عقب سيطرة حركة طالبان على كابول في الـ15 من أغسطس/آب 2021، توعد الحوثيون القوات السعودية والحكومة اليمنية الشرعية التي تدعمها بمصير مماثل، فهل يستطيع الحوثيون حقاً تكرار تجربة طالبان في اليمن والسيطرة على كل البلاد إذا انسحب السعوديون؟
وسارع مسؤولون حوثيون إلى التعليق على التقدم السريع لطالبان ضد الحكومة الأفغانية الذي انتهى بسقوط معظم أفغانستان والعاصمة كابول في غضون نحو أسبوع.
إذ ذكّر عبدالملك العجري، عضو وفد المفاوضات الحوثي، التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بمصير الولايات المتحدة في أفغانستان؛ حيث كتب على تويتر: "دول العدوان (التحالف الذي تقوده السعودية) أمام خيارين في اليمن، إما أن ترحل باتفاق كما فعلت أمريكا في أفغانستان، أو مكسورة الناموس كما في فيتنام".
وقد أظهرت تغريدة العجري رغبة الحوثيين في إنهاء الصراع باتفاق مع التحالف الذي تقوده السعودية، بنفس طريقة اتفاق الولايات المتحدة مع طالبان، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
هل يستطيع الحوثيون تكرار تجربة طالبان في اليمن؟
قال المحلل السياسي المقيم في صنعاء أبومحمد لموقع Al-Monitor الأمريكي إنّ الحوثيين يأملون في أن "تُعيد السعودية حساباتها بشأن التدخل، وتخرج بأقل الخسائر مع اتفاقٍ بين الحوثيين وبين التحالف، حتى يسهل على الحوثيين التحكم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة".
واستأنف أبومحمد حديثه بعد أن اشترط عدم الكشف عن هويته لأسبابٍ أمنية، قائلاً: "إنّ الانسحاب الأمريكي سيُعزّز موقف الحوثيين في المفاوضات، سواءً مع حكومة هادي أو مع التحالف الذي تقوده السعودية. كما أنّ سقوط كابول يُمثّل مصدر إلهامٍ للحوثيين، وحزب الله، وحركة حماس".
في المقابل، قال الصحفي أبوبكر المحضار، من محافظة شبوة الغنية بالنفط، للموقع الأمريكي إنه "ليست هناك مخاوف" في مناطق الحكومة اليمنية الشرعية من تخلي التحالف عنهم أو من هجمات الحوثيين؛ لأن قوات الحكومة نجحت في "طرد الحوثيين من عدن والضالع وشبوة وتعز ومأرب والجوف" عقب استيلائهم عليها عام 2015.
وغرّد المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام تعليقاً على سقوط كابول، فقال: "كل احتلال له نهاية طال الوقت أم قصر، وها هي أمريكا تحصد الفشل بعد 20 عاماً من احتلالها أفغانستان، فهل تعتبر دول العدوان من ذلك؟!".
ورداً على تغريدته، كتب المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي: "يستدعي محمد عبدالسلام نموذج طالبان ليبشر به وينذرنا فيه، وهو استدعاء القرين للقرين، فالاثنان يشبهان بعضهما بعضها. إن طالبان نظير الحوثي تماماً بفوارق ضئيلة".
أعمدة الدخان سبق أن خرجت من السفارة الأمريكية في صنعاء كما حدث في كابول
وقد سيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 2014، ووقعوا مع الأطراف المتحاربة الأخرى على اتفاق السلم والشراكة الوطنية برعاية الأمم المتحدة. كما تحالف الحوثيون مع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح حتى قتلوه في عام 2017.
وفي يناير/كانون الثاني عام 2015، اندلعت المواجهات في صنعاء بين الحوثيين وبين قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي. واستولى الحوثيون على قصر الرئاسة في الـ21 من يناير/كانون الثاني، ثم فرّ هادي من الإقامة الجبرية في فبراير/شباط ووصل السعودية في مارس/آذار 2015.
كما أن أعمدة الدخان التي تصاعدت من السفارة الأمريكية في كابول يوم 15 أغسطس/آب ونقلتها وسائل الإعلام العالمية- مع إحراق الدبلوماسيين لوثائق حساسة عقب استيلاء طالبان- قد تكرّرت بالفعل قرب السفارة الأمريكية في صنعاء عام 2015. حيث دمّرت البعثة الأمريكية الوثائق والأسلحة قبل انسحابها من صنعاء في الـ10 من فبراير/شباط عام 2015.
هل يهاجمون الجنوب اليمني؟
قال عهد ياسين، المواطن اليمني المنفي من عدن، للموقع الأمريكي إنّ "الحوثيين سيهاجمون المحافظات الجنوبية في حال توقف التحالف العربي عن قتالهم".
وأردف ياسين أنّه في حال سيطرة الحوثيين على المحافظات الجنوبية: "فسوف يفر القليل من المواطنين، لكن الغالبية العظمى ستُقاتلهم كما فعلت عام 2015".
فبعد أن سيطر المتمردون على عدن، "قاوم المواطنون الحوثيين وحاربوهم بكل ما أوتوا من قوةٍ وأسلحة". وقد تم إجلاء الحوثيين عن عدن في يوليو/تموز عام 2015 بمساعدة من التحالف السعودي-الإماراتي.
