نسخ باكستانية وطاجيكية وإيغورية.. هل تسعى طالبان إلى تأسيس إمارة إسلامية في آسيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/08/03 الساعة 18:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/03 الساعة 18:27 بتوقيت غرينتش
تقدم طالبان يثير القلق في دول جوار أفغانستان/رويترز

جاء الإعلان عن سيطرة ما يعرف بحركة طالبان الطاجيكية على منطقة بشمال أفغانستان ليثير القلق حول احتمال تحول البلاد إلى ساحة للجماعات الجهادية ضد دول الجوار.

فهناك واقع جديد يتشكل عند الحدود بين أفغانستان وطاجيكستان، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة The Independent البريطانية. 

طالبان الطاجيكية

الخطوة التي اتخذتها طالبان الأفغانية والتي منحت بموجبها المجموعة التي تُعرف بـ"طالبان الطاجيكية" قطاعاً استراتيجياً داخل أفغانستان، لاقت رداً من الحكومة الطاجيكية تَمثَّل في الإسراع بنشر 20 ألف فرد من القوات الطاجيكية عند الحدود التي تفصل بين البلدين.

ويمكن ضرب مثال آخر عبر تأثير الواقع الجديد على المسلحين الباكستانيين؛ إذ إن طالبان الباكستانية أعلنت أن "النصر" الذي حققه حلفاؤها في طالبان الأفغانية ألهمها لتصعيد جهادها الخاص ضد الدولة الباكستانية.

وتجدر الإشارة إلى أن حركة طالبان الأفغانية، التي ذُكرت بوصفها مصدر إلهام نظيرتها الباكستانية، طالما حظيت بدعمٍ من قوات الجيش والاستخبارات الباكستانية الحكومية.

الصين تخشى تأثير أفغانستان على الإيغور

يأتي بعد ذلك عامل متزايد الأهمية يتمثل في الصين. صحيحٌ أن طالبان الأفغانية التقت وزير الخارجية الصيني وانغ يي في إطار حملتها الدبلوماسية الرامية إلى إثبات أنها حكومة مسؤولة قيد الانتظار، لكن الجماعة الإسلامية تستضيف كذلك مقاتلين من سنغان، وهي المنطقة التي تقع في الصين؛ حيث تنفذ بكين حملة قمعية دموية ضد من تصفهم بالإسلاميين المتطرفين.

تتكشف السيناريوهات المعقدة، والمتضاربة أحياناً، بينما تحقق طالبان مكاسب سريعة في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بانسحاب القوات الأمريكية بسرعة. والآن صارت مساحات شاسعة من الريف الأفغاني تحت سيطرة المسلحين، الذين شنوا هجمات على مدن أفغانية، ضمّت هراة وقندهار ولشكر كاه.

بدأت المواجهة الطاجيكية عندما استولت طالبان على المناطق الحدودية ونقلت سيطرة خمس مناطق في ولاية بدخشان إلى أيدي جماعة أنصار الله، التي تعرف كذلك بطالبان الطاجيكية، وهي منظمة محظورة في طاجيكستان بتهمة أنها منظمة إرهابية.

اتهمت السلطات الأفغانية وكذلك الطاجيكية جماعة أنصار الله بالعمل مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)- ولاية خراسان. وظهرت لقطات مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاتلين يتحدثون باللهجة الطاجيكية ويعدمون جنوداً أفغاناً.

مع تنامي وجود أنصار الله، أرسلت حكومة دوشانبي وحدة مكونة من 20 ألف جندي إلى الجبهة. وقد نفذت بالفعل تدريبات عسكرية بـ23 ألف جندي من قواتها المسلحة عندما تجمعت طالبان الأفغانية في المنطقة الحدودية.

طلبت طاجيكستان مساعدة حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وألقى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو اللائمة خلال زيارته إلى دوشنابي في الموقف الأمني المتدهور على الانسحاب "المتعجل للقوات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة". وأعلن الكرملين هذا الأسبوع إرسال حوالي 1000 جندي للمشاركة في تدريبات مشتركة مع القوات المسلحة الطاجيكية والأوزبكستانية بدءاً من الخميس القادم 5 أغسطس/آب، إضافة إلى إرسال إمدادات عسكرية عاجلة إلى طاجيكستان.

وبصفة عامة من بين كل جيران أفغانستان، تبدو دول آسيا الوسطى الأكثر قلقاً من صعود طالبان مع تسارع الانسحاب الأمريكي من البلاد.

فهذه الدول هي الأضعف عسكرياً واقتصادياً من بين كل جيران أفغانستان، وهي دول فقيرة ومستبدة تحكمها أنظمة من بقايا الشيوعية، تتسم بالقلق من التوجهات الإسلامية المعتدلة والمتشددة على السواء.

