هل يصدر الرئيس قيس سعيد قراراً بتمديد تجميد عمل البرلمان بعدما أوشكت مدة الشهر على الانتهاء؟ ومتى يكشف الرئيس عن "خارطة الطريق" في تونس؟ وهل نجحت روشتة سعيد في تخفيف الضغوط عن الاقتصاد؟
بعد أن مر نحو شهر على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي بإقالة الحكومة وتجميد البرلمان لمدة 30 يوماً وتركيز السلطات في يده، يترقب التونسيون الآن أن يكشف سعيد عن "خريطة طريق" تنهي الأزمة السّياسية التي تمر بها البلاد.
كان سعيد قد قرر فجأة يوم 25 يوليو/تموز الماضي إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، متولياً بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة قال إنه سيعين رئيسها، كما قرر تجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن النواب، وقرر ترؤس النيابة العامة، ولاحقاً أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.
رفضت غالبية الأحزاب التّونسية قرارات سعيد الاستثنائية، واعتبرها البعض "انقلاباً على الدستور"، بينما أيدتها أحزاب أخرى رأت فيها "تصحيحاً للمسار"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).
والآن مرّ نحو شهر، ولم يكشف الرئيس سعيد عن اسم الشخصية التي ستقود الحكومة في المرحلة المقبلة، وإن كان قد صرح الجمعة بأنه سيتم الإعلان عن الحكومة الجديدة خلال الأيام القليلة القادمة.
ماذا حقق سعيد لاقتصاد تونس؟
رغم تطمينات الرئيس المتكررة بأن الوضع تحت السيطرة، فإن الضبابية ما تزال مسيطرة على الوضع الاقتصادي، فقد سعى سعيد إلى بعث رسائل طمأنة في الداخل والخارج، من خلال تأكيده أن قراراته صائبة وأن "هناك جائحة سياسية في تونس ولا بد من وضع حدّ لها".
لكن أمام هشاشة الوضع السياسي في تونس، فإن المفاوضات التي انطلقت مع صندوق النقد الدولي منتصف مايو/أيار الماضي بهدف التوصّل إلى اتفاق جديد قيمته 4 مليارات دولار، توقفت، نتيجة عدم الوضوح السياسي والاقتصادي.
ويشترط صندوق النقد توافر الاستقرار السياسي وتوافقاً بين جميع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية، إلى جانب الالتزام بتنفيذ جملة من الإصلاحات المتأخرة. وتؤكد وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، في بيان لها عقب قرارات سعيد، أنه أمام هذه الوضعية السياسية الآن، فإنه من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الصندوق. وحذرت "فيتش" من خفض تصنيف تونس مجدداً بعد الخفض الأخير لتصنيفها السيادي إلى "B-".
وحسب "فيتش" فإن قرارات الرئيس التونسي ستقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده، كما أن فشل التفاوض مع النقد الدولي سيؤدي إلى استمرار الاعتماد الشديد على التمويل المحلي، وسيزيد من الضغوط على السيولة.
وتفاقمت الضغوط المالية الداخلية والخارجية مع تسديد تونس ديوناً بأكثر من مليار دولار الشهر الماضي، وسط توقعات باحتمالية طبع تونس نقداً محلياً لسداد ديون للدائنين داخل البلاد. وساهم تسديد الديون في تراجع احتياطي تونس من النقد الأجنبي حتى 10 أغسطس/آب الجاري، بمقدار 1.945 مليار دينار (694.6 مليون دولار) أو بنسبة 9%.
وبلغ احتياطي العملة الأجنبية 19.731 مليار دينار (7 مليارات دولار) حتى 10 أغسطس/آب، تغطي واردات البلاد لمدة 123 يوماً، انخفاضاً من 21.676 مليار (7.741 مليار دولار) قبل عام. وانخفضت عائدات السياحة إلى 1.317 مليار دينار (470.3 مليون دولار) حتى 10 أغسطس/آب، بانخفاض 71.9% عنها قبل عام، نتيجة تفشي جائحة كورونا.
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي لتونس خلال الربع الثاني من 2021، بنسبة 2% على أساس فصلي، مقارنة مع انكماش بنسبة 1.7% في الربع الأول لنفس العام. وعرفت نسبة البطالة شبه استقرار في الربع الثاني من 2021 عند مستوى 17.9% مقارنة مع 17.8% في الربع الأول من نفس العام.
وتشير تقديرات رسمية، إلى ارتفاع المديونية العامة خلال العام الجاري قرب 35 مليار دولار، وهي تشكل أزيد من 85% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2021، مقارنة مع قرابة 30 ملياراً بنهاية 2020.
