قبل أشهر من إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد "تدابيره الاستثنائية"، وتحديداً عقب أزمة اليمين الدستورية للحكومة، تعالت أصوات أحزاب ومنظمات وشخصيات تطالب بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة كحلّ للخروج من الأزمة السياسية وتعثّر الحوار. وفي يونيو/حزيران الماضي، أيدت هذه الدعوات كتل سياسية ومنظمات وشخصيات بارزة بينها حركة النهضة (53 مقعداً من أصل 217)، والاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية)، ومن قبلهم الرئيس التونسي الأسبق، محمد المنصف المرزوقي في أبريل/نيسان، ومن قبله رئيس الحكومة التونسية السابق رئيس حزب "تحيا تونس" (10 مقاعد)، يوسف الشاهد.
هؤلاء جميعاً كانت دعوتهم وتأييدهم للخطوة بغرض الخروج من مأزق رفض سعيد أداء الوزراء الجدد بحكومة هشام المشيشي، اليمين الدستورية، معتبراً أن التعديل شابته "خروقات"، وهو ما يرفضه المشيشي.
الدعوات لانتخابات مبكرة تتجدد في تونس.. هل تكون المخرج للأزمة؟
الدعوات لانتخابات مبكرة تصاعدت من جديد، بعد إعلان سعيّد، قبل أسبوع، تجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن النّواب، وترؤسه النّيابة العامة، بالإضافة إلى إقالة رئيس الحكومة، وأن يتولى هو بنفسه السّلطة التّنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها.
إلا أن سعيد لم يستجب، حتى مساء الإثنين، لأي من تلك الدعوات، سواء السابقة لإعلان قراراته الاستثنائية أو اللاحقة لها، والتي خرجت أيضاً من قوى ومنظمات ذات ثقل سياسي.
فبعد أن اعتبرت حركة "النهضة" إعلان سعيّد "انقلاباً على الثورة والدستور"، قالت الحركة في بيان الثلاثاء، إنها "من أجل الخير للحياة الديمقراطية مستعدة لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة ومتزامنة، من أجل ضمان حماية المسار الديمقراطي، وتجنب كل تأخير من شأنه أن يُستغل كعذر للتمسك بنظام استبدادي".
وفي هذا الإطار، قال النائب عن حزب "تحيا تونس" وليد جلاد، في تصريحات إعلامية، الجمعة، إن "الحل للخروج من الأزمة لن يخرج عن الذهاب إلى انتخابات مبكرة بنظام سياسي وقانون انتخابي مختلفين، وما يحوم بالأمر من تعقيد، أو عودة البرلمان إلى العمل دون النواب الذين تلاحقهم شبهات فساد".
وفي السياق ذاته، نقلت وسائل إعلام تونسية عن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (دستورية مستقلة) نبيل بفون قوله، الأسبوع الماضي، إن "قرارات الرئيس لا تطابق أحكام الدستور، ومن شأنها إرباك المسار العام". وأوضح بفون أنه "لا يمكن التوجه نحو انتخابات مبكرة سابقة لأوانها في ظل الفراغ الدستوري".
هل يدعو قيس سعيد إلى انتخابات مبكرة في تونس؟
حول فرص ذهاب سعيد في خيار الانتخابات المبكرة، قال المحلل السياسي التونسي محمد ضيف الله، للأناضول، إنه "إلى الآن لم يصدر عن رئاسة الجمهورية ما يشير إلى الخطوة التي سيتم اتخاذها بعد الإجراءات التي أعلنها سعيد".
وأضاف ضيف الله: "أعتقد أن سعيّد لا يؤمن بالانتخابات كما كانت تجري سابقاً، إذ له نظرة أخرى لطريقة الاقتراع على الأفراد لا على القوائم الانتخابية الحزبية والمستقلة مثلما ينص عليه القانون الانتخابي الحالي، وهذه النظرة تتطلب وقتاً ليقنع بها الأطراف السياسية، وتعديلاً للقانون الانتخابي".
وتابع ضيف الله: "أعتقد أن الخطوة القادمة ستكون تغيير النظام الانتخابي، وهذا يتطلب وقتاً غير منظور، خاصة أن رئاسة الجمهورية لم تفصح إلى الآن عن الخطوات القادمة". ورأى أن "رئيس الجمهورية يريد أن يطبق ما هو مقتنع به فقط".
وأردف: "أعتقد أن قيس سعيد على قناعة تامة ومتمسك بآرائه، ويحاول فرضها دون حوار أو نقاش ودون اعتبار للآخرين".
