تخشى بعض الحكومات الإفريقية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، أن يكون مصيرها كمصير حكومة أشرف غني بأفغانستان، وأن تفقد في النهاية دعم حلفائها الغربيين، كما يقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
وعلى أثر ذلك، كتب الرئيس النيجيري محمد بخاري، مقال رأيٍ في صحيفة Financial Times البريطانية، دعا فيه إلى "شراكةٍ شاملة" مع إدارة الرئيس جو بايدن، مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد 20 عاماً.
وقال بخاري في مقاله المنشور الأحد 15 أغسطس/آب 2021: "بصفتنا أفارقة، فإننا نواجه حالةً من إعادة الحسابات بينما يشعر البعض بأن الغرب يفقد إرادته للقتال. بعض حلفائنا الغربيين أُصيبوا بصدماتٍ في أثناء تجاربهم بالشرق الأوسط وأفغانستان. ويواجه آخرون ضغوطاً محلية في أعقاب الجائحة. لم تكن إفريقيا آنذاك ضمن أولوياتهم، وهي أقل الآن".
الفشل الأمني لحلفاء واشنطن في إفريقيا
تأتي تصوُّرات "الشراكة" التي يعرضها بخاري في شكل استثماراتٍ أجنبية مباشرة، ودعمٍ تكنولوجي واستخباراتي للجيوش الإفريقية، مشيداً بالضربات الجوية الأمريكية ضد "حركة الشباب الصومالية"، باعتبار أن هذه الضربة هي "ما يمكن وما ينبغي فعله".
يمدُّ بخاري يده في وقتٍ يواجه فيه انتقاداتٍ متزايدة بشأن الفشل المستمر لحكومته في إخماد التهديد الأمني من جماعة بوكو حرام، وكذلك بسبب نقص الاستثمار في الاقتصاد. ردَّ ضباط الأمن النيجيريون بالعنف، الذي أدَّى إلى مقتل 56 شخصاً في أكتوبر/تشرين الأول 2020، عندما واجهوا انتقاداتٍ من المتظاهرين ضد عنف الشرطة، ورغم محاولات الإصلاح، فإن الفجوة بين إدارة بخاري والأغلبية من الشباب النيجيري آخذة في الاتساع.
لم يكن هذا هو الهدف من مقال بخاري، الذي خاطب جمهوراً خارج البلاد، مشيراً إلى التهديد الإرهابي المحلي في نيجيريا، "بوكو حرام"، بعباراتٍ عامة ليس إلا. في المقابل، استخدم بخاري مقاله للدفاع عن قراره بناء خط قطار من نيجيريا إلى النيجر، وهو مشروعٌ استثماري بقيمة 2 مليار دولار تقريباً، قوبِلَ برفضٍ تام من النيجيريين، وأشار إليه بخاري كوسيلةٍ لهزيمة الإرهاب باعتباره "طريقاً واحداً سريعاً، سكة حديدية واحدة".
أما بخصوص استراتيجية الإرهابيين لتجنيد الشباب، فيبدو أنها مُحقة لكن من ناحيةٍ واحدة، ألا وهي أن الظروف السائدة في إفريقيا تجعل التمرُّد خياراً قائماً بالنسبة للعديد من الشباب الأفارقة، كما تقول فورين بوليسي.
وفي شمال نيجيريا الفقير، لم تواجه "بوكو حرام" وولاية غرب إفريقيا الإسلامية أيَّ مشكلةٍ في تجنيد أعضاء جدد. وبالمثل، في منطقة الساحل، أدَّى فشل الدولة في التركيز على التنمية خارج العاصمة والمدن التي ليست لها علاقة بالنخبة السياسية إلى فجوةٍ كبيرة، وقامت الجماعات المتمرِّدة بسدِّ هذه الفجوة من خلال توفير الخدمات الأساسية التي من شأنها أن تكون عادةً مَهمة حكومة فاعلة.
تطورات مُقلقة في القارة الإفريقية
يتجاهل بخاري المشكلة في الداخل إلى حدٍّ كبير، ويذكر موزمبيق باعتبارها أحدث مثالٍ على مواطئ القدم التي تكتسبها المنظمات الإرهابية في إفريقيا، لكنه يستشهد بمشروعات الغاز الطبيعي الكبيرة في البلاد كهدفٍ وليس سبباً. ومقاطعة كابلو ديلجادو الشرقية، مثل شمال نيجيريا، هي موقع تخلُّف مزمِن.
