بينما تبدو الطبقة السياسية في تونس رافضة للتغييرات السياسية التي أجراها الرئيس التونسي قيس سعيد في البلاد، فإن جزءاً من الشارع -وتحديداً من الشباب التونسي الناشط المستقل- بدا مؤيداً لما فعله الرئيس.
ولكن كثيراً من هؤلاء أصبحوا قلقين، وتحديداً الشباب التونسي الناشط المستقل، كان الفئة الأكثر إعجاباً بقيس سعيد، ولعبوا دوراً في إكساب حملته الانتخابية الزخم ليصبح الرجل المجهول مفاجأة الانتخابات التونسية.
والآن، مرّ ما يقرب من 30 يوماً منذ أن هيمن الرئيس التونسي قيس سعيد، على جميع السلطات التنفيذية وأقال الحكومة وعطّل البرلمان، ولاتزال تونس تنتظر تعيين رئيس وزراء جديد ورسم خارطة طريق للخروج من الأزمة الثلاثية السياسية والاقتصادية والصحية التي تواجه البلاد.
صلاح الدين الجورشي، وهو محلل سياسي، رجح في حديث لـ"الأناضول"، أن "فترة الشهر المعلنة سابقاً سيتم تمديدها إلى 4 أو 6 أشهر، ليكون الاستثناء هو القاعدة، حيث كشف الرئيس عن نواياه بعدم العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل 25 يوليو/تموز الماضي، ولعدم ورود استئناف نشاط البرلمان بالطريقة نفسها، ولو مؤقتاً".
وبينما وصف خصوم سعيد والمحامون الدستوريون تحركات الرئيس بأنها "انقلاب" غير قانوني، لاقت أفعاله دعماً واسعاً في أوساط الجمهور التونسي، الذين يقولون إنهم سئموا من النخبة السياسية في البلاد ويطالبون بتغيير سياسي حقيقي. وأظهرت استطلاعات الرأي المحلية دعم الغالبية العظمى من المُستطلَعين لتصرفات سعيد.
ويستمد سعيد كثيراً من دعمه من الشباب التونسي. فقد خاض حملته الرئاسية لعام 2019 ببرنامج ثوري لمكافحة الفساد، ورفض الكيانات السياسية السائدة مثل الأحزاب، ودافع عن شكل حكومي لامركزي يتصور منح مزيد من السلطة للمجالس المحلية. وأثبتت هذه الأفكار شعبيتها لدى الشباب.
موقع Middle East Eye تحدث مع تونسيين يعرفون سعيد شخصياً ويدعمون أفكاره، لمعرفة موقفهم من الأسابيع القليلة الماضية وما يودون رؤيته بعد ذلك.
كيف يرى الشباب التونسي الرئيس قيس سعيد؟
دباية الذي يعرفه منذ زمن: عنيد، يؤمن بالحكم اللامركزي والمدينة الفاضلة
شارك الناشط البيئي دباية في حملة لدعم ترشُّح قيس سعيد للرئاسة لعام 2019 في مسقط رأسه قابس، وهي واحة ساحلية بجنوب تونس.
وهو يعرف سعيّد منذ عام 2013، عندما دعت حملة دباية الشبابية لمناصرة البيئة، "أوقِفوا التلوث"، أستاذ القانون الدستوري، الذي كان غير معروف آنذاك، إلى قابس للتحدث بصفته متخصصاً في القانون الدستوري، ولتبادل الأفكار وتطويرها.
ويقول دباية إنَّ سعيد "كانت له نفس روح" النشطاء الشباب، وقد جلس سعيّد مع المجموعة وشرح رؤيته لنظام سياسي ودستور جديدين، وأكد تحديداً أهمية الديمقراطية المحلية وتمكين المجالس المحلية، وهي الرؤية التي يواصل سعيّد الدعوة إليها.
وأضاف دباية: "وجدنا نقاط التقاء بين حركتنا وأفكاره. كانت لديه بعض المقترحات الجميلة التي تشترك في فلسفتنا نفسها: إنشاء مساحات بديلة غير كلاسيكية للأنشطة المدنية؛ لأنَّ المساحات الكلاسيكية مثل الأحزاب السياسية لا تعمل بكفاءة".
