خطة إسرائيلية تستهدف إيران من خلال أساليب مماثلة لما جرى مع الاتحاد السوفييتي كانت محوراً للقاء بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، والذي عقد الجمعة 2 أغسطس/آب 2021 كان لقاء ودوداً، حسب وسائل الإعلام الأمريكية.
فحين كان بنيامين نتنياهو يلتقي أحد رؤساء الولايات المتحدة، كان التوتر يُغطي الأجواء دائماً. وسواءً كان السبب هو العلاقة الحانقة بين نتنياهو وباراك أوباما، أو مهرجان الحب الذي أثار حفيظة الديمقراطيين بينه وبين دونالد ترامب؛ لطالما كانت هناك مشاعر بعدم الارتياح في البيت الأبيض عند زيارته، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت كان عازماً على الحديث بنبرةٍ مختلفة تماماً في لقائه الأول بالرئيس جو بايدن يوم الجمعة 27 أغسطس/آب. إذ كان يهدف إلى رأب الصدع الذي سبّبه نتنياهو بين إسرائيل والحزب الديمقراطي، مع تجنّب الرضوخ أمام بايدن في مواضيع السياسات موطن الخلاف بينهما، وأهمها الاتفاق النووي الإيراني وإمكانية إقامة دولة فلسطينية. وقد أصاب نجاحاً غير مشروط في مساعيه.
اللقاء حقق مكاسب لبايدن على حساب فلسطين
وبالنسبة لبايدن، فقد كان هذا الاجتماع فرصةً لتحقيق مكسبٍ سياسي مزدوج لدى الحزبين، وهي الحاجة التي ازدادت أهميتها بعد التفجير الانتحاري المروع الذي ضرب مطار كابول. لذا كان بحاجةٍ إلى إعادة بناء العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية مع التمسّك بالسياسات الأمريكية التقليدية التي كانت قائمةً -بغض النظر عن الأحزاب- قبل فترة ترامب.
وقد حصل كلٌّ منهما على مراده، حسب الموقع الأمريكي.
إذ خرج بينيت بانتصار واضح. وتجنّب أي نقاش يتعلق بالفلسطينيين، كما نقل لبايدن بوضوح واحترام أنّ إسرائيل تعارض عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
خطة إسرائيلية تستهدف إيران
وعلاوةً على ذلك، فقد حصل بينيت على تصريحٍ علني من بايدن بأنّه جاهزٌ لاستكشاف "خيارات أخرى" في حال فشلت الدبلوماسية أن تضمن عدم حيازة إيران لأسلحةٍ نووية. وهذه هي "الخطة ب" التي كان بينيت وحكومته يدعون لها علناً، وقد حصل على مراده فيها.
إذ قدّم بينيت لبايدن خطةً متعددة الجوانب لمواجهة إيران عسكرياً، واقتصادياً، ودبلوماسياً. وبدا أن بايدن تقبّل الفكرة. حيث من المفترض أن خطة بينيت، "الموت بألف طعنة"، ستُوفّر ميزة تجنّب الجميع وقوع حدثٍ دراماتيكي منفرد يُشعل صراعاً أكبر في منطقة الخليج.
وأخبر بينيت بايدن أنه يعارض العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 وأن فاعلية الاتفاق قد تلاشت بسبب شروط الغروب التي تلوح في الأفق والتقدم النووي الإيراني. وقال المسؤولون إن بايدن لا يبدو متفائلاً بشأن احتمال عودة إيران إلى الامتثال للاتفاق، حسبما ورد في تقرير لموقع Axios الأمريكي.
كان بينيت سعيداً جداً بأمرين قالهما بايدن في تصريحاته للصحافة خلال لقائهما، حسب الموقع الأمريكي.
أولاً: توسع بايدن في تصريحاته السابقة بأن إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً في عهده وقال إنه ملتزم بعدم حيازة إيران أبداً لسلاح نووي.
ثانياً، قال بايدن إنه إذا فشلت الدبلوماسية مع إيران، فهو مستعد لاستكشاف خيارات أخرى – مردداً دعوات بينيت لـ"الخطة ب".
وقال بايدن: "نحن نضع الدبلوماسية في المقام الأول وسنرى إلى أين يأخذنا ذلك. ولكن إذا فشلت الدبلوماسية، فنحن مستعدون للانتقال إلى خيارات أخرى"، دون الإدلاء بتفاصيل إضافية، ويعتبر بينيت أنه نجح في التأكد من أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بأن تطور سلاحاً نووياً بأي حال من الأحوال.
وذكرت صحيفة جيروزاليم بوست نقلاً عن مصادر دبلوماسية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قدم للرئيس الأمريكي جو بايدن ما وصفه مسؤولون في تل أبيب باستراتيجية "الموت بألف طعنة" ضد إيران.
وقال التقرير إن الدبلوماسيين قارنوا الاستراتيجية بالحرب الباردة، بأن "إسرائيل تلعب دور الولايات المتحدة وإيران هي الاتحاد السوفييتي".
وأضاف التقرير: "لقد بدأت إسرائيل بالفعل في هذا السياق، لذا فهي لا تحتاج إلى موافقة بايدن، في حد ذاتها، لكنها ترغب بشدة في تعاونها ودعمها".
