ما بين قضية "الفتنة" في الأردن والأحكام الصادرة بحق معتقلين أردنيين في السعودية، رشح كثير من التكهنات بشأن العلاقة بين المملكتين، فهل يمكن أن تؤدي دبلوماسية العاهل الأردني لتصحيح المسار؟
وكانت المحكمة الجزائية السعودية قد أصدرت، الأحد 8 أغسطس/آب، أحكاماً بالسجن طالت 69 أردنياً وفلسطينياً، مما أثار تساؤلات بشأن مستقبل العلاقة بين الرياض وحركة حماس من جهة، وبين الرياض وعمّان من جهة أخرى.
وكانت السعودية أيضاً حاضرة، بصورة أو بأخرى، خلال الأزمة التي عصفت بالأردن في الأشهر الماضية وعرفت باسم "قضية الفتنة"، في ظل محاكمة وإدانة باسم عوض الله، الذي يحمل الجنسية السعودية بجانب جنسيته الأردنية، وهو صديق مقرب لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
عاهل الأردن يتجنب اتهام السعودية
وفي هذا السياق، كانت العلاقات الأردنية السعودية قد شهدت خلال السنوات القليلة الماضية حالة من الحذر في التعامل، رغم أحاديث المجاملات بين المملكتين، وبدا أن تلك الحالة مدفوعة بمحاولات الرياض التأثير على ثوابت عمان إزاء عدد من ملفات المنطقة.
وبالرغم من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، بحكم الجوار الجغرافي، إلا أن نوعاً من عدم التوافق الواضح في وجهات النظر أدى إلى حدوث تنافر لم يخلُ من حديث عن مناكفة سياسية في قضايا مهمة.
وأثناء قضية "الفتنة"، المرتبطة بالأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق لعاهل الأردن الملك عبد الثاني، سارعت السعودية كبقية الدول إلى إعلان تضامنها مع عمان، خاصة مع وجود متهم رئيسي، هو رئيس الديوان الأردني الأسبق، باسم عوض الله، الذي يرتبط بالرياض ارتباطاً وثيقاً، بحكم عمله مستشاراً لولي عهد السعودية، محمد بن سلمان.
وأرادت السعودية بإعلان تضامنها، وفق مراقبين، أن تُبعد عن نفسها أي شكوك بشأن تورطها في القضية، خاصة أن عمان أعلنت عن تورط المتهمين مع "جهات خارجية" لم تحددها.
وفي الوقت نفسه، يدرك الأردن، الواقع في محيط ملتهب، أنه ليس من مصلحته خلق عداء مع أي طرف؛ حفاظاً على استقراره، وللحيلولة دون تفاقم تداعيات الأزمات المحيطة به.
وبالتالي دفعت دبلوماسية الملك عبدالله، وسعيه نحو تطوير مسار العلاقات مع جميع الدول، إلى أن يرفض، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية في يوليو/تموز الماضي، توجيه أصابع الاتهام إلى السعودية.
وردَّاً على سؤال للمذيع بشأن احتمال أن تكون للسعودية يد في القضية، أجاب الملك بأنه "تم التعامل مع هذا الملف كشأن داخلي، ونعرف جميعاً أن باسم (عوض الله)، الذي عمل في السابق في الأردن، هو مستشار رفيع المستوى في السعودية، ويحمل جواز سفر سعودياً وآخر أمريكياً".
واستطرد الملك: "لاحظنا وجود ارتباطات خارجية بما يخص هذه القضية، لكن كما قلت، نتعامل مع هذا الملف كشأن محلي"، مضيفاً: "أعتقد أنه بالنسبة للأردن، لن يساعدنا توجيه أصابع الاتهام للآخرين، فهناك ما يكفي من تحديات في المنطقة".
وفيما يبدو أنه شكر للأردن على تصريحات الملك، زار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، عمان، مؤخراً، والتقى بعاهل البلاد، ونقل إليه رسالة من نظيره السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، تناولت سبل تعزيز العلاقات بين البلدين.