ويشارك دباية، الرئيسَ سعيد في رؤيته للحكم اللامركزي: "المجالس المحلية هي آلية يمكنها تقديم استجابة أفضل من النظام الحالي. ويمكنها رفع الاحتياجات والمطالب المحلية. وهذا يضمن مزيداً من المساواة، بجانب أنها وسيلة أكثر فاعلية للحكم. وحالياً، تُتخَذ القرارات في المجلس الوطني من قِبل أشخاص لا يعرفون المناطق التي يتخذون القرارات من أجلها".
وشنَّ دباية في وقت لاحق، حملة لصالح سعيد، لكنه يقول إنه بسبب معارضة سعيد للأحزاب السياسية، فقد رفض أي هيكل متماسك للحملة.
يقول: "لم تكن على غرار الحملات الكلاسيكية المعهودة، بل كانت مجموعة عفوية من الأفراد، الذين أرادوا تغيير النظام السياسي".
وفي حين أنَّ دباية يعتبر سعيّد في كثير من الأحيان مثالياً وطوباوياً في بعض أفكاره، فإنه يقدر الطريقة التي يصغي بها للناس ويعيرهم اهتمامه. ويقول إنَّ الرئيس هو ذلك النوع من الرجال الذي لن يرفض دعوتك لشرب القهوة، حتى لو كان مرهقاً أو على وشك النوم.
ويشير دباية: "ليس شخصيةً سياسية تقليدية… وليست لديه أفكار التيار السائد نفسها؛ بل يؤمن باليوتوبيا (المدينة الفاضلة) الخاصة به. ولا يهتم بالقواعد، ويرى الأشياء بنظرة مختلف".
وتابع: "إنه عنيد بعض الشيء، ويعتقد حقاً أنَّ السياسة يجب ممارستها بصرامة وأصالة لدرجة لا يمكن معها حدوث أي انحراف. بجانب أنه ليست لديه تكتيكات: بل يصدر تصريحات، ويهاجم، ويذهب للحرب. ثم ينتظر ليرى رد فعل الناس".
أحمد ساسي: صادق ويريد منح سلطات لأحياء الطبقة العاملة، ولكن صبري بدأ ينفد
أحمد ساسي، مدرس وناشط محلي يكافح التهميش وعدم المساواة الاقتصادية في مدينة الكبارية، أحد أحياء الطبقة العاملة بتونس. ويعرف ساسي، سعيد منذ عام 2015، عندما شارك في مبادرة مدنية محلية تطوَّع خلالها لتعليم العمال وسكان المناطق النائية والريفية والأحياء المحرومة.
ومثل سعيّد، يرفض ساسي أيضاً الأحزاب السياسية ويريد أن يرى سلطات أكبر تُمنَح للمحليات، خاصةً أحياء الطبقة العاملة. ويقول ساسي: "كلانا يؤمن بأنَّ الديمقراطية الحقيقية تنشأ في المحليات ويقودها السكان".
ويوضح أن "هذه الأحياء مهمشة للغاية من حيث البنية التحتية والفرص الثقافية والخدمات الصحية. ويحاول الناس العبور إلى أوروبا، لأنه لا يوجد عمل ولا أمل. نحن محاطون بقمع الشرطة طوال الوقت".
ولفت إلى أن "الأحزاب السياسية تستخدم هؤلاء السكان في أثناء الانتخابات ثم تنسانا بعد ذلك. لذلك نحن نحاول تغيير قواعد اللعبة: نريد أن يصبح المواطنون هم الحكام في منطقتهم الخاصة، وليس السياسيين الفاسدين الدخلاء".
ويرى ساسي أنَّ سعيد هو السياسي المناسب لتونس، لأنَّ لديه مزيجاً من شيئين: "ليس لديه ما يخسره، وهو صادق".
وأضاف: "أعتقد أنه أثبت أنه قادر على إدارة سياسته بأخلاق. فمنذ 2011، استمع إلى الشباب، وتحدث معهم كثيراً، وشارك في حركاتهم"، معرباً عن إيمانه بأنَّ الشباب هم "المحركات" التي تقف وراء معظم الحركات السياسية في تونس.
لكن مع مرور الأسبوع تلو الآخر منذ 25 يوليو/تموز، نفد صبر ساسي ويقول إنَّ سعيد بحاجة إلى إعلان خريطة الطريق الخاصة به قريباً.
وأضاف أنَّ سعيد "يحتاج إلى الإعلان عن اتجاهه الجديد بسرعة؛ لإعطاء اليقين للناس".
وتابع: "نحن في أزمة رهيبة، والوضع حساس للغاية لدرجة أنه يحتاج إلى تدخل سريع، وفعل المزيد".