من جانبه، رأى رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي والمؤرخ التونسي عدنان منصر أن "الذهاب إلى انتخابات مبكرة هو الحل الذي يمكن أن يتم حوله نقاش بين الرئيس والائتلاف البرلماني الحاكم"، في إشارة إلى أحزاب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة التي كانت تدعم حكومة المشيشي.
وقال منصر للأناضول إنه "من المفترض اليوم أن يكون الرئيس أحد الضمانات للعودة إلى وضعية الفصل بين السلطات، أي وضعية ما قبل قرارات 25 يوليو/تموز المنقضي".
وأضاف: "على رئيس الجمهورية أن يعطي التزاماً بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، ولو تطلب الأمر إجراء استفتاء شعبي على وضع قانون انتخابي جديد واستفتاء على تعديل الدستور وما إلى ذلك". واعتبر منصر أن "الخروج من النفق الحالي لا يتم إلا بالالتزام بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أجل معقول".
معضلة الدستور التونسي
ووفق الدستور التونسي، فإن الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة تكون في الظروف الاستثنائية للبلاد، على غرار وجود فراغ نهائي في حالة وفاة رئيس الجمهورية، وهنا يتولى رئيس البرلمان رئاسة الجمهورية وقتياً، ويدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة.
أما الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة فإنها في يد رئيس الجمهورية، وفق الدستور، وتكون في حالة حل البرلمان (يحل البرلمان في حالة واحدة إذا فشلت الأحزاب الفائزة في تشكيل حكومة ومنحها الثقة بعد أجل 4 أشهر من الانتخابات التشريعية).
وأجريت آخر انتخابات تشريعية بتونس، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأسفرت عن فوز حركة النهضة بالغالبية، إذ حصدت 52 مقعداً من أصل 217، قبل أن يلتحق بها نائبان مستقلان ليصبح العدد 54، ثم استقال من كتلتها نائب منذ أشهر، ليستقر عدد مقاعد الحركة عند 53، فيما جاء حزب "قلب تونس" ثانياً بـ38 مقعداً.
وجرى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وفاز بها قيس سعيّد بنسبة 72.71% من الأصوات، مقابل المرشح نبيل القروي بـ27.29% من الأصوات، وذلك بعد انتخابات الدور الأول التي جرت في سبتمبر/أيلول من العام ذاته. وبحسب القانون التونسي، تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس كل 5 سنوات، أي في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
الضغوطات الخارجية على سعيد
في السياق، تشير تقارير إلى حالة من الحراك الدولي المستمر لمنع تفاقم الأزمة في تونس، ويكتسب الموقف الدولي والإقليمي أهمية واسعة في الحالة التونسية، وتشير المعطيات إلى أن العامل الخارجي سيكون ضاغطاً على "سعيد"، لمنع حدوث حالة من الفلتان أو عدم الاستقرار، وضمان عدم ذهابه بعيداً في استعمال الصلاحيات والسلطات الدستورية.
والإثنين، أشاد الرئيس التونسي، بـ"دول شقيقة وصديقة" (لم يسمها)، قال إنها تدعم بلاده أمنياً واقتصادياً، وذلك في ظل أقاويل بشأن تلقِّيه دعماً خارجياً لقراراته الأخيرة التي فجّرت جدلاً وانقساماً واسعاً بالبلاد.
يشار إلى أن تونس تعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة مع عجز مالي بلغ 11.5% بنهاية عام 2020، فيما انكمش الاقتصاد بنسبة 8.8%؛ بسبب تداعيات جائحة "كورونا"، وتحتاج إلى اقتراض 7.2 مليار دولار، بينها نحو 5 مليارات في شكل قروض خارجية.
كان سعيد قد قرر، في 25 يوليو/تموز الماضي، إقالة رئيس الحكومة، هشام المشيشي، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعيّن رئيسَها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤّسه للنيابة العامة.
تأتي التطورات السياسية المتسارعة في البلاد، بينما كانت الحكومة التونسية تخوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يرافقه قرض يقدر بـ4 مليارات دولار.
في الإطار ذاته، قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قبل أيام، إن قرارات الرئيس التونسي ستُقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده، مؤكدةً أن "آفاق الإصلاحات ضعيفة حتى قبل هذه الأزمة".
الوكالة أضافت، في بيان تحليلي لها، أن "تحركات الرئيس الأخيرة قد تضيف مزيداً من التأخير في برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي من شأنه أن يخفف من ضغوط التمويل الكبيرة في البلاد".