أثار حضور وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، مراسم تنصيب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران- على الرغم من أنه أمر بروتوكولي- الكثير من التساؤلات بسبب الوضع الحالي في المنطقة بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان؛ إذ إن حسابات نيودلهي طويلة المدى بشأن ميزان القوى الإقليمي تدفعها دفعاً نحو تعاون استراتيجي أوثق مع طهران.
ويبدو أن إيران حريصة على الرد بالمثل؛ فعندما كان جايشانكار في طهران الشهر الماضي في طريقه إلى موسكو، استقبله رئيسي بنفسه قبل تولي منصب الرئاسة رسمياً؛ ما جعل جيشانكار أول وزير خارجية ينال فرصة اللقاء مع الرئيس الإيراني الجديد، وهو ما أبان بوضوح عن اهتمام إيران بتكثيف التعاون مع الهند. وفي الأسابيع الأخيرة، كثَّفت نيودلهي وطهران المشاورات بشان الوضع سريع التطور في أفغانستان، بحسب تقرير لمجلة The Foreign Policy الأمريكية.
ماذا تعني عودة طالبان للحكم؟
ويُضاعف من التقارب بين الهند وإيران في هذا السياق مخاوفهما المشتركة بشأن حركة طالبان وعودتها المحتملة إلى السلطة في كابول، ويجمعهما أيضاً العزم المشترك على منع هيمنة باكستان على أفغانستان؛ الأمر الذي إن حدث لن يغيِّر تغييراً عميقاً الجغرافيا السياسية لجنوب ووسط آسيا فحسب، بل ستكون له تداعيات جمة في غرب آسيا أيضاً.
على الجانب الآخر، تتباين الرؤى بين نيودلهي وطهران حول دور الولايات المتحدة في المنطقة. فقد تعمقت شراكة الهند الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، فيما تصاعدت في الوقت نفسه التوترات وجبهات المواجهة بين واشنطن وطهران.
كما تباعدت مسارات البلدين على صعيد آخر، ففي الوقت الذي تكثَّفت فيه علاقات الهند مع الإمارات والسعودية في السنوات الأخيرة، غلبَ الصراع على علاقة إيران بجيرانها العرب في الخليج واشتدت حدته خلال السنوات نفسها. وزاد على ذلك تقارب الهند أكثر من أي وقت مضى من إسرائيل، حتى مع احتدام العداء بين تل أبيب وطهران في كثير من الأوقات.
سياسة الهند في تحالفاتها
تجاوزت الهند بعض القناعات التي قد يعتبرها الآن بعض المناصرين لانحيازاتِ الهند الجديدة يقينيات مختزلة تعود إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، فلم تعد الهند تحتكم في سياستها الخارجية بالشرق الأوسط إلى ثنائيات مثل الإمبريالية الغربية في مواجهة العالم النامي والصهيونية الإسرائيلية في مواجهة القومية العربية والإسلاموية في مواجهة الحكم العلماني.
ثمة عامل آخر احتكمت إليه الهند في تشكيل سياستها الجديدة حيال الشرق الأوسط، ألا وهو حاجتها إلى قطع الطريق على باكستان في حشد المنطقة لدعمها باسم الإسلام في نزاعاتها مع الهند.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، عملت الهند على تطوير علاقات معتدلة مع معظم دول الشرق الأوسط. لكن الاستثناء الوحيد اليوم هو تركيا، فالهند منزعجة بشدة من التحالف الجديد بين تركيا وباكستان وقطر لدعم طالبان.
تتوجس الهند من أن وقوع أفغانستان تحت سيطرة طالبان سيعيد على الأرجح ما تعتبره تشدداً إسلامياً في منطقة كشمير المتنازع عليها (والتي ألغت الهند في عام 2019 الوضعَ الخاص الذي كان ممنوحاً لهم بنوع من الحكم الذاتي) وبقية المناطق المجاورة.
ليس من المستغرب إذاً أن تتخذ نيودلهي موقفاً دبلوماسياً قوياً ضد الإطاحة العنيفة بالنظام السياسي الحالي في كابول، حتى عندما فتحت سبلاً للتواصل مع طالبان. ومن ثم، ترى الهند أنها تحتاج إلى شريك إقليمي قوي لكي تتمكن من تعزيز موقفها السياسي على الأرض ويكون لها نفوذ على أي تداعيات يدفع إليها الوضع في أفغانستان. وفي حسابات نيودلهي، طهران هي ذلك الشريك.
ماذا تمثل أفغانستان بالنسبة للهند؟
لا يبدو أن عودة طالبان إلى السلطة ستعيد التحالف الهندي الإيراني الروسي القديم في مواجهة الحركة؛ إذ إن موسكو تتقبل طالبان هذه المرة، وإن كان بنوعٍ من الشك، كما تركِّز من جهة أخرى على العمل الوثيق مع إسلام أباد. كما أن الصين، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع باكستان وروسيا ولديها علاقات متدهورة مع الهند، تبدو منفتحة أيضاً على ضربٍ من التطبيع المبكر مع طالبان.
كل هذه التحالفات المناهضة تجعل إيران أهم شريك محتمل للهند في أفغانستان، ولأسباب ليس أقلها إتاحة الوصول الجغرافي الذي يسمح للهند بإيصال المساعدات المدنية والعسكرية للحكومة الأفغانية التي تواجه طالبان. وهذه الجهود ليست جديدة: فمنذ سقوط طالبان مع الغزو الأمريكي في عام 2001، استثمرت الحكومات الهندية المتعاقبة في إنشاء طرق وصول بديلة إلى أفغانستان عبر إيران.
ولهذه الأسباب أولت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اهتماماً خاصاً بالبنية التحتية لوسائل النقل التي تربط إيران بأفغانستان. وفي هذا السياق، تسهم الهند في بناء ميناء تشابهار الواقع على الساحل الجنوبي الشرقي لإيران، كما تروِّج الآن لميناء تشابهار بوصفه خياراً قابلاً للاعتماد عليه في ربط آسيا الوسطى وأفغانستان بمنطقة بحر العرب عبر إيران، وتطرحه بديلاً للممر الاقتصادي القائم بين الصين وباكستان.
العلاقة بين الهند وإيران إلى أين؟
على الرغم من ذلك، فإن أي تعاون بين الهند وإيران يظل مقيداً بعدة عوامل: أولها، أن كلا البلدين، وإن كانا يشتركان في ضربٍ من المخاوف بشأن التوجه الأيديولوجي لحركة طالبان، فإن إيران تشارك الحركة مشاعرَ العداء الشديدة لأمريكا. كما أن طهران حافظت على اتصالات وثيقة لها بحركة طالبان، ليس فقط كوسيلة تحوط في حال عودة الحركة إلى السلطة، لكن أيضاً كأداة مفيدة في سبيل العمل من أجل إخراج القوات الأمريكية من جوارها الأفغاني. أما الهند، فإن علاقاتها بحركة طالبان أقل مرونة بكثير من علاقة إيران بالحركة، لأسباب عدة أهمها انحياز الحركة الواضح لباكستان في نزاعها طويل الأمد مع الهند.
ثانياً، قد يكون دعم إيران المحتمل لحكومة كابول ضد طالبان سلاحاً ذا حدين في يد كابول، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أنشأت إيران لواء "فاطميون"، المكون من مقاتلين أفغان شيعة ونشرته في سوريا، وفي وقت سابق من هذا العام، عرض وزير الخارجية الإيراني خدمات اللواء على الحكومة الأفغانية، لكن كابول أبدت القلق من أن تؤدي الاستعانة بهذا النوع من الميليشيات إلى مزيدٍ من تأجيج المشاعر الطائفية في البلاد. في المقابل، تنحو نيودلهي إلى نهج محافظ بالفطرة حيال هذه الأمور وتفضِّل أشكال الدعم التقليدية لحكومة كابول أو إنشاء تحالف واسع لمواجهة طالبان بدلاً من الاستعانة بميليشيات طائفية.
ختاماً، لم تغفل الهند في أي وقت عن أن إيران، التي لها حدود مشتركة مع أفغانستان وباكستان، لطالما كانت فاعلاً حاسماً في الجغرافيا السياسية للمنطقة. وقد عززت الاتصالات رفيعة المستوى التي أجرتها الهند مؤخراً مع إيران آمال نيودلهي في أن تجلب علاقات رئيسي الوثيقة بالمرشد الأعلى الإيراني، على خامنئي، قدراً أكبر من التماسك لسياسات إيران الإقليمية. وتأمل الهند أيضاً في أن تتمكن إيران بقيادة رئيسي من تهدئة التوترات مع الولايات المتحدة وتخفيف حدة الصراعات مع جيرانها العرب في الخليج. سيبدي المتشككون دهشتهم من هذه الآمال ويعتبرونها مفرطة في طموحها، لكن مع تدهور الوضع في أفغانستان، فليس أمام نيودلهي من سبيلٍ سوى البناء على الخيارات القليلة التي لديها مع إيران، والعمل على إدارة أي عواقب جانبية قد تنشأ عن ذلك.