وقال ملك الأردن، خلال اللقاء، إن علاقات بلاده مع السعودية "صلبة لا تزعْزعها الشكوك والأقاويل"، مشيداً بموقف الرياض "الداعم للمملكة" في مواجهة التحديات، بما فيها قضية "الفتنة".
كانت قضية "الفتنة" أو محاولة "الانقلاب" قد تفجرت بشكل مفاجئ في الأردن مطلع أبريل/ نيسان الماضي، وأشعلت وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة، وسط حديث عن وضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية والقبض على نحو 20 شخصية بارزة، تم الإفراج عنهم لاحقاً باستثناء الشريف حسن بن زيد وباسم عوض الله.
الأحكام السعودية بحق أردنيين
وبالتزامن مع زيارة "ابن فرحان" إلى الأردن، حددت السلطات السعودية موعدا للنطق بالحكم بحق موقوفين أردنيين وفلسطينيين لديها منذ نحو عامين؛ بتهمة دعم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وهو ما تم بالفعل الأحد، وتراوحت الأحكام بحقهم بين البراءة والسجن 22 عاما.
ويبقى التساؤل مثارا للمهتمين بشأن البلدين حول ما إذا كان الحكم السعودي بحق الموقوفين هو بمثابة رد على محاكمة "عوض الله" أم أن الرياض ستبرؤهم في الاستئناف، بحيث تثبت لعمان حسن النوايا وجديتها في تحسين العلاقات.
محمد الخريشة، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية (حكومية)، قال للأناضول إن "العلاقات الأردنية السعودية استراتيجية للطرفين عبر التاريخ، لكنها شهدت تقلبات وتوترات غير معلنة".
وأضاف: "أعتقد أن التعاطي (بين البلدين) سيبقى بهذه الطريقة؛ بمعنى مصالح متداخلة واستراتيجية وتوترات وعدم انسجام في المواقف، ولكن دون التصريح بها"، ورأى أن "التصريحات والزيارات الأخيرة تدل على التقارب والانسجام، ولو شكليا".
وأرجع الخريشة ذلك إلى "الارتياح الأردني بعد زيارة الملك عبدالله لواشنطن، الشهر الماضي، وزيادة التحالف الأردني الأمريكي باتفاق دفاع، وترتيب الملف الداخلي الأردني بعد قضية الفتنة، وزيادة شبكة تحالفات الأردن الإقليمية مع العراق ومصر".
ومن الأسباب أيضا، وفق الأكاديمي الأردني، "ترتيب علاقة عمان مع إسرائيل عبر رئيس وزرائها نفتالي بينيت، بعد (رئيس وزرائها السابق) بنيامين نتنياهو (2009: 2021)".
واعتبر الخريشة أن تلك الأسباب "تضع الأردن في موقف مريح ومتقدم وواثق، لدرجة تجعله قادرا على تجاوز أي دور سعودي سلبي تجاهه، إن وجد". ورأى أن "الأردن لا يريد أن يخسر أي دعم سعودي، فحوالات الموظفين الأردنيين في السعودية تمثل رافدا ماليا مهما لاقتصاد المملكة، الذي يواجه تحديات بسبب (جائحة) كورونا".
تغيير في الموقف السعودي
وبخصوص السعودية، قال إن "تغيرات المنطقة الرئيسية تفرض عليها أن تكون أكثر حرصا في الحفاظ على أي صديق، خاصة مع خسارة (الرئيس الأمريكي السابق دونالد) ترامب (2017-2021) ونتنياهو، وتوجهات الولايات المتحدة لاحتواء الغرب وإيران".
كما لفت إلى وجود جو بايدن في الرئاسة الأمريكية، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، واصفا إياه بـ"الأكثر تشددا تجاه السعودية". وتطرق الخريشة إلى ما أسماه "تباين مواقف السعودية مع بعض الدول الخليجية، بما فيها (حليفتها) الإمارات، واستمرار ملفات غير محسومة ومزعجة بالنسبة للرياض، مثل (الحرب في) اليمن".
