارمة استمرت سنوات، وبدت محاولة لاستنساخ التجربة الأفغانية. وفي نهاية عام 1999، اضطرت الهند للدخول في حوار مع حركة طالبان لإنهاء أزمة الطائرة الهندية التي خطفها مسلحون كشميريون في الأجواء الهندية وحولوها إلى مطار قندهار، وكانت نتيجة الصفقة التي رعتها طالبان السماح للخاطفين الكشميريين بالمغادرة بسلام مقابل الإفراج عن الطائرة الهندية والركاب.

عُمق استراتيجي وعسكري لباكستان

ولا شك أن سيطرة سلطة صديقة لباكستان على أفغانستان مثل طالبان في حقبتها الأولى أعطاها عمقاً استراتيجياً في مواجهة الهند، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنزاع حول كشمير وإدارة السلاح النووي والصاروخي، ومن هنا يأتي الربط في الأمن الإقليمي بين القضيتين. 

ومع عودة طالبان إلى السلطة في أعقاب هزيمتين لحليفين متعاقبين للهند (الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة)، تعود متلازمة أفغانستان وكشمير لتثير انتباه القوى الدولية التي لم تتمكن من إيجاد حل سلمي لكشمير أو توافق دولي في أفغانستان، حسب موقع الجزيرة نت.

ولكن اللافت ليس فقط، هو سعي الهند للتواصل مع طالبان، ولكن توجه الحركة للتوجه نفسه، بعد أن كانت تنتقد نيودلهي لاستمرار دعمها لحكومة أشرف غني، وهو الأمر الذي يشير إلى التوجه البراغماتي للحركة الذي وصل حد الرغبة في فتح قناة للتفاوض مع الهند التي تحظى بمكانة شديدة السلبية للحركات الجهادية في المنطقة، وهذا يشير إلى عمق التغييرات التي جرت لدى الحركة، وجود رغبة لديها في النأي بأفغانستان عن صراعات المنطقة.

تحميل المزيد