"سجن صيني في الإمارات مخصص للإيغور".. كان الكشف عن هذا السجن السري دليلاً على أن العلاقات بين الإمارات والصين أصبحت أقوى في السر مما هي عليه في العلن بشكل يهدد مصالح الغرب.
فقد ذكرت وكالة Associated Press الأمريكية، في تقرير لها، الإثنين 16 أغسطس/آب 2021، أن فتاة صينية تدعى وو هوان، اتهمت بكين باحتجازها ثمانية أيام بسجن سري تديره الصين في دبي، مع ما لا يقل عن شخصين من الإيغور، فيما قد يكون أول دليل على أن الصين تدير ما يسمى بـ"موقعٍ أَسود" خارج حدودها، في حين نفت الصين صحة هذه التقارير.
والسجون السرية ممارسة إماراتية شائعة، سواء داخل أراضي البلاد التي تتمتع سجونها الرسمية بسرية هائلة، أو في خارجها مثلما يحدث في اليمن، ولكن استضافة الإمارات لسجن صيني دليل على أنها لم تعد تأبه كثيراً بدواعي قلق أمريكا والغرب، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى الطبيعة السرية للسجون في الإمارات، مثلما يستطيع أن يشهد على ذلك ماثيو هيدجز، طالب الدكتوراه البريطاني الذي احتُجز وظل معزولاً عن العالم الخارجي لأسابيع في حيازة أمن الدولة عام 2018.
حكم على هيدجز بالسجن مدى الحياة، وإن كان قد حصل على عفو، لكن ذلك يقدم دليلاً على أن السلطات الإماراتية لم تعد ترى أي مصالح لها قريبة من مصالح بريطانيا والولايات المتحدة.
ولكنها لفتت إلى أن قضية الشابة الصينية وو هوان، تكشف أن حليفاً مقرباً لأمريكا يتخذ خطوات بالتنسيق مع الخصم الاستراتيجي الرئيسي للغرب على صعيدين صارا مصدرين رئيسيين للقلق: حرية التعبير ومعاملة الإيغور.
الشيخ محمد بن زايد لم يعد يثق بالغرب
وفي واقع الأمر، على مدى عقد من الزمان وحتى الآن، يرى الشيخ محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات، أن لندن وواشنطن غير موثوقين. فعندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني يرى أن الحفاظ على النظام الملكي المطلق للإمارات هو مشروعه الأول.
لكن بالنسبة لمحمد بن زايد فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بدا كلاهما مبتهجاً في 2011 بالثورات الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وأبرزها ضد حليف آخر مفترض، وهو الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك.
بدأ الشيخ محمد في البحث عن أصدقاء بدلاء، أي أصدقاء لن يلقوا عليه محاضرات حول حقوق الإنسان، كانت روسيا خياراً، لكن الرئيس بوتين متقلب.
لماذا أصبح توثيق العلاقات بين الإمارات والصين خياراً مفضلاً لولي عهد أبوظبي؟
على الجانب الآخر، لم يقتصر الأمر على تشابه مواقف الإمارات والصين في مجال حقوق الإنسان، والحساسية الشديدة من الديمقراطية والإسلاميين، ولكن بكين تمثل سوقاً كبيرة لنفط الخليج في وقتٍ يتحول فيه الغرب إلى البدائل "الخضراء".
الأحداث الأخيرة في أفغانستان لا تُقدم حرفياً أي حجةٍ مضادةٍ لرأيه في الغرب، وبغض النظر عن أي شيء آخر شاركت الإمارات بقواتٍ في المهمة التي قادها حلف الناتو في أفغانستان.
والولايات المتحدة قلقة من توثيق العلاقات بين الإمارات والصين، وسبق أن تلقت أبوظبي إشارة تحذيرية في هذا الصدد، رفضت السفارة الأمريكية في أبوظبي، في يونيو/حزيران 2020، عرضاً إماراتياً للتبرع بمئات من اختبارات فيروس كورونا صينية الصنع لفحص موظفيها.
ولكن ظلّت ردود فعل أمريكا محدودة على هذا التوجه الإماراتي، وقد يكون هذا هو أحد الأسباب التي تشجع الإمارات على المضي قدماً في توثيق العلاقة مع الصين، بما في ذلك في قضايا حساسة.
فأمريكا رغم غضبها من هذه العلاقة المتنامية، فإنها واقعياً لم تتخذ أي رد فعل ضدها، خاصة أن أبوظبي توازن ذلك بتوثيق العلاقة مع إسرائيل.
والنتيجة أن الإمارات كانت أول مستهلك للقاحات الصينية في المنطقة، وأكبر مشترٍ لطائرات بكين المسيّرة، وفي الوقت ذاته كانت أول دولة عربية والوحيدة التي تتلقى موافقة مبدئية من أمريكا على شراء طائرات إف 35 الشبحية.
بيد أن مصداقية الصين عندما تشتد الأمور لم تخضع بعدُ لأي اختبار. أظهرت بكين قدرةً في الـ20 سنة الأخيرة على تجنب المواقف الصعبة، على النقيض من طابع المغامرة الذي لدى واشنطن.
والمفارقة أنه على غرار دول الخليج نفسها، فإن الصين لطالما اعتمدت على المظلة الدفاعية الأمريكية لضمان أمن تدفق الطاقة والبضائع الأخرى عبر المياه المحيطة بالخليج، فيما أطلقت عليه الولايات المتحدة "الركوب المجاني".
فهناك مؤشرات على أن بكين تفضل الهيمنة الأمريكية على هذه المنطقة، رغم أهميتها الاقتصادية المتزايدة لبكين.
وبالتالي بالنسبة لمحمد بن زايد فإنه يحاول كسب الصين دون خسارة أمريكا، متجاهلاً قلق الأخيرة من هذه العلاقة المتنامية مع بكين ما دام هذا القلق مقتصراً على الإشارات والكلام.
وعلى أقل تقدير، يشكل منح الإمارات مساحة على أراضيها إلى الصين كي تستجوب المعارضين وأبناء الإيغور ثمناً بسيطاً بالنسبة للشيخ محمد، من أجل الحصول على تأييد صوت إضافي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.