وبالتالي فإن تونس، بحاجة إلى تعبئة قروض إضافية بقيمة 18.7 مليار دينار (6.85 مليارات دولار)، وبلغت مستحقات الدين العمومي 16.3 مليار دينار (6 مليارات دولار) خلال 2021 وحده، لتمويل عجز ميزانيتها وسداد المزيد من الديون المستحقة.
كما كانت لقرارات الرئيس سعيّد تداعيات على سوق السندات، حيث تراجعت سندات تونس الأجنبية، بعد يوم واحد من هذه القرارات. وبحسب بيانات "تريد ويب" المتتبعة للسندات الدولية السيادية والخاصة، تراجع إصدار السندات المقومة بالدولار الأمريكي استحقاق 2025 بمقدار 2.61 سنت إلى 86.004 سنت للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى منذ الربع الأول 2021.
ويعني ذلك، أن إقدام تونس لطرح أية سندات في الوقت الحالي يؤشر إلى تقديم أسعار فائدة مرتفعة، أعلى من السعر المرجعي، نظراً للمخاطر السياسية التي تشهدها البلاد.
ويرى محللون أن هناك مخاوف من عدم تأمين الأجور، إذا ما لم تم التسريع في اختيار رئيس حكومة جديد ووضع "خارطة طريق" اقتصادية واضحة تساعد على حلحلة الأزمة التي تمر بها البلاد.
هل بات تمديد إجراءات سعيد المسار الوحيد؟
الموقف الاقتصادي الصعب والانسداد السياسي يزيد الغموض بشأن ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات بخصوص نوايا سعيد السياسية وما يراه مناسباً في سدّ الفراغ السّياسي الراهن، جراء تجميد عمل البرلمان ومواصلة التّعيينات والقرارات المنفردة، ما يثير قلق قطاع من التّونسيين، بالإضافة إلى عواصم إقليمية وغربية.
كان موقع ستراتفور الأمريكي قد تناول الأوضاع في تونس قبيل الانتخابات الرئاسية التي فاز بها سعيد، في تقرير له بعنوان: "الديمقراطية الناشئة في تونس تواجه أصعب اختباراتها"، لكن يبدو أن تونس على موعد الآن مع مفترق طرق آخر.
صلاح الدين الجورشي، وهو محلل سياسي، أرجع في حديث للأناضول تأخر سعيّد في الكشف عن خريطة طريق سياسية، إلى أن "الأمر غير مهم بالنسبة له وهو غير ملزمٍ بها، وما يفعله اليوم هو تطبيق لما يعتقد بأنها خريطة طريق".
وأضاف: "عملياً وسياسياً، رئيس الجمهورية مدعوٌّ بأي شكل من الأشكال إلى تحديد وتشخيص الوضع الرّاهن، وتعيين رئيس وزراء أو وزيرٍ أول.. في خطة رئيس حكومة، يحدد سعيّد الصّفة والمسؤولية حسب ما يراه مناسباً، ووجود هذه الشخصية أمر ضروري لإدارة الشّأن العام الدّاخلي والخارجي".
واعتبر الجورشي أن افتراض ضرورة وجود خريطة الطريق هذه يتطلب حسب ما يُلاحظ "إنهاء التعيينات في قيادة الأجهزة الأمنية أولاً؛ الأمر الذي قد يأخذ وقتاً طويلاً نوعاً ما".
ورأى أن "الجانب الاقتصادي سيكون مهماً في تحديد الأولويات بالنسبة لرئيس الدّولة في اسم الشّخصية التي قد يعينها في منصب رئيس الوزراء، بسبب الوضع الاقتصادي الحساس الذي تمر به البلاد".
وزاد بأن "تونس في مفاوضات معلقةٍ مع صندوق النّقد الدّولي، وعلى الرئيس ضبط كيفية التّعامل معه، خاصة في وجود شروط ومطالب إصلاحات، والصندوق غير ملزم بمساعدة تونس ما لم تلتزم بالشّروط المحددة".
ورجح أن "فترة الشهر المعلنة سابقاً سيتم التّمديد فيها إلى 4 أو 6 أشهر، ليكون الاستثناء هو القاعدة، حيث كشف الرئيس عن نواياه بعدم العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل 25 يوليو/تموز الماضي، ولعدم ورود استئناف نشاط البرلمان بنفس الطريقة، ولو مؤقتاً".
ماذا يعني ذلك بالنسبة لتونس؟
وعن السيناريوهات المقبلة، اعتبر الجورشي أن "المسألة الدّستورية والقانونية واجتهادات الرّئيس لن تكون غائبة في الفترة المقبلة، ولا أحد قادراً على التّكهن بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها من عدمه، الأمر الذي يجب أن يُسبق بتحوير (تعديل) دستوري وإحاطة الرئيس نفسه بجملة من الخبراء".
