سلاح جديد يهدد القوات الأمريكية في العراق، ويبدو أنها لا تجد له حلاً، وهو المسيرات المفخخة التي تستخدمها الميليشيات العراقية الموالية لإيران.
إذ باتت القوات الأمريكية في العراق أمام خطر المسيرات المفخخة المتصاعد، وظهر ذلك في استهداف مصالحها في بغداد بطائرات مسيّرة مفخخة تحلّق على ارتفاعات منخفضة لتجنب أنظمة الدفاع الجوية المضادة.
ومنذ عام 2019، يستهدف مسلحون مجهولون، يشتبه بأنهم عناصر تابعة لفصائل شيعية عراقية مرتبطة بإيران، قواعد عسكرية تضم أمريكيين وسفارة واشنطن وسط العاصمة بغداد.
وكان المهاجمون يستخدمون صواريخ من طرازي "كاتيوشا" و"غراد"، غير أنها لم تحقق أهدافها في كثير من الأحيان بالسقوط في محيطها أو اعتراضها عبر منظومة الدفاع الأمريكية، لتظل فاعليتها محدودة.
متى بدأت الميليشيات الموالية لإيران في استخدام المسيرات المفخخة؟
منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، اعتمد المهاجمون تقنية جديدة من خلال الطائرات المسيرة التي تحمل شحنات متفجرات أو ما يطلق عليه المسيرات المفخخة والتي تحلّق على ارتفاعات منخفضة لتجنب أنظمة الدفاع الأمريكية المضادة.
ومراراً تعهدت الحكومة العراقية بحماية القوات والمصالح الأجنبية في بلادها وملاحقة المسؤولين عن استهدافها، إلا أن الهجمات لا تزال متواصلة ومتزايدة على فترات متباينة.
وطرأ على الهجمات تزايد لافت عقب اغتيال واشنطن للجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقي أبو مهدي المهندس، مطلع عام 2020 في ضربة جوية قرب مطار بغداد.
ولا يمكن قراءة وتيرة الهجمات ضد المصالح الأمريكية في العراق بمعزل عن صراع واشنطن وطهران؛ إذ يعد البلد العربي ساحة رئيسية للصراع بين الغريمين.
ويأتي تصاعد حدة الاحتقان بين الولايات المتحدة وإيران منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض عقوبات قاسية على طهران.
الأمن العراقي يُلقي القبض على بعض منفذي الهجمات
وكشف المتحدث باسم العمليات المشتركة في الجيش العراقي تحسين الخفاجي، عن التنسيق بين جميع الأجهزة الأمنية لاستخدام التكنولوجيا الحديثة لمنع استهداف مقار البعثات الأجنبية بطائرات مسيرة.
وأوضح "الخفاجي" في تصريح أوردته وكالة "شفق نيوز" الخاصة، أن "الأجهزة الأمنية توصلت إلى معلومات مهمة بشأن هذه القضية"، لكنه رفض الكشف عنها لحين الانتهاء من التحقيقات.
وأضاف أن "السلطات العراقية تمكنت، خلال الأيام الماضية، من اعتقال أشخاص متهمين باستخدام هذه الطائرات في استهداف القوات الأمريكية"، دون الكشف عن هوياتهم أو عددهم.
وتتجه أصابع الاتهام إلى فصائل عراقية شيعية مرتبطة بإيران بالوقوف وراء الهجمات المتكررة على الأهداف والمصالح الأمريكية في العراق.
ومعظم تلك الفصائل تنضوي في إطار "تنسيقية المقاومة العراقية"، بينها فصائل نافذة مثل كتائب "حزب الله" العراقي و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء"، و"حركة النجباء".
ورغم تهديد الفصائل الشيعية بالعراق باستهداف مواقع القوات الأمريكية، حال عدم إنهاء تواجدها العسكري في البلاد، لكنها لم تعلن مسؤوليتها عن تلك الهجمات، رغم أن قادتها يثنون على تلك الهجمات.
الكونغرس قلق من خطر الطائرات المسيرة على الجيش الأمريكي
أصبحت الطائرات المسيرة، بما فيها المسيرات المفخخة، مشكلة حتى بالنسبة لأكثر وحدات الجيش الأمريكي قوة وهي المركبات المدرعة والدبابات، حسبما ورد في تقرير لموقع Popular Mechanics.
فلقد أصبحت الطائرات بدون طيار عنصراً أساسياً في ساحة المعركة، ويعني صغر حجمها وقدرتها على المناورة أنها تشكل خطرا فريداً على الدبابات والمركبات المماثلة.
ويتعيّن على الجيش الأمريكي إيجاد طريقة لقتل أسراب من الطائرات بدون طيار التي تتحرك بسرعة ضد أعمدة المركبات المدرعة، وأعرب الكونغرس عن قلقه من هذه المسألة.
