في أعقاب سيطرة حركة طالبان السريعة على أفغانستان، انتقل المسؤولون الروس إلى نهجٍ ذي شقين: التواصل بحذرٍ مع طالبان، مع توسيع روسيا التدريبات العسكرية مع طاجيكستان على طول الحدود الأفغانية.
يقول تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية، إن روسيا لا تزال تحمل ذكرياتٍ مريرة عن الاحتلال السوفييتي الفاشل في الثمانينيات والانسحاب المهين بعد أكثر من تسع سنوات، كانت هناك شماتةٌ في رؤية منافستها، الولايات المتحدة، وهي تواجه رحيلاً فاشلاً أيضاً.
والآن ترى روسيا إمكانيةً للعب دورٍ أوسع نفوذاً مع طالبان، مع تقييم مخاطر عدم الاستقرار الإقليمي أو "التطرُّف" الذي قد تنزلق فيه أفغانستان مرةً أخرى والذي قد يؤدِّي إلى حربٍ أهلية.
تدريبات عسكرية روسية على حدود أفغانستان بالتزامن مع صعود طالبان
لكن موسكو أرسلت أيضاً إشاراتٍ قوية تدلُّ على قوتها العسكرية ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة؛ إذ أجرت روسيا تدريباتٍ عسكرية على حدود أفغانستان في الأسابيع الأخيرة، وأعلنت يوم الثلاثاء، 17 أغسطس/آب، عن تدريباتٍ عسكرية لمدة شهرٍ في طاجيكستان، حيث توجد أكبر قاعدةٍ روسية في الخارج.
وقال فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية في روسيا للصحيفة الأمريكية: "هل روسيا قلقة؟ نعم بالطبع. في التسعينيات، عندما استولت حركة طالبان على كابول، أحدثت تداعياتٍ مدمِّرة على الدولة المجاورة".
ناقش وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الأزمة يوم الإثنين، 16 أغسطس/آب، مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ونظيرهما الصيني وانغ يي.
وصنَّفَت موسكو حركة طالبان بأنها جماعةٌ إرهابية، لكنها استضافت مسؤولين من طالبان عدة مرات خلال السنوات الأخيرة. تحدَّثَ مسؤولون رئيسيون، بمن فيهم لافروف، وسفير روسيا في أفغانستان ديميتري جيرنوف، والمبعوث الرئاسي الخاص إلى أفغانستان زامير كابولوف، بشكلٍ إيجابي عن طالبان منذ سقوط كابول.
وقارن جيرنوف وكابولوف طالبان بصورةٍ إيجابية بحكومة أشرف غني السابقة، التي فرَّت من البلاد يوم الأحد مع انهيار الحكومة واستيلاء طالبان على البلاد.
قال لافروف الأسبوع الماضي إن روسيا لن تتسرَّع في الاعتنراف بحكومة طالبان. ودعا إلى حوارٍ وطني شامل يضم جميع القوى السياسية لتشكيل حكومة انتقالية.
اتصالات روسية مع "جميع الأطراف" في أفغانستان
ولا تزال موسكو قلقةً بشأن انزلاق حكم طالبان إلى حربٍ أهلية وفوضى. لكن لوكيانوف قال إن الجيش الروسي أفضل تجهيزاً للتعامل مع التهديدات المُحتَمَلة مِمَّا كان على في التسعينيات عندما كانت طالبان في الحكم. وقال إن روسيا تحافظ الآن على اتصالاتٍ مع جميع الأطراف في أفغانستان، على عكس التسعينيات عندما ركَّزَت على تحالف الشمال، الذي كان يقاتل طالبان.
وقال بعض المُحلِّلين الروس إن روسيا قد تدفع ثمناً باهظاً لحالة الارتياب المفاجئ التي خلَّفَتها حرب واشنطن التي استمرَّت ما يقرب من 20 عاماً.
