انهيار سريع وقعت فيه القوات الحكومية في أفغانستان والمدعومة من حلف شمال الأطلسي "الناتو" لصالح مقاتلي حركة طالبان والتي حققت انتصارات كبيرة وسريعة سيطرت فيها على نحو 80% من الأراضي الأفغانية؛ مما أثار التساؤل عن العتاد الذي تستخدمه طالبان ومن أين حصلت عليه؟!
الإجابة عن هذا التساؤل لم تكن صعبة؛ فطيلة 20 عاماً، بنى الجيش الأمريكي نظيره الأفغاني بنسخةٍ طبق الأصل منه، وأنفق ملايين الدولارات على المعدات عالية التقنية لتشكيل قوةٍ قتالية معاصرة تستطيع التصدي لحركة طالبان، لكن سرعان ما أصبحت هذه الأسلحة في يد الحركة، بحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وفي غضون أشهر من إعلان الولايات المتحدة انسحابها، تخلّت القوات الأفغانية عن قطاعٍ كبير من تلك المعدات مع انسحابها أمام عمليات التقدم الخاطفة للمتمردين. ونتيجةً لذلك، صارت تلك المعدات الآن في أيدي الأشخاص الذين كان يُفترض استخدامها لهزيمتهم.
إذ استولت طالبان حتى الآن على مئات الأسلحة، والمركبات التكتيكية الخفيفة، والكثير من مركبات الهامفي، وقطع المدفعية. وجميعها تم استخدامها ضد القوات الأفغانية.
وكان هذا الخطر قائماً منذ بداية محاولات تحويل الجيش الأفغاني- بمعداته التي ترجع للحقبة السوفييتية وافتقاره للقدرة التكتيكية- إلى وحدةٍ قتالية معاصرة غربية الطابع ومُسلّحة بأحدث المعدات وأكثرها تطوراً، بحسب المجلة البريطانية.
كيف انزعج المقاتلون الأفغان من السلاح الحديث؟
ربما كان الأفغان قادرين على التكيّف في وجود المعلمين الأمريكيين بجوارهم، رغم استيائهم عادةً من اضطرارهم للتخلّي عن أسلحتهم القديمة والتحوّل إلى جنودٍ معاصرين. حيث كان استبدال بنادق M-16 ببنادق الكلاشينكوف AK-47 أشبه بإهانةٍ لرجولة المجندين الجُدد.
وعلى نفس المنوال، أدى وصول مروحيات بلاك هوك الأمريكية إلى زيادة التعقيد والإرباك في حيوات الطيارين الأفغان الذين أحبوا مروحيات Mi-17 وMi-35 روسية الصنع، والتي كانت في الواقع أكثر ملاءمةً للارتفاعات العالية والتضاريس الترابية الأفغانية.
ونجح مقاتلو طالبان في السيطرة على عدد من مروحيات بلاك هوك الـ42 في أفغانستان كما استولوا على مروحية Mi-24 روسية في قندوز- بعد أن قام الطيارون الأفغان بإزالة شفراتها الدوارة.
وفي حال استيلاء طالبان على مروحية بلاك هوك، فهم لن يعرفوا كيفية تشغيلها؛ إذ إنّهم لا يمتلكون الخبرة الكافية للطيران بها، أو التحكم في هذا النوع من الطائرات عالية التقنية، كما تقول الصحيفة البريطانية.
هل تبحث طالبان عن طيارين؟
بينما قال مستشار الدفاع بول بيفر إنّ حركة طالبان لديها مقاتلون أجانب في صفوفها، وليس من المستبعد أن تقوم بتجنيد طيار لديه الخبرة الكافية للتحليق بمروحيات بلاك هوك التي تُباع حول العالم. وأردف: "من السهل الطيران بها وربما التحليق لبضع ساعات، لكنهم لن يستطيعوا صيانتها".