حالياً، تفتقر أساطيل الجيش من الدبابات ومركبات المشاة القتالية وStrykers وغيرها من المركبات المدرعة إلى دفاعات محددة ضد المركبات الجوية غير المأهولة، ولقد أصبحت الطائرات بدون طيار أساسية في ساحات المعركة؛ حيث تبنى المقاتلون والمجموعات غير النظامية استخدام طائرات بدون طيار بسيطة الصنع واستخدموها لمهاجمة مركبات كبيرة مثل دبابات القتال الرئيسية.
داعش تستخدمها
في عام 2017، دمّر هجوم بطائرة بدون طيار على مستودع ذخيرة أوكراني ما يقدر بمليار دولار من الذخائر.
وفي عام 2017 أيضاً، أسقطت طائرة بدون طيار تابعة لداعش عبوة ناسفة صغيرة على دبابة تابعة للجيش العراقي؛ ما أسفر عن مقتل القائد بينما كان مكشوفاً خارج فتحته.
في يناير/كانون الثاني 2018، تعرضت قاعدة حميميم الجوية الروسية في شمال غرب سوريا لهجوم متزامن من قبل سرب من 13 طائرة بدون طيار ثابتة الجناحين.
ميزة الطائرات بدون طيار أنها سريعة ويمكن المناورة بها، وكما يوضح هجوم داعش، لا يتعين عليهم تدمير المركبة لإحداث أضرار جسيمة. فقط بضع أوقيات من المتفجرات، التي يتم تسليمها في الوقت المناسب والمكان المناسب، يمكن أن تدمّر مركبة مدرعة أثقل مئات المرات من الطائرة بدون طيار نفسها.
وغيرت الطائرات المسيرة التركية شكل المعارك في إدلب وليبيا وأذربيجان عام 2020، كما أن إيران وحلفاءها يستخدمونها مثلما يفعل الحوثيون في اليمن وكذلك الهجوم الغامض الذي وقع على منشأة أرامكو السعودية والذي يُعتقد أن إيران تقف وراءه.
هل يكون الحل بانسحاب القوات الأمريكية؟
بدوره، يقول الخبير الأمني العراقي فاضل أبو رغيف، للأناضول، إن "الحل السياسي من شأنه إنهاء هذه الهجمات، لا سيما وأن أهدافها المعلنة هي إنهاء تواجد القوات الأمريكية في الأراضي العراقية".
ويشير "أبو رغيف" إلى انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من العراق بموجب اتفاق بين البلدين في يوليو/تموز الماضي، يقضي بمغادرة القوات القتالية الأمريكية بحلول نهاية عام 2021، قائلاً: "لقد تحقق هدفهم بصورة نسبية".
ويرجح الخبير الأمني تراجع الهجمات ضد مواقع وأهداف ومصالح واشنطن في العراق، على وقع الاتفاق بانسحاب القوات الأمريكية من البلاد.
وفي 26 يوليو/تموز الماضي، اتفق العراق مع الولايات المتحدة، على انسحاب جميع القوات الأمريكية المقاتلة من العراق بحلول نهاية العام الجاري 2021.
وفي الأسابيع الأخيرة، استهدف صاروخ السفارة الأمريكية وسط بغداد، إضافة إلى هجمات متكررة بواسطة عبوات ناسفة على أرتال شاحنات تحمل معدات لوجستية لصالح التحالف الدولي في وسط وجنوبي البلاد.
الهدف تحقيق مصالح إيران في الملف النووي
ويرى المراقب السياسي العراقي سعد الزبيدي أن "ما يحدث في العراق يعود إلى الصراع بين واشنطن وطهران بالدرجة الأولى قبل أي اعتبارات أخرى".
ويضيف الزبيدي للأناضول: "إيران تحرك فصائلها المسلحة في العراق من أجل استهداف القوات الأمريكية للضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات بشأن البرنامج النووي".
ويشير الزبيدي إلى خطورة التطور التقني في استخدام الطائرات المسيرة المفخخة في الهجمات، مؤكداً أن ذلك من شأنه إحداث ضرر أكبر بالقوات الأمريكية في العراق.
كما يوضح أن "الحكومة العراقية عاجزة عن مواجهة هذا السلاح (الطائرات المسيرة) أو الكشف بشكل علني عن الجهات التي تقف وراء تكرار استهداف البعثات الأجنبية".
واختتم حديثه قائلاً: "تراجع وتيرة الهجمات غير مرتبط ببقاء القوات الأمريكية في العراق من عدمه، وإنما يرتبط بالتوافق بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي وغيرها من القضايا التي تقع في صلب مصلحة إيران".