وتوقَّعَت من جهتها، إيلينا سوبونينا، المُحلِّلة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، أن طالبان لن تكون قادرةً على ضمان الاستقرار في أفغانستان.
وقالت لصحيفة Moskovsky Komsomolets الروسية: "هناك جماعات مُسلَّحة أخرى في أفغانستان غير مستعدة لطاعة طالبان". وقالت إن "خلايا القاعدة والدولة الإسلامية في أفغانستان قد تكسب الأرض بسرعة".
من جهته، قال كيريل سيمينوف، المُحلِّل في مجلس الشؤون الدولية الروسي، إن طالبان قد تنقسم بين أولئك الذين يسعون إلى نهجٍ أكثر تطرُّفاً وتشدُّداً وأولئك الذين يتَّخِذون موقفاً أكثر ليونة. وقال للصحيفة الروسية: "هناك احتمالٌ بأن يبدأ الصراع من أجل تقسيم مناطق النفوذ داخل طالبان نفسها. وهذا ما يجب أن نقلق بشأنه".
وأثار صعود حركة طالبان "مخاوف" غربية من أن مقاتليها قد يستهدفون الأشخاص المرتبطين بالحكومة السابقة أو القوات الغربية، وكذلك الصحفيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق المرأة.
لكن المتحدِّث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، عمل بشكل واضح على تهدئة المخاوف في مؤتمرٍ صحفي يوم الثلاثاء، قائلاً إن جميع الأعداء قد "عُفِيَ عنهم"، وتعهَّد بالسماح للنساء بالدراسة والعمل، ولكن في إطار الشريعة الإسلامية.
"طالبان قوة سياسية معترف بها في روسيا"
ويبذل المسؤولون الروس جهوداً لتليين وجهة النظر الرسمية إزاء طالبان. لكن أليكساندر كنيازيف، الخبير في دراسات آسيا الوسطى بجامعة سان بطرسبورغ، قال إن حركة طالبان مُشَيطَنة في روسيا، مِمَّا يجعل من الصعب على المسؤولين أن يشرحوا للجمهور اتصالاتهم مع الجماعة.
وابتعد لافروف عن تصنيف روسيا حركة طالبان بأنها جماعة إرهابية، واصفاً إياها بـ"القوة السياسية المُعتَرَف بها". وقال إن عرض طالبان إدراج أصوات مختلفة في حكومتها كان إيجابياً، بينما قالت وزارة الخارجية إن طالبان تستعيد النظام.
وقال لافروف للصحفيين يوم الثلاثاء: "نرى بعض المؤشرات المُشجِّعة من جانب طالبان، الذين أعلنوا رغبتهم في تشكيل حكومة تضم قوى سياسية أخرى".
وقال السفير الروسي في أفغانستان يوم الثلاثاء إنه التقى بمسؤولي طالبان في كابول، ومن جانبهم تعهَّدوا بضمان سلامة الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين السابقين.
قال السفير: "نهجهم واضح. إنه جيِّد وإيجابي وعملي. لا أرى عقباتٍ من شأنها أن تمنعنا من إيجاد أرضية مشتركة في جميع التفاصيل". وأضاف: "الوضع الحالي في كابول أفضل مِمَّا كان على في عهد أشرف غني".
وأُصيبَت العلاقات الروسية مع غني بالبرود، مع تجاوز الكرملين له في المحادثات التي شاركت فيها حركة طالبان في موسكو في السنوات الأخيرة. وضغطت روسيا من أجل تشكيل حكومة انتقالية تضم جميع الأطراف، لكنها أدانت بشدة قرار غني بالفرار من البلاد مع دخول طالبان العاصمة كابول. وحذَّرَ المبعوث الرئاسي، كابولوف، من أن "المجتمع الدولي بأسره سيراقب طالبان" لضمان احترام حقوق الإنسان. لكنه أضاف أنه كان من المُتوقَّع أن تعترف روسيا في نهاية المطاف بحكومة طالبان.