وإذا وصلت طالبان إلى قاعدة باغرام بالقرب من كابول، فسوف يعثر مقاتلوها على مئات الشاحنات الصغيرة، والحافلات الصغيرة، والمركبات المدنية. وغالبيتها مركبات تركها الأمريكيون، لكنهم أخذوا مفاتيحها معهم.
لكن القوات الأمريكية لم تترك الأسلحة الثقيلة أو المعدات المدرعة- ومن الباعث على الارتياح العلم بأنّ حركة طالبان لن تتجوّل في كل مكان داخل دبابات أبرامز M1، كما كان الحال مع تنظيم الدولة الإسلامية حين نهب مقاتلوه الجيش العراقي ومعداته الأمريكية.
خلال أقل من أسبوع، سيطرت حركة طالبان على أكثر من ربع عواصم المقاطعات الأفغانية في معارك هي الأعنف مع الحكومة المركزية منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فيما كانت الحركة قد سيطرت بالفعل على مناطق شاسعة من الريف منذ شنها سلسلة من الهجمات في مايو/أيار بالتزامن مع بدء الانسحاب النهائي للقوات الأجنبية. وفيما يلي آخر تطورات المشهد الأفغاني.
9 عواصم ولايات أفغانية تسقط بيد طالبان
حتى صباح الأربعاء 11 أغسطس/آب 2021، سيطرت الجماعة على تسع عواصم إقليمية في أفغانستان، منذ يوم الجمعة الماضي، بما في ذلك فايز أباد، وفرح، وبُل خمري، وسار إي بُل، وشبرغان، وأيبك، وقندوز، وتالوقان، وزارانج.
وسيطرت طالبان في وقت متأخر من الليل على مدينة فايز أباد عاصمة إقليم بدخشان، التي باتت تاسع عاصمة ولاية تستولي عليها الحركة في ظرف أسبوع واحد، من أصل 34 ولاية في البلاد. وذكر نائب أفغاني أن معارك شديدة بين القوات الأفغانية وطالبان دارت في هذه المدينة قبل أن تفرض الحركة سيطرتها عليها وأن خسائر فادحة تكبدها الطرفان.
وأصبحت حركة طالبان تحقق تقدّماً بوتيرة متسارعة منذ بدء انسحاب القوات الأجنبية الذي من المفترض أن يتم بحلول 31 أغسطس/آب، بعد 20 عاماً على غزو القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة أفغانستان؛ إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وتشن حركة طالبان معركة عنيفة من جميع الاتجاهات للسيطرة على مراكز المدن، فيما أعلنت الحركة صباح الأربعاء أنها أطلقت صواريخ على قاعدة باغرام الجوية الهامة، الواقعة شمال كابول. وقال مسؤول في القاعدة الجوية لوكالات أجنبية إن الصواريخ لم تصل إلى القاعدة، بل سقطت بدلاً من ذلك في مناطق بعيدة.
طالبان تضع "مزار شريف" نصب أعينها والدولة تخشى خسارتها
ووصل الرئيس الأفغاني أشرف غني إلى مزار شريف لتقديم الدعم لقواته في المنطقة الشمالية من البلاد التي تتقدم نحوها قوات طالبان. ومن المقرر أن يلتقي أشرف غني قادة بعض الميليشيات المناهضة لطالبان في مزار شريف، مثل عطا محمد نور وزعيم الحرب المعروف عبدالرشيد دوستم.
ستشكل خسارة مزار شريف في حال وقوعها بيد طالبان "ضربة كارثية" لحكومة كابول وستعني انهياراً كاملاً لسيطرتها على شمال البلاد المعروف بأنه معقل للمسلحين المناهضين لطالبان.
وقبل ساعات من وصول غني، أظهرت صور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي للحكومة، زعيم الحرب دوستم يستقل طائرة في كابول، إلى جانب كتيبة من عناصر مسلحة في طريقه إلى مزار شريف.
وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن الحكومة الأفغانية تراهن على الميليشيات المناهضة لـ"طالبان" في المناطق الشمالية كمزار شريف، التي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة. وإنه حتى مع استسلام القوات الأفغانية النظامية بأعداد كبيرة لـ"طالبان" بشمال أفغانستان في الأسابيع الأخيرة، فإن وجود الميليشيات المسلحة قد يُضعف هجمات طالبان.
ويُشار إلى أنه منذ تأسيس الجمهورية الأفغانية في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2001، حاولت الحكومة المركزية في كابول كبح سلطة قادة الميليشيات، مثل أمير الحرب المعروف إبراهيم زادة. وتجلى هذا تحديداً في مزار شريف، التي حكمها "قائد المجاهدين" السابق الجنرال عطا محمد نور باعتبارها ملكية خاصة حتى عام 2017.
هل أوشكت طالبان على العودة إلى الحكم مجدداً؟
وتسيطر طالبان الآن على حوالي ثلثي مساحة أفغانستان، بعد هجمات خاطفة في الأشهر الماضية، منذ أن بدأت القوات الأجنبية انسحابها النهائي من البلاد.
ورغم أعداد مقاتلي الجيش الأفغاني الكبيرة وقدراته العسكرية المتفوقة على طالبان، أظهرت الحركة طوال العشرين عاماً من الحرب تماسكاً أكبر من الجيش الأفغاني، حيث يلعب العامل الديني وكذلك الوعود بتحقيق مكاسب مادية والتطلع إلى إعادة حكم أفغانستان أدواراً في تقوية الجبهات الداخلية لطالبان.
حكمت حركة طالبان أفغانستان أو أجزاء كبيرة منها بين عامي 1996-2001، وقد أعلنت قيام "الإمارة الإسلامية في أفغانستان"، وذلك بعد أن سيطرت على عدد من الولايات الأفغانية، وطورت أهدافها لتصبح "إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة" في مقدمة أهدافها عام 1996.
لكن لم يلبث حكم حركة طالبان لأفغانستان طويلاً حتى وقعت تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001، في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت مرحلة فاصلة في تاريخ الحركة، حيث اتهمت واشنطن تنظيم القاعدة وزعيمها المقيم في أفغانستان أسامة بن لادن بارتكابها، فيما اعتبرت إدارة جورج بوش الابن حركة طالبان هدفاً لها، وقررت غزو أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول عام 2001، الأمر الذي أدى في النهاية لإسقاط حكم طالبان.
ظلت الحركة بعد انهيار حكمها في حالة من المقاومة للغزو الأمريكي والكر والفر، وانتقلت من حكم البلاد إلى حرب العصابات، التي كبّدت التحالف الغربي هزائم مريرة، ورغم كل ذلك لم يدرج البيت الأبيض الحركة على قوائم "الإرهاب".
ولا تنظر حركة طالبان إلى نفسها باعتبارها مجموعة متمردة، بل ترى نفسها حكومة تنتظر دورها لممارسة السلطة. وتشير الحركة إلى نفسها على أنها "إمارة أفغانستان الإسلامية"، وهو الاسم الذي كانت تطلقه على حكومتها التي أدارت شؤون البلاد من عام 1996 حتى الإطاحة بها عقب هجمات سبتمبر/أيلول 2001.
وتمتلك الحركة اليوم هيكل "ظِل" متطوراً، بما فيه مسؤولون يديرون الخدمات الأساسية في مناطق عديدة خاضعة لسيطرتها، وهي تتجهز خلال الأشهر القادمة للعودة إلى حكم البلاد معتمدة على قوتها ونفوذها الكبيرين.
هذه القوة التي تستند عليها طالبان والتي اكتسبتها بقوة السلاح والندية في التفاوض مع الأمريكيين، باتت تفرض على العديد من القوى الكبرى والدول المحيطة الفاعلة في الشأن الأفغاني التعامل من طالبان مجدداً، كإيران وروسيا والصين وباكستان وغيرها من الدول.