حين اكتُشِفَ الغاز الطبيعي في المنطقة، كان السكَّان يأملون أن يوفِّر هذا الاكتشاف فرص عملٍ لشباب المنطقة، ولكن في المقابل أثرى النخبةَ السياسية وخلق جيوباً للشركات العالمية، مع قليل من الاستثمار في المنطقة. وتتمرَّد الآن مجموعاتٌ متناثرة من الشباب المحرومين من حقوقهم، وأدَّى هذا التمرُّد إلى مقتل أكثر من 2600 شخص في أقل قليلاً من أربع سنوات.
ووفقاً لبعض التقارير، تعهَّدَت الجماعة الموزمبيقية بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو اتجاهٌ مُقلِق في القارة. ووصف تقريرٌ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 27 يوليو/تموز الماضي، استمرار تهديد الجماعة ونموها في إفريقيا بأنه "التطوُّر الأكثر لفتاً للانتباه" خلال فترةٍ بدا فيها أن نفوذ التنظيم في الشرق الأوسط آخذٌ في التضاؤل.
وفي غرب إفريقيا، أدَّى مقتل زعيم "بوكو حرام"، أبو بكر شياكو، الذي هرب من السلطات النيجيرية لسنواتٍ ولم يرِد ذكره في مقال بخاري، إلى تحفيز نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في الفناء الخلفي لبخاري. وذكر التقرير أن الجماعة في جنوب شرقي إفريقيا "تجتذب مجندين جدداً بوعود التوظيف". ولم يكتسب التنظيم موطئ قدم في الصومال، حيث تهيمن حركة الشباب الصومالية المرتبطة بـ"القاعدة" بالفعل، ولا في منطقة المغرب العربي، حيث تقاتل الجماعات المتمرِّدة المتنافسة للسيطرة على منطقة الساحل.
الانسحاب الغربي من إفريقيا
أما عن عمليات الانسحاب، فإن ذلك النوع من الانسحاب الغربي الذي أدَّى إلى سقوط كابول بدأ بالفعل في إفريقيا. في يوليو/تموز، بعد مواجهةٍ داخلية بسبب مخاوف من أن تصبح منطقة الساحل أفغانستان فرنسا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن خططٍ لسحب أكثر من ألفَي جندي من عملية برخان، التي نشرت 5100 جندي في جميع أنحاء بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد منذ عام 2014.
ومن المُرجَّح أن يجري الانسحاب ببطء، مع تحوُّل الاستراتيجية نحو الدعم الفني ومكافحة الإرهاب التي ميَّزَت مهمة الاتحاد الأوروبي في فرقة عمل تاكوبا. وكما هو الحال في أفغانستان، أخذت مشاريع التنمية الإنسانية المختلفة تكافح لتحقيق نجاحٍ وسط انعدام الأمن المستمر.
بدأ عدم الاستقرار في البروز بالفعل. انسحبت فرنسا من مالي بعد أن شهدت البلاد انقلابها الثاني في غضون عامٍ واحد، حيث شهدت توجه أنصار النظام العسكري للبلاد صوب روسيا. علاوة على أن القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، وهي قوة عسكرية متعدِّدة الجنسيات من الدول الخمس التي قاتلت إلى جانب عملية برخان، تُظهِر أيضاً علامات الانحلال. وأعلنت تشاد هذا الأسبوع، أنها ستسحب 600 جندي -نصف قوتها- لإعادة نشرهم لمحاربة تهديد المتمرِّدين المحليين الذي تنامى منذ وفاة الديكتاتور القديم وحليف فرنسا إدريس ديبي.
في غضون ذلك، تستمر الهجمات المتفرِّقة على المدنيين في جميع أنحاء منطقة الساحل بلا هوادة، مع إرهاق أمن الدولة. وفي الأسبوع الماضي فقط، قتل مسلحون متطرفون 80 شخصاً ببلدةٍ في بوركينا فاسو بالقرب من حدود مالي، وكان 59 من القتلى مدنيين.