وأردف: "التكهنات عديدة ويصعب الإجابة عن سؤال موعد كشف خريطة الطريق في الحين، لكن الاحتمالات مفتوحة على أكثر من سيناريو، أغلبها غير واضح أو هي معلومة فقط لدى الرّئيس دون سواه".
فيما قال الإعلامي صالح عطيّة، للأناضول، إنه "بعد شهر تقريباً منذ انقلاب الرئيس سعيد على الدّستور، لم تحصل تطورات تذكر على مستوى الإجراءات السّياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو بعودة الحياة لمجراها الطبيعي بالمؤسسات التونسية".
وتابع: "باستثناء قرارات حجر السّفر أو الإقامة الجبرية على بعض القضاة والمحامين والشخصيات العامة من رجال أعمال ومديري مؤسسات، لم تُحل قضايا أو ملفات فساد تهم رؤوساً كبرى أضرت بتونس، ولم تتم محاكمة فاسدين نهبوا المال العام، ولم تُتخذ إجراءات عملية توضح رؤى الرئيس لخريطة طريق واضحة".
وأضاف عطية: "باستثناء إشارة الرئيس سعيّد (الجمعة) إلى قرب الكشف عن اسم الشّخصية التي ستشغل منصب رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء، فلا شيء نراه سوى انفراد الرئيس بالتّحرك الميداني والخطابات والكلمات الرّسمية واستقبال شخصيات لا تنتمي إلى أحزاب أو منظمات وطنية فاعلة".
وشدّد على أن "الغموض كلي بعد شهر من إعلان الإجراءات الاستثنائية، وما يتردد بقوة هو التّمديد لشهر وحتى لـ3 أو 6 أشهر في اعتماد هذه الإجراءات". وزاد عطية بأن "الصورة غير واضحة، والرّئيس لا يكشف نواياه بخصوص الشّخصية المرتقبة لرئاسة الحكومة أو الوزراء الذين سيكونون فيها".
واستطرد: "حتى الخطابات لا توضح أي الشخصيات ستتقلد المنصب (رئيس الحكومة)، فالأمر يتراوح بين رجل اقتصاد أو أمني أو سياسي، والإجابة غير معروفة بسبب سياسية الرئيس الغامضة".
ماذا عن الموقف خارجياً؟
وبخصوص السيناريو الأقرب للتطبيق، قال عطية: "حسب تقديراتي والمعلومات التي بلغتني، فإن توجّه الرئيس يتركز على تكوين لجنة لإنشاء دستور جديد للبلاد يعتمد نظاماً رئاسياً معدلًا، وتعديل القانون الانتخابي الذي سيعتمد التصويت على الأسماء (القوائم المنفردة) لا على القوائم، لاستبعاد الأحزاب من المشاركة في الانتخابات".
وتابع: "سيتم تمديد الإجراءات الاستثنائية لشهرٍ على الأقل، وسيُعين رئيس الحكومة خلال هذه الفترة دون أن تكون له صلاحيات واسعة، بل سيكون موظفاً هو وبقية وزراء الحكومة لدى الرئيس، مع إبقاء البرلمان في حالة تجميد ومواصلة رفع الحصانة عن النّواب".
ورأى عطية أن "التأثير الخارجي سيكون له وزنه على التوجهات العامة للرئيس سعيّد وخريطة طريقه في الفترة المقبلة، وبخاصة بعد استقبال الوفد الأمريكي الذي يعتبر وفداً وازناً جداً (دور واشنطن في علاقة تونس بصندوق النّقد والبنك العالميين)، والزيارة كانت لفرض مطالب واضحة بالعودة للمسار الديمقراطي ورفع التّجميد عن البرلمان".
واستطرد: "الوضع المالي سيكون مؤثراً، والرئيس لم يكترث بهذه التّوصيات أو النّصائح، ما يعتبر إخلالاً في فهم علاقة تونس بمحيطها الدّولي، وشريكها الاستراتيجي الأمريكي الضامن المالي أمام صندوق النّقد".
ورجح أن "موقف الرّئيس وإصراره على اعتماد مسار غير قانوني أو غير دستوري قد يكلفه أن يكون اسمه ضمن قائمة معادية للمسارات الديمقراطية في العالم العربي تُرفع إلى مجلس الأمن أو لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة".
وختم حديثه بأن "الجارين الجزائري واللّيبي سيكونان على التّماس مع كل خطوة تحصل في تونس، والترقب والحذر يسودان في الفترة الحالية، وبلدان عديدة قد تتخوف من حالة الإرباك الحاصلة وستحصل في تونس".