وأردف: "بالتالي هناك مراجعة لسياسات السعودية الإقليمية ومواقفها من بعض الدول في المنطقة، أو على الأقل يتضح بأن هناك حذر تجاه بعض القضايا والتعامل بحكمة، وبينها العلاقة مع الأردن".
ومضى قائلا إن "تحسن موقف الأردن الإقليمي والدولي مع انعكاسات التغييرات الدولية والإقليمية على السعودية، ساهم ولو شكليا بإظهار حالة من التمسك بعلاقات البلدين من قبل الطرفين. لكن هذا لا يعني أن علاقات الطرفين ستكون دائما متطابقة ومنسجمة في كل شي، فقد تظهر حالة من غياب هذا الانسجام من وقت إلى آخر، والذي يبدو أن الدولتين أصبحتا تحسنان إدارته عن بعد أو إنكاره".
حنكة أردنية في "قضية الفتنة"
واعتبر حسن الدعجة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسين بن طلال (حكومية)، أن الأردن "آثر فيما يتعلق بقضية الفتنة توجيه الاتهام إلى أطراف خارجية ولم يذكر دولا؛ لأن ذلك يترتب عليه قطع العلاقات مع الدولة المتورطة".
وأردف الدعجة للأناضول أن "الملك نفى تورط السعودية حفاظا على العلاقات الودية معها، وأعتقد أن الزيارة الملكية الأخيرة للولايات المتحدة، أظهرت للسعودية أن الثقل السياسي في الإقليم والمنطقة عاد للأردن، وبالتالي فإن عمان ستقوم بدور محوري في هذا الجانب".
واستطرد: "لذلك جاءت زيارة وزير الخارجية السعودي لعمان مؤخرا بهدف تمتين العلاقات وتأكيد أنها تسير في مسارها الصحيح"، متوقعا "أن يكون هناك انفراج في علاقات البلدين، وخصوصا أن الإقليم يتغير، وظهور تحالفات جديدة تتم الآن"، مشيرا إلى قمم عمان والقاهرة وبغداد بين العواصم الثلاث. ورجح أن "العلاقات الأردنية السعودية ستعود بحذر في البداية، ولكن ليس كما كانت في سابق عهدها".
وقال جمال الشلبي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية (حكومية)، إن "السياسة الخارجية الأردنية تتسم بالتوازن والمرونة مع الدول الأخرى، وخاصة الحدودية معها، وبينها السعودية". وأضاف الشلبي للأناضول، أنه "لا توجد مصلحة للأردن أن يدخل في مناوشات وصراعات مع أحد، لا سيما في ظل ظروف اقتصادية صعبة، فاقمتها تداعيات كورونا".
واعتبر أن زيارة عاهل الأردن الأخيرة لواشنطن ولقائه بأركان القيادة الأمريكية "عززت الثقة بالمملكة"، وهو ما دفع عمان إلى "صرف النظر عن ماضي العلاقات مع عدد من الدول، وحالة الفتور معها، ومنها السعودية". وتابع: "لا الأردن ولا السعودية لديهما الرغبة في دخول العلاقات بينهما حالة توتر؛ لأنها تتعارض مع مصالحهما السياسية والاقتصادية على الأمد المتوسط والبعيد، في ظل ظروف اقتصادية صعبة على الجميع".
ورأى الشلبي أن "المستقبل يشي بأن الدول العربية إما تندمج بالمنظومة السياسية والاقتصادية العالمية برغبة ذاتية وذكاء أو تجد نفسها خارج الركب، وبالتالي الدخول في أزمات مختلفة تحولها إلى دول ضعيفة وهشة وفاشلة". واختتم حديثه بأنها إن لم تفعل ذلك، فإن ما يُسمى بالربيع العربي "ليس ببعيد"، في إشارة إلى ثورات شعبية شهدتها دول عربية، قبل سنوات، وأطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها.