على وقع "الإجراءات الاستثنائية" التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد وجمّد بموجبها عمل البرلمان، أصدرت حركة النهضة التونسية الخميس بياناً إثر انعقاد مجلس الشورى للحركة، قالت فيه إنه من الضروري القيام بـ"نقد ذاتي" معمق لسياساتها في المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية وتجديد برامجها وإطاراتها.
وأضافت الحركة صاحبة الأغلبية في البرلمان التونسي أنها "تتفهّم الغضب الشعبي خصوصاً لدى الشباب، بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات من الثورة". فهل باتت الحركة تتراجع خطوات للوراء لامتصاص غضب الشارع من النخب السياسية؟ وكيف يمكن لذلك حماية الديمقراطية التونسية أو الوصول إلى حل للأزمة السياسية في البلاد؟
"النهضة التونسية" تفتح الباب أمام تغييرات مقبلة في سياستها
النهضة أكدت في بيانها إثر انعقاد مجلس الشورى على "ضرورة القيام بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها وإطاراتها في أفق مؤتمرها 11 المقرر لنهاية هذه السنة، لإعادة النظر في خياراتها وتموقعها بما يتناسب مع الرسائل التي عبر عنها الشارع التونسي وتتطلبها التطورات في البلاد".
وكان الرئيس قيس سعيّد قد أقر في 25 من يوليو/تموز الماضي تجميد أعمال البرلمان الذي يترأسه رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي وكذلك إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي الرئيس السلطة التنفيذية.
وأكدت الحركة على أنها "تتفهّم الغضب الشعبي المتنامي، خاصة في أوساط الشباب، بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات من الثورة. وتحميل الطبقة السياسية برمتها كلاً من موقعه، وبحسب حجم مشاركته في المشهد السياسي، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، ودعوتهم إلى الاعتراف والعمل على تصحيح الأداء والاعتذار عن الأخطاء".
ويقول محللون إن بيان النهضة الأخير يفتح الباب أمام تغيير في سياساتها خلال المرحلة المقبلة، وإن ما جاء في بيان الشورى، حمل بين طياته نوعاً من المرونة تجاه قرارات الرئيس قيس سعيد لم تبدها الحركة سابقا إلا أنّها أبقت على توصيف ما حصل يوم 25 يوليو/تموز "بالانقلاب على الدستور".
الحركة التي عرفت بالتزامن مع انعقاد اجتماع الشورى، تبايناً في المواقف بدا جلياً مع ما أعلنه بعض قياداتها على صفحاتهم عقب نشر تدوينة نسبت لرئيس الحركة راشد الغنوشي أكد فيها على ضرورة تحويل إجراءات سعيد إلى "فرصة للإصلاح وأن تكون مرحلة تحول ديمقراطي".
وتعيش تونس اليوم على وقع انتظار تعيين سعيّد لرئيس حكومة جديد وتشكيل فريقه، في حين تتواتر الدعوات في تونس من قبل الأحزاب والمنظمات بأن يقدم الرئيس التونسي خارطة طريق واضحة تبرز أهم النقاط للمراحل القادمة.
هل يلتقط قيس سعيد رسالة النهضة؟
في السياق، يقول الدبلوماسي التونسي السابق جلال لخضر، إن بيان شورى حركة النهضة ينقسم إلى 3 أجزاء، أولها "اعتبار ما حصل يوم 25 يوليو/تموز انقلاباً على الدّستور وذلك حتى لا تقع في تناقضات مع قواعدها. وثانياً وقع تجاوز الإشكال بالاستعداد للحوار وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهناك إقرار بأن الحركة تتحمل مسؤولية ما حصل بعد انسداد الآفاق والأزمة الاقتصادية والاجتماعية ما ترتب عنه نزول المحتجين يوم 25 يوليو/تموز".
ويشير لخضر في حديث لوكالة الأناضول إلى أن الجزء الثالث يهم الشأن الداخلي لحركة النهضة ويتمثل في إجراء نقد ذاتي وإعادة تقييم الموقف السياسي وتغيير الوجوه السياسية؛ وبذلك قد يكون رئيس الحركة راشد الغنوشي معنياً بمغادرة المشهد السياسي في المؤتمر القادم، المتوقع عقده أواخر العام الجاري.
وبحسب لخضر فإن "مجلس الشورى أكد على استئناف الحياة السياسية واستعداد النّهضة لمسايرة رئيس الجمهورية في الإصلاح"، وأن "الرئيس سعيد سيحترز على هذا الموقف لأنه يريد موقفاً واضحاً يتمثل في إقرار الحركة بمسؤولية ما آلت إليه الأمور وينتظر منها أن تدين الفساد وتسايره في الخطوات التي يقوم بها لمقاومته وإجراء إصلاحات في المنظومة الأمنية التي يقول إنها مخترقة حتى يجد معها أرضية للحوار".
ويضيف لخضر: "سعيد يعتبر أن النهضة تتحمل جزءاً من مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية واستشراء الفساد ومشاكل البرلمان لأنها لم تتفاعل مع ما يحصل أو تغافلت عنه ولم تقاومه". لافتاً إلى أن سعيد "يريد من النهضة أن ترتقي إلى مستوى الحدث حتى يجد أرضية للحوار وللتفاهم معها"، حسب تعبيره.
هل يقود بيان "النهضة" إلى رحيل الغنوشي عن قيادة الحركة؟
من جانبه يقول الباحث في الفلسفة السياسية قاسم الغربي إنه "قبيل اجتماع شورى النهضة وصدور بيانه وضع احتمالين اثنين إما إقالة أو استقالة الغنوشي وإنه إذا حدث ذلك فإنّ النهضة ستكون قد فقدت السند الشعبي وإن الغنوشي قد فقد السند الدولي".
ويضيف الغربي للأناضول: "أمّا الاحتمال الثّاني هو التمسك بالقيادة الحالية وبتوصيف ما وقع بالانقلاب والعودة إلى الدستور وهو ما يعبر عن أن الغنوشي ما زال لديه الثقة في السند الدولي". معتبراً أن "النهضة ومن خلال بيانها الأخير مطمئنة للموقف الدولي المساند لموقفها بعودة المؤسسات الدستورية".
ويشير الغربي إلى أن النهضة "قامت ببعض الإشارات في علاقة بوضعها الداخلي ولفتت إلى ضرورة المراجعة وهي لا تخير أن تكون تحت ضغط الوضع السياسي الرّاهن وستؤجل النقد الذاتي إلى حين انعقاد المؤتمر".
لافتاً إلى أن "الحركة وعدت بأن المؤتمر سيكون نهاية هذه السنة وأنه في المستقبل القريب ستشهد المرحلة تشكيل جبهة وطنية لعودة مؤسسات الدولة للاشتغال".
وحول إمكانية حدوث انقسام داخل النهضة، يقول الدبلوماسي لخضر: "منذ عام كانت الشرارة الأولى للانقسامات في صلب الحركة، تحديداً عندما تم الإعلان عن عريضة ممضاة من قبل 100 قيادي فيها تطالب الغنوشي بعدم الترشح لرئاسة الحركة في المؤتمر القادم".
ويتابع لخضر: "اليوم انفجر الوضع أكثر، فبعد 25 يوليو/تموز خلقت انقسامات حتى في الدائرة القريبة من الغنوشي نفسه، ليصبحوا من أكبر النّاقدين له"، في الإشارة للانتقادات التي خرجت مؤخراً من بعض أعضاء الحركة.
ومؤخراً خرجت انتقادات علنية من قيادات بارزة بالنهضة لسياسات الحركة، أبرزها ما قاله القيادي فيها سمير ديلو، في 29 يوليو/تموز، بأن أغلبية القيادات الحالية في النهضة ساهمت بشكل كبير في تردي الأوضاع وتفاقم الصراعات والانقسامات داخل الحزب.
ويعتبر لخضر أن "الاجتماع الأخير للنهضة حمل نقاشاً حاداً، بينما هناك أطراف من خارج الحركة ومساندة للرئيس سعيد تريد التخلص من الغنوشي من خلال أبناء النهضة أنفسهم".
فيما، يعتبر قاسم الغربي أنّ "الانقسام الحاصل داخل الحركة يعبر عن الخلاف القديم بين من يقدمون أنفسهم على أنهم التيار الإصلاحي داخل الحركة، والموالين للغنوشي". وزاد أنّ "بيان مجلس الشورى ليس فيه إشارة لاستقالة الغنوشي أو شيء من ذلك القبيل وإنما كان هناك صراع قديم فجرته الأحداث الحالية وليس هناك اختلاف داخل جسم النهضة حول ما حصل يوم 25 يوليو/تموز".
"انقلاب قيس سعيد يفقد زخمه"
ونقل موقع Middle East Eye البريطاني مساء الخميس عن مصادر أجنبية، أن الأمريكيين نقلوا رسائل طمأنة ودعم إلى الغنوشي رئيس البرلمان التونسي، إضافة إلى قادة حزبيين آخرين.
حيث نقل الموقع عن مصادر تونسية وإيطالية، قولها إن سفراء من ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة طلبوا من قيس سعيد إعادة عمل البرلمان بأسرع ما يمكن، ونقل التقرير عن مصادر تونسية مطلعة، قولها إن الأمريكيين "منعوا قيس سعيّد من تنظيم مسيرة حاشدة لصالح الاستيلاء على السلطة".
ويقول الموقع البريطاني أيضاً إن انقلاب الرئيس التونسي يفقد زخمه، إذ إنه لم يحصل على الدعم الأجنبي الذي يحتاجه لإدارة البلاد بمفرده، وتدرك دوائر أوسع، من التونسيين في الداخل الآن من هم الذين يديرون الدولة والحكومة والقضاء.
من جهته يعتبر لخضر أنّ "البلاد أمام العديد من الاحتمالات وتعيش في ظل وضع استثنائي فكل السلطات بيد سعيد الذّي لديه هواجس الوضع الأمني والاقتصادي والبحث عن حلول".
وأشار إلى أنّ" القيام بإصلاحات هيكلية تتطلب اللجوء لشركاء تونس من المؤسسات المالية على غرار صندوق النقد مثلاً التي لديها وجهة نظر بالتأكيد على ضرورة احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة واحترام دولة الحقوق والمؤسسات".
مضيفاً أنّ "المعادلة صعبة أمام قيس سعيد، تتمثل في كيفية إيجاد صيغة متوازنة ترضي قواعده الغاضبة على الوضع وترضي في الآن نفسه المؤسسات المالية ويحافظ على الحقوق والحريات".