بينما قال الصحفي هويد الكلدي لموقع Al-Monitor إنّ الحوثيين لن يُهاجموا المحافظات الجنوبية بسبب "افتقارهم للدعم الشعبي هناك". كما أوضح أنّ الحوثيين سيلجأون إلى "المناورات العسكرية على الحدود" كما كان الحال بين الشمال والجنوب قبل الوحدة عام 1990.
الأمر يتوقف على ما سيفعله الانفصاليون الجنوبيون
وأردف: "سيسعى الحوثيون إلى القضاء على ما تبقى من وجود الحكومة في الشمال"- أي محافظات مأرب وتعز. وفي الوقت ذاته: "يريد المجلس الانتقالي الجنوبي إنهاء وجود الحكومة في الجنوب لأنّه يُسبّب المشكلات".
والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يريد انفصال الجنوب اليمني مدعوم من دولة الإمارات المتحدة، بينما حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً مدعومة من السعودية.
ورغم أن الإمارات والسعودية حليفان في اليمن وغيرها إلا أنه واقعياً بات الحراك الجنوبي شوكة في ظهر الحكومة اليمنية خلال حربها مع الحوثيين في الشمال.
بينما قال الكلدي إنّه لا يعتقد أنّ الحوثيين سيشنون هجومهم قريباً. وهو يرى بدلاً من ذلك أنّه "سيكون هناك حوارٌ طويل بين طرفين قويين، وهذا هو ما يريده التحالف- وليس بين ثلاثة أطراف على الأرض (الحكومة والحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي)، بل بعد القضاء على أحد الأطراف الثلاثة".
أسباب تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين
ومن المعروف أن الإمارات كانت قد سحبت قواتها من معظم مناطق وجودها في اليمن، لكنها لا تزال تحتفظ بنفوذها في مناطق محددة لاسيما ذات الأهمية الاستراتيجية مثل جزيرة ميون، وتؤكد أنها متمسكة بالتزاماتها تجاه حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً.
وكان الحوثيون قد أعلنوا قبل بضعة أشهر أنهم لن يقصفوا الإمارات كما يفعلون مع السعودية، ولكن حتى قبل إعلان الإمارات انسحابها الشكلي من اليمن، فإنه نادراً ما استهدف الحوثيون الأراضي الإماراتية بهجماتهم، الأمر الذي يؤشر إلى أن تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين سابق على انسحاب أبوظبي من اليمن.
ورغم أن الحوثيين نجحوا في عملية إطلاق صواريخ تصل إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي فإن مليشيا الحوثي لم تطلق أي صاروخ منذ منتصف عام 2019 باتجاه الإمارات، وقبل ذلك نفذوا هجمات محدودة، ولكن ذات تأثير معنوي كبير على الإمارات منها هجوم على مطار أبوظبي في عام 2018، كما سبق أن أعلن الحوثيون عام 2017 أنهم قصفوا مفاعل براكة النووي بالإمارات بصاروخ كروز.
وسبق أن طرح ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، تساؤلاً عن سر استمرار الهجمات ضد السعودية وتوقف الحوثيين عن مهاجمة الإمارات، ملمحاً إلى تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين أو وجود تفاهمات بينهما.
كما أن حجم الاشتباكات بين الحوثيين وبين الإمارات وحلفائها اليمنيين كان ضئيلاً جداً بالمقارنة مع معارك الحوثيين مع السعودية وحلفائها واليمنيين، الذين تحملوا العبء الأكبر من القتال.
وسبق أن ألمحت الإمارات إلى توصلها إلى تفاهمات مع جماعة الحوثيين، حيث اعتبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية السابق، أنور قرقاش، أن للحوثيين دوراً في مستقبل اليمن.
العنصر الثاني وراء تلاقي مصالح الإمارات والحوثيين هو عداء الطرفين لحزب الإصلاح اليمني الإسلامي.
فهذا الحزب هو العدو الأول للحوثيين لأنه يمثل أكبر مكون شعبي مناهض لمشروع الحوثيين في اليمن الشمالي، والداعم الأكبر للحكومة الشرعية في اليمن بشماله وجنوبه.
كما أن حزب الإصلاح له وجود كبير في الجنوب (فعلياً هو الحزب الوحيد الكبير الذي له وجود مؤثر في الشمال والجنوب)، ويلعب الحزب دوراً في التصدي لمشروع الانفصال في الجنوب، وكذلك تقوية موقف الحكومة الشرعية في مواجهة اعتداءات الانفصاليين الجنوبيين.
ولا تخفي الإمارات وحلفاؤها الانفصاليون عداءهم للإصلاح في الجنوب، بل إنهم استهدفوا رموزه أو المقربين له، إضافة إلى التحالف مع قيادات سلفية متطرفة في مواجهته.
وبالطبع عداء أبوظبي لحزب الإصلاح ليس نابعاً فقط من كونه داعماً للحكومة الشرعية اليمنية في مواجهة الانفصاليين الموالين للإمارات، ولكن أيضاً بسبب مرجعيته السياسية الإسلامية، ولأنها تعتبره مقرباً لجماعة الإخوان المسلمين، كما أن المنافسة مع الحليف السعودي أحد أسباب تلاقي المصالح بين الحوثيين والإمارات.