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن الاستراتيجية التي قدمها بينيت إلى بايدن تتضمن مواجهة إيران؛ من خلال مجموعة من الإجراءات الصغيرة عبر عدة جبهات- عسكرية ودبلوماسية- بدلاً من توجيه ضربة واحدة دراماتيكية.
أخبر بينيت بايدن أن الولايات المتحدة وإسرائيل بحاجة إلى وضع ما وصفه بـ"العدوان الإقليمي الإيراني" مرة أخرى في الصندوق، بالإضافة إلى برنامجها النووي.
ولهذه الغاية، طلب من بايدن عدم سحب القوات الأمريكية من العراق وسوريا. شعر الوفد الإسرائيلي بـ"التفاؤل" حيال موقف بايدن من هذه الجبهة.
بايدن يتجاهل القضية الفلسطينية
ويجب أن يكون بينيت سعيداً للغاية أيضاً بما حصل عليه، أو بما لم يحصل عليه لنكون أكثر دقة من بايدن على الصعيد الفلسطيني؛ حيث تجنّب الموضوع بشكلٍ كامل، ولم يُدلِ بايدن سوى ببعض التصريحات العامة حول الحاجة إلى تحسين أوضاع الشعب الفلسطيني.
أما خلف الغرف المغلقة، فقد أكّد بايدن على نية الولايات المتحدة إعادة فتح قنصليتها في القدس لتكون نقطة اتصال دبلوماسي مع السلطة الفلسطينية، كما شدّد على معارضته لإجلاء الفلسطينيين الذين يعيشون في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية. وربما سيرى البعض في إسرائيل شيئاً من التنازل هنا، لكن بينيت يُدرك على الأرجح أنّ إعادة فتح القنصلية أكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل في الوقت الحالي.
بينما نجد أنّ الفلسطينيين كانوا الخاسر الأكبر في هذا الاجتماع، حسب موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وربما أدلى بايدن بتعليقات معتادة عن "حلّ الدولتين"، لكن يبدو من الواضح أنّه ليس مهتماً كثيراً بالضغط من أجل تحقيق أي نوع من عمليات السلام. وبالتالي لم تخطر مسألة حرية الفلسطينيين على البالي خلال هذا الاجتماع، رغم التهديد بجولةٍ جديدة من الدمار في قطاع غزة وإطلاق الصواريخ على إسرائيل.
وتتوافق براغماتية بينيت بشكلٍ مثالي مع بايدن، الذي يرغب في تجنّب أي مواجهات سياسية مع أنصار إسرائيل في الكونغرس، وخاصةً من ينتمون إلى حزبه. ومع الطريق الصعب الذي يسبق الانتخابات النصفية عام 2022، لا يريد بايدن أن يمنح قوى الضغط المؤيدة لإسرائيل سبباً للهجوم على المرشحين الديمقراطيين. كما لا يُريد إشعال الجدل حول سياسة الولايات المتحدة في المنطقة من جديد بين الديمقراطيين، كما كان يحدث خلال السنوات القليلة الماضية.
ويُعتبر هذا الاجتماع بمثابة نكسة بارزة للفلسطينيين الذين كانوا يتوسمون الخير في الجناح التقدمي من الحزب الديمقراطي ليفتحوا النقاش السياسي أخيراً حول إسرائيل. وقد ارتفعت تلك الآمال كثيراً خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة حين طرح المرشحون الديمقراطيون فكرة "ربط" المعونة العسكرية الأمريكية لإسرائيل بسجلها في حقوق الإنسان، وهو النهج المتبع مع دول أخرى تحصل على المعونة الأمريكية، بحسب المنصوص عليه في القانون الأمريكي.
لماذا ينأى بايدن بنفسه عن القضية الفلسطينية؟
ومن الواضح أن بايدن يخشى التطرق إلى القضية الفلسطينية. كما أنّ له تاريخه السابق كمؤيدٍ لإسرائيل، فضلاً عن أن تجربته كنائبٍ للرئيس باراك أوباما قد علّمته بالتأكيد أنّه لن يكسب الكثير بالضغط على إسرائيل لقبول حلٍّ فرص نجاحه منخفضة.
وقد خرج بايدن من الاجتماع ببعض المكاسب، لكنها لا تُضاهي مكاسب بينيت بالطبع. حيث حصل على جلسة تصوير إيجابية ودافئة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد في أجواءٍ يسودها الود، وهو الأمر الذي سيُسعد أبناء معسكره في الحزب الديمقراطي، ولن يستطيع الجمهوريون مهاجمته.
حيث سلّط بايدن الضوء على تاريخه في تأييد إسرائيل خلال تصريحاته بعد الاجتماع مع بينيت، كما أعلن التزامه بالدفاع عن إسرائيل وتجديد مخزون صواريخ القبة الحديدية. وقد ساد التناغم بين بايدن وبينيت، ولم يواجها مشكلةً في إدارة الخلافات السياسية بينهما. وقد أوفى بينيت بوعده ولم يُحاول الانتقاص من عزم بايدن على إيجاد حلٍّ دبلوماسي مع إيران. أما بايدن من جانبه، فلم يتطرق إلى قضية فلسطين، وأدلى بتصريحات واضحة عن ضمان أمن إسرائيل.
وخرج الرجلان بانتصارات سياسية ولكن على حساب اللهجة الأكثر تشدداً مع إيران، مع تجاهل قضية الفلسطينيين، في نكسةٍ للقوى التقدمية التي تدعو إلى السلام وتجنب الصراعات.