في مؤشر يدلل على مدى الأزمة التي وصل لها في الحرب الداخلية، بات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يحث الرجال والنساء مؤخراً على الانضمام إلى حملته العسكرية والتطوع في القتال ضد متمردي جبهة تحرير شعب تيغراي، الذين استعادوا قوتهم باستعادة العديد من المناطق التي سبق لجيش آبي أحمد السيطرة عليها.
ولم تُفصح إثيوبيا عن أعداد المتطوعين المدنيين من الرجال والنساء الذين جنّدتهم للحرب ضد تيغراي، لكن المتحدث باسم نائب عمدة أديس أبابا سينتاييهو أباتي قال إنّ ثلاثة آلاف شخص من المدينة قد تطوّعوا منذ بدء الحملة، بالإضافة إلى آلافٍ آخرين من جميع أنحاء البلاد.
وقد أدان النقاد حملة آبي أحمد الأخيرة، قائلين إنّ إدخال مجندين جُدد في العمليات القتالية سوف يُؤدي فقط إلى المزيد من سفك الدماء داخل بلدٍ شديد الاستقطاب ومنقسم عرقياً، ما يُهدد بزعزعة استقرار منطقة القرن الإفريقي الأوسع.
حيث تُعتبر إثيوبيا بمثابة خليطٍ من 80 جماعةٍ عرقية على الأقل، و10 حكومات إقليمية. ويخشى المحللون أن يدفع الصراع المُطوّل بالجماعات الموجودة داخل إثيوبيا إلى الانحياز لأحد جانبي الصراع، قبل أن يمتد لدول أخرى في المنطقة.
المدنيون في إثيوبيا يتحولون إلى محاربي ميليشيات
يقول أستاذ الحوكمة والجغرافيا السياسية ماهيري تاديلي مارو لصحيفة The Independent البريطانية: "يستهدف هذا الإعلان تحويل المدنيين إلى محاربي ميليشيات يزيدون من سقوط البلاد في هوة حرب التطهير العرقي، ويزيدون سفك الدماء ونيران الثأر بين الجماعات المختلفة لسنوات قادمة، بينما يدخل الاقتصاد في حالة سقوطٍ حر".
وقد تصاعدت وتيرة الحرب سريعاً بعد انضمام مقاتلي ميليشيات منطقة أمهرة والقوات الإريترية إلى الجيش الإثيوبي في مواجهة قوات تيغراي.
لكن الانتصار السريع الذي وعد به آبي لم يتحقق، بل تحولت الأعمال العدائية إلى حربٍ طاحنة في مختلف مناطق تيغراي، وفي يونيو/حزيران، أعلن آبي وقف إطلاق النار أحادياً بعد أن صدم المتمردون الجميع بهزيمة القوات الحكومية والاستيلاء على مدينة مقلى، عاصمة تيغراي، ليقلبوا بذلك رحى الحرب الدائرة.
وتشجّعت قوات تيغراي بفضل انتصاراتها، فأصدرت سلسلةً من المطالب التي دعت إلى "ترتيبٍ انتقالي" ومطالب أخرى ستؤدي في نهاية المطاف إلى إزاحة آبي عن السلطة.
وقد رفض آبي تلك المطالب وحثّ الإثيوبيين في الداخل والخارج مؤخراً على الدفاع عن "وطنهم الأم، وأن يكونوا أعين البلاد وآذانها من أجل تعقب وكشف الخونة والعملاء" من قوات تيغراي.
حملات تجنيد جماعية بين الرجال والنساء في إثيوبيا
ومنذ ذلك الحين، سرّعت السلطات الإثيوبية حملات التجنيد الجماعية، ودعت حتى أشهر الموسيقيين والفنانين إلى تشجيع جهود الحرب.
وفي الأسبوع الماضي نشر الجيش صوراً من منطقة أمهرة لشبابٍ يحملون السيوف والبنادق وهم يحتشدون لتأييد الحرب والتطوع في الجيش بأعداد كبيرة. بينما حضر المئات من الرجال والنساء والأطفال في مدينةٍ أخرى بالمنطقة لدعم القوات الحكومية.
أما في أديس أبابا، فقد اصطف العشرات من قدامى المحاربين للتطوع حاملين أعلام البلاد. ومن بينهم كان ضابط الجيش المتقاعد عالم بيلات (54 عاماً)، الذي وصف قوات تيغراي بأنها "عدو" إثيوبيا ووعد بتدريب المتطوعين الجدد أو التوجّه إلى الجبهة بنفسه: "الدماء تغلي في عروقي".
بينما قالت ممرضة المشاة السابقة بيكليش أيالو (47 عاماً) إنّها مستعدةٌ لعلاج الجنود على الخطوط الأمامية: "إن التضحية بدمائي والموت من أجل إثيوبيا هو شرفٌ عظيم".
ومع انطلاق حملة التجنيد في البلاد، واصلت قوات المتمردين التقدم باتجاه غرب تيغراي، وهي المنطقة التي استولى عليها أبناء عرق الأمهرة وزعموا ملكيتهم لها في المراحل الأولى من الصراع.
إثيوبيا تستعد لأيام مقبلة أكثر دموية
ولا تزال ديناميات الحرب متقلبةً مع تصاعد الصراع، فخلال الشهر الجاري أعلنت جبهة تحرير الأورومو تحالفها مع قوات تيغراي، في مؤشرٍ على احتمالية تورّط المزيد من الجماعات والحكومات الإقليمية في القتال.
حيث قال رئيس المنطقة الصومالية الشرقية في البلاد مصطفى عمر، التي أرسلت مئات الجنود للانضمام إلى الحرب في صفوف الحكومة، إنّه لن يتفاوض مطلقاً مع قوات تيغراي، التي قال إنّها عذّبت وقتلت شقيقه، وأخفت أفراد عائلته أثناء وجودها في السلطة لنحو ثلاثة عقود.
وأردف: "لقد تسببوا في الكثير من الألم، وسوف يعودون إلى نفس الممارسات السياسية إذا فازوا في الحرب، إنّهم خطرٌ على البلاد".
وفي الأسبوع الماضي، عاد المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الإفريقي جيفري فيلتمان إلى المنطقة في محاولةٍ لوقف القتال. فضلاً عن عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم جهود الوساطة السلمية في الحرب، لكن الخبراء يستبعدون احتمالية التهدئة بشكلٍ كبير في الوقت الحالي، مع رفض آبي القاطع لعقد اجتماعٍ أوائل أغسطس/آب، وتقدم قوات تيغراي، وتوجّه مجندي الحكومة الجدد لقتالهم.
وبالنسبة للعديد من الإثيوبيين، فإنّ هذا يعني الاستعداد لأيامٍ مقبلة أكثر دموية.
حيث قالت مالكة المكتبة السابقة في مقلى ويني أسجيدوم (27 عاماً)، التي يحارب زوجها في صفوف قوات تيغراي: "يدعو رئيس الوزراء الإثيوبيين إلى القتال ضد شعبهم. لذا فالحل الوحيد هو القتال رداً على ذلك".