بعد الهزيمة الأمريكية في أفغانستان ومع صعود حركة طالبان، أصبحت البنية التحتية للطاقة والموارد الطبيعية والمعادن النادرة في البلاد التي أنهكتها الحرب، محط اهتمام أكثر من أيِّ وقتٍ مضى منذ العام 2001، الذي غزت فيه الولايات المتحدة أفغانستان للإطاحة بنظام الحركة المسلحة.
وبينما تعمل طالبان على تقييم الموارد الطبيعية والبنية التحتية التي سبق وأن موَّلَتها الولايات المتحدة، كما يقول تقرير لمجلة Forbes الأمريكية، والتي وقعت تحت تصرُّف الحركة الآن، فإن المنافسين الاستراتيجيين، بمن فيهم روسيا والصين، سوف يتطلَّعون إلى مشاريع التنمية المُربِحة التي تعزِّز طموحاتهم الإقليمية.
أفغانستان تعوم على كنوز من المعادن
وذكرت شبكة CNN الأمريكية أن المسؤولين العسكريين والجيولوجيين الأمريكيين كشفوا في العام 2010 أن أفغانستان، الواقعة على مفترق طرق وسط وجنوب آسيا، تقبع على كنز من الرواسب المعدنية تبلغ قيمتها حوالي تريليون دولار، وهذا يمكنه تغيير آفاقها الاقتصادية بشكلٍ كبير.
وتنتشر معادن النحاس والذهب في جميع أنحاء البلاد، وهناك أيضاً أحد أكبر رواسب الليثيوم غير المُستغلَّة في العالم، وهو عنصرٌ أساسي، لكنه نادرٌ، في البطاريات القابلة لإعادة الشحن، وغيرها من التقنيات الحيوية لمعالجة أزمة المناخ.
وفي الوقت الحالي، تدر المعادن مليار دولار فقط سنوياً لأفغانستان، ويُقدَّر أن 30 إلى 40% من هذه المعادن اختلسها الفساد وكذلك أمراء الحرب، فيما كانت حركة طالبان تتحكَّم بمشاريع تعدين صغيرة طوال السنوات الماضية.
لماذا الصين هي الأقرب للفوز بهذه الاستثمارات؟
والآن، يسعى جميع المنافسين للحصول على جائزةٍ كبيرة. هناك قدرٌ كبيرٌ من النحاس والذهب، وتمتلك أفغانستان ما يُقدَّر بنحو 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة، وهي معادن ضرورية في تكنولوجيا الطاقة المتجددة. وهذا يجعل أفغانستان هدفاً رئيسياً للاستثمار بالنسبة للصين، التي تتربَّع على عرش سلاسل التوريد العالمية للعناصر الأرضية النادرة في الوقت الحالي. وتحتاج الولايات المتحدة عناصر أرضية نادرة، بينما تسيطر الصين على 90% من قدرات معالجتها.
وفي آسيا الوسطى، استثمرت الصين رأس مالٍ كبير في مشاريع البنية التحتية، في إطار مبادرة الحزام والطريق. ولا يوجد سببٌ للاعتقاد بأن طالبان قد ترغب في مقاطعة برامج المبادرة الجارية بالفعل. أما المستقبل، فهو قيد التفاوض الآن.
واتفقت أفغانستان والصين، من حيث المبدأ، على تعميق التعاون في مبادرة الحزام والطريق، على الرغم من عدم اليقين بشأن الوضع الأمني المتعلِّق بسحب القوات الأمريكية. وسيكون المفتاح في ذلك هو تطوير الممر الصيني الباكستاني، الذي سيشمل أفغانستان، التي تسيطر عليها طالبان. ولا ينبغي أن يكون الأمر مفاجئاً حين تصبح الصين الداعم المالي الأساسي لأفغانستان، من أجل تسريع مشاريع التعدين.
مشاريع ضخمة تنتظر المُضي بها في أفغانستان
وعلى الرغم من التعاون المُحتَمَل بين الحكومة الصينية وطالبان، فإن مشاريع البنية التحتية الكبرى في أفغانستان مُعرَّضة للخطر بلا شك في ظلِّ انسحاب الولايات المتحدة- بحسب "فوربس". وتشمل هذه التكهُّنات خط أنابيب الغاز بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند. توقَّفَ بناء هذا الخط في التسعينيات بسبب عدم الاستقرار السياسي في الفترة الأولى لسلطة طالبان (1996-2001)، ولكنه تم إحياؤه مُجدَّداً في عام 2018. ورغم أن تطوير المشروع كان مدعوماً من قِبَلِ كبار مسؤولي طالبان، فإن طبيعة الصراع قد توقف البناء مؤقتاً بسبب الهجرة الجماعية والعنف.
ثم هناك جزءٌ من أفغانستان في مشروع "كاسا-1000" وهو مبادرةٌ إقليمية مُصمَّمة من أجل تصدير فائض الطاقة المائية من آسيا الوسطى الغنية بالطاقة إلى جنوب آسيا الفقيرة بالطاقة، عبر شبكاتٍ كهربائية متصلة.
وبالمثل، من المُرجَّح أن يتأخَّر مشروع بناء سكك حديدية بمليارات الدولارات يربط بين أوزبكستان وباكستان عبر مدينة مزار شريف الأفغانية، وفي نهاية المطاف كابول وبيشاور. سيمثِّل هذا انفتاحاً كبيراً لصادرات آسيا الوسطى إلى الموانئ الباكستانية على المحيط الهندي. ومع سيطرة طالبان على البلاد، قد تواجه شركات السكك الحديدية تحديات في توفير الأمن وتجنيد العمالة الماهرة للعمل في البلاد.
تنافس إقليمي على ثروات أفغانستان
أتاح تضاؤل المساعدات الأمريكية الوقائية والمالية والإنسانية لأفغانستان فرصاً لجهاتٍ أخرى، من بكين إلى بيونغ يانغ، ومن موسكو إلى طهران. والتداعيات الناجمة عن سوء الإدارة الاستراتيجية للولايات المتحدة، والانسحاب السريع للقوات، تمتد إلى ما هو أبعد من التنمية الاقتصادية.
وحين لا تلتزم الولايات المتحدة بتعهُّداتها، ولا تحمي حلفاءها وأصولها، فإن قوتها ونفوذها يتضاءلان، وتثير في الوقت نفسه القلق لدى الحلفاء- كما تقول "فوربس". وبالنسبة للصين، قد تؤدِّي التداعيات إلى توغُّلٍ علني في تايوان، بينما يمكن لروسيا أن تستخدم هذه الهزيمة كمُحفِّزٍ لمزيدٍ من الانخراط في شؤون دول البلطيق، وبيلاروسيا، وأوكرانيا، علاوة على تهديدها لبولندا.
والأهم من ذلك هو أن هزيمة الولايات المتحدة قد زوَّدَت الخصوم الجهاديين بدفعةٍ معنويةٍ كبيرة قد تؤدِّي إلى محاولة "زعزعة الاستقرار" في الشرق الأوسط.
ويشعر مسؤولو الدفاع الأمريكيون بالقلق من أن الفراغ الأمني سيسمح للقاعدة، وغيرها من التنظيمات، بإعادة البناء، مِمَّا يشكِّل تهديداً أمنياً عالمياً متجدِّداً، ربما يكون أكبر مِمَّا حدث في 11 سبتمبر/أيلول 2001.
إن استيلاء طالبان على الموارد الطبيعية والاستثمارات الأجنبية الكبيرة والمعدَّات العسكرية الغربية، سيسمح لها بتشييد بنى تحتية وأجهزة دفاعية مهمة، وسوف يستفيد خصوم الولايات المتحدة من المصداقية الأمريكية المتضرِّرة لمصلحتهم الخاصة، وسوف يختبرون تصميم السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
طالبان دعت الصين للعب دورٍ في التنمية الاقتصادية بأفغانستان
في السياق نفسه، صرَّحَت المتحدِّثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ، الاثنين 16 أغسطس/آب، بأن بكين ستواصل دورها البنَّاء في "إرساء السلام وإعادة الإعمار" في أفغانستان.
ومن جانبها، لم تأمر روسيا إلا بإجلاءٍ جزئي لموظَّفي سفارتها في كابول، وفقاً لممثِّل بوتين الخاص في أفغانستان، الذي قال: "ستبقى سفارتنا على اتصالٍ بالممثِّلين المعيَّنين خصيصاً للقيادة العليا لطالبان، من أجل وضع آليةٍ دائمة لضمان سلامة سفارتنا والتواصل المستمر". وبينما تعتبر موسكو طالبان "منظمةً إرهابية"، قالت وزارة خارجيتها إن مكتب الاتصال السياسي للحركة ليس إرهابياً.
وفي إشارةٍ إلى قبول طالبان ككيانٍ عسكري وحكومي شرعي، استضافت وزارة الخارجية الصينية الزعيم السياسي لحركة طالبان، الملا عبد الغني بارادار، في أواخر يوليو/تموز. ومنذ ذلك الحين، أكَّدَت وسائل الإعلام التابعة للدولة التزام بكين بملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة. وقد رحَّبَت حركة طالبان بذلك، ودعت الصين للعب دورٍ في التنمية الاقتصادية.