تقلّد الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، منصبه رسمياً يوم الخميس 5 أغسطس/آب بعد فوزه في الانتخابات التي أُجريت في يونيو/حزيران الماضي، وتضمنت استبعاد أي منافس محتمل له بطريقة ما. ويقول معارضون إن فوز رئيسي كان مُصمَّماً ليعكس اختيار القائد الموجِّه لرئيسي وحليفه، المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي.
لفتت الانتخابات الانتباهَ إلى دور الرئيس الإيراني في نظام حكم يُهيمن عليه الملالي (رجال الدين الشيعة) منذ الثورة الإيرانية التي أطاحت النظام الملكي المدعوم من الولايات المتحدة قبل أكثر من أربعة عقود.
فعلى الرغم من أن النظام ينطوي على بعض الضوابط والتوازنات، فإن السلطة يتزايد تمركزها في أيدي المرشد الأعلى، الذي يتمتع بموجب الدستور الإيراني بسلطة أكبر من سلطة الرئيس، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
يسلط هذا التقرير الضوءَ على رئيس إيران الجديد، ويستعرض السلطات التي يمتلكها، والتي لا يمتلكها.
من هو إبراهيم رئيسي؟
حتى الشهر الماضي، كان رئيسي، البالغ من العمر 60 عاماً، رئيساً للسلطة القضائية في إيران. قضى قسطاً كبيراً من حياته المهنية مدعياً عاماً وهو مدرج في قائمة العقوبات الأمريكية بسبب سجل انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، بحسب ما تقول الصحيفة الأمريكية.
يُنظر إلى رئيسي على أنه أحد المقربين من المرشد الأعلى خامنئي، والأخير هو المسؤول إلى حد كبير عن صعود رئيسي إلى سدة الحكم. يشترك كلاهما في نوع من الارتياب العميق تجاه الغرب عموماً، وفي كراهية غالبة حيال الولايات المتحدة خصوصاً. ويُعتقد أن رئيسي هو الخيار الأبرز لدى خامنئي لتولي منصب المرشد الأعلى من بعده.
ما هو نظام الحكم في إيران؟
تنقسم الحكومة الإيرانية إلى سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وتُعقد انتخابات لاختيار الرئيس وأعضاء البرلمان والمسؤولين المحليين، لكن السلطة في البلاد محكومة أيضاً بتسلسل هيراركي ديني يُشرف على الإدارة المدنية.
تقع معظم سلطات هذا التسلسل الهيراركي في حيازة الهيئة التنظيمية الرئيسية في البلاد والتي تُعرف باسم "مجلس صيانة الدستور"، وهي مجموعة من 12 رجلاً، نصفهم من رجال الدين الذين يعينهم المرشد الأعلى، والنصف الآخر يختارهم البرلمان بناء على توصيات من رئيس السلطة القضائية، الذي يُعينه المرشد الأعلى أيضاً. ويقوم هذا المجلس على فحص جميع القوانين التي يقرها البرلمان وتُشترط موافقته على المرشَّح لمنصب الرئيس، ما يعني أن له سيطرة هائلة على إدارة أمور البلاد.
أمَّا المرشد الأعلى، فتختاره هيئة خاصة من رجال الدين تُعرف باسم مجلس خبراء القيادة الإيراني. وعلى الرغم من أنها هيئة منتخبة، فإن المرشحين لعضويتها يخضعون أيضاً للفحص من مجلس صيانة الدستور.
من ابتكر هذا النظام؟
الهيكل الأصلي لهذا النظام أقرَّه المرشد الأعلى الإيراني الأول، آية الله الخميني، الذي أنشأ نظاماً هجيناً للجمهورية الإيرانية الجديدة بعد انتصار الثورة في عام 1979. ويقول محسن ميلاني، الباحث الإيراني والمدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية التابع لجامعة جنوب فلوريدا، إنه نظام مركَّب من "جزء غير منتخب وجزء منتخب- الجزء الجمهوري".
نصَّ الدستور الذي وضع في عهد الخميني على أن المرشد الأعلى هو القائد الأعلى للبلاد في هرم السلطة الحاكم، وأن لديه سلطة إقالة الرئيس، لكن في عهد خامنئي الذي شغل منصب الرئيس في عهد الخميني وخلفه في منصب المرشد الأعلى بعد وفاته في عام 1989، عُدِّل الدستور لمنح المرشد الأعلى مزيداً من السلطة.
ما حجم السلطات التي يحوزها المرشد الأعلى على وجه التحديد؟
المرشد الأعلى هو قائد القوات المسلحة، ومنها فيلق الحرس الثوري الإسلامي، وهي قوة شبه عسكرية لديها سيطرة واسعة على مختلف شؤون البلاد الداخلية. ويمتلك المرشد الأعلى سلطة إعلان الحرب والعفو عن الأسرى، وله القول الفصل في جميع مسائل الأمن القومي والسياسة الخارجية، ويشمل ذلك المسائل المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني ومفاوضات العودة إليه المعرضة الآن لخطر الانهيار.
وبالإضافة إلى حيازته سلطةَ تعيين رئيس السلطة القضائية، يختار المرشد الأعلى أو يؤثر بشدة في خيارات المناصب الرئيسية في حكومة الرئيس المنتخب، لا سيما مناصب وزارة الدفاع، والوظائف الخارجية، وحقائب الاستخبارات والأمن الداخلي. كما أنه يسيطر على وسائل الإعلام الحكومية.
ويقول مهرزاد بروجردي، وهو باحث بارز في الشؤون الإيرانية بجامعة فرجينيا للتقنية، إن "المرشد الأعلى هو السلطة النهائية في النظام الإيراني. فهو الشخص الذي يرسم السياسات العامة للنظام بأكمله".
ما هي صلاحيات الرئيس الإيراني؟
على الرغم من أنه تابع للمرشد الأعلى في العموم، فإن الرئيس يمتلك بعض السلطات -ضمن حدود معينة- بصفته الرئيس الرسمي للدولة.
يتولى الرئيس تعيينَ وزراء المناصب الاقتصادية الرئيسية. ويوقع المعاهدات ويشرف على الميزانية العامة ويُسيطر على الهياكل المدنية للهيئات الحكومية المسؤولة عن الأشغال العامة والرعاية الصحية والطاقة الكهربائية والمياه والموارد الطبيعية الأخرى.
ويستمد الرئيس سلطته من المرشد الأعلى باعتباره الشخص المسؤول عن تنفيذ سياسات المرشد وتوجيهاته.
ما المشكلة الأشد إلحاحاً في قائمة رئيسي بعد توليه الرئاسة رسمياً؟
يعتبر تردي الوضع الاقتصادي الإيراني، الذي تفاقم بسبب الوباء ومشكلات نقص المياه والآثار المدمرة للعقوبات الأمريكية، معضلةَ رئيسي الأشد إلحاحاً. وهو في أمس الحاجة إلى إيجاد طريقة لإنهاء تلك العقوبات أو تخفيفها أو التحايل عليها.
هل يملك رئيسي سلطةَ تحدي المرشد الأعلى للبلاد؟
أوضح خبراء إيرانيون أن رئيسي، وهو تلميذ سابق لدى خامنئي، يُنظر إليه على أنه أبعد ما يكون عن الاختلاف مع المرشد الأعلى، وأن مجرد تلميحه إلى الاختلاف معه أمر مستبعد بوجه عام.
يقول بروجردي: "من الأهمية بمكان أن نستوعب جيداً أن رئيسي كان شخصاً مغموراً لا وزن له، حتى قرر المرشد الأعلى تحويله إلى أحد المقربين منه وتعيينه في مناصب بارزة".
أما غاري سيك، هو باحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا ومستشار سابق للشؤون الإيرانية بالبيت الأبيض، إن الحكم على رئيسي متوقفٌ على مدى قدرته على تحسين حياة الإيرانيين، حتى من لم ينتخبه منهم.
وفي مقال حديث له، كتب سيك أنه ما دامت إيران تحت سيطرة المسؤولين المحافظين، فلا سبيل أمام رئيسي لإلقاء اللوم على المسؤولين الأكثر اعتدالاً في أي إخفاقات تشهدها فترة رئاسته. وأشار إلى أن الميزة التي يحظى بها رئيسي الآن بهيمنة المتشددين المؤيدين له على جميع أركان الحكومة، قد تتحول إلى نقمة عليه مع أي فشل قريب.