والأهم أن بعض هذه الدول تركيباتها العرقية امتداد لعرقيات أفغانستان، فنحو 22% من سكان أفغانستان من الطاجيك، و9% من الأوزبك، و3% من التركمان؛ مما يجعل أي تطورات في أفغانستان تؤثر على هذه البلدان التي كانت تاريخياً على علاقة وثيقة مع العالم الإسلامي عبر إيران وأفغانستان، لكن انقطعت هذه الصلة بعد احتلال الروس لهذه البلاد في القرن التاسع عشر.

إيران : أزمة أو فرصة

إيران سعيدة باستبدال خصمها اللدود الولايات المتحدة، وستحاول الاستفادة من ذلك في تعزيز وجودها بالمنطقة.

إضافة إلى رغبتها في حماية أقلية الهزارة الشيعية بأفغانستان والاستفادة منها، تأمل إيران بناء روابط أمنية مع الحكومة الأفغانية، وهي بطبيعة الحال تقلق من طالبان المعادية لإيران الشيعية لأسباب مذهبية.

في حالة قيام دولة طالبان أو تمزُّق أفغانستان، سيتعين على إيران مواجهة تهديدات الأمن القومي التي تلوح في الأفق وتدفق اللاجئين الأفغان.

باكستان تدعم طالبان، ولكن النسخة الباكستانية تحارب ضد إسلام أباد

على جانب آخر، تعهدت طالبان الباكستانية بتكرار النجاح الذي حققه حلفاؤها الجهاديون على الجبهة الأفغانية؛ إذ تعهد قائد طالبان باكستان، مفتي نور والي محسود، بشن حرب مقدسة ضد حكومة عمران خان الباكستانية، وقال إنه تمنى الحصول على دعم من طالبان الأفغانية التي حصلت على دعمٍ من حركته خلال صراعهم المسلح.

أخبر والي محسود زعيم طالبان باكستان مراسل شبكة CNN: "إن نصر طالبان الأفغانية هو نصر كل الشعوب المسلمة، والعلاقات معهم مستندة إلى الأخوّة والتعاطف والمبدأ الإسلامي". 

وقال: "إن قتالنا مع باكستان لأننا في حرب مع القوات المسلحة الباكستانية".

طالبان الطاجيكية
الصين وباكستان قلقتان من الوضع في أفغانستان/رويترز

وأضاف محسود، الذي تولى مؤخراً قيادة المنظمة المحظورة في باكستان التي نفذت سلسلة من الهجمات القاتلة في البلاد، أن المرحلة الأولى من الحملة هي انتزاع السيطرة على مناطق خيبر بختونخوا القبلية.

مع وجود الزخم العسكري على ما يبدو في جانب طالبان الأفغانية، أجرى مسؤولو الحركة لقاءات مع وزراء ومسؤولي دول أخرى، من بينها الصين وروسيا وإيران، بل الهند التي تعد أشد خصوم رعاتها (الحكومة الباكستانية)، حسب The Independent البريطانية. 

مقاتلون من الشيشان والإيغور

التقى وفد من طالبان وزير الخارجية الصيني وانغ يي، فيما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن مشاركة بكين في أفغانستان يمكن أن تكون "إيجابية" إذا أدت إلى "حل  سلمي للصراع" ومهدت الطريق إلى حكومة "تمثيلية وشاملة بحق" تحكم البلاد.

لكن وجود المقاتلين الأجانب في البلاد سوف يعيق فرص الوصول إلى "حل سلمي للصراع". فليس المقاتلون الطاجيك فقط هم الذين ثبت وجودهم مع طالبان الأفغانية في ولاية بدخشان، بل كان هناك كذلك مقاتلون من الشيشان والإيغور من سنغان، وذلك وفقاً لعدد من المسؤولين من بينهم نائب حاكم الولاية، أختر محمد خيرزادة.

قال مسؤول أمني أفغاني كبير: "تدَّعي طالبان أن (أعضاءها) أبطال عظماء للمسلمين، لكنهم لم يشتكوا قط بشأن ما يحدث للسكان الإيغور في سنغان. يستمر لعبهم على الوجهين، في الوقت الراهن، باستضافة من وصفهم بالـ"متطرفين من الإيغور".

وأضاف: "الحقيقة التي تشير إلى أنهم يسمحون للإسلاميين الطاجيك بالسيطرة على مناطق في أفغانستان تكشف عن أن هدفهم الحقيقي تأسيس إمارة إسلامية عبر عدد من البلاد. ثمة جماعات متطرفة أخرى تحمل نفس الهدف، وهو السبب في أن البلاد التي تتدخل بقوة في أفغانستان، مثل باكستان، قد تندم على ما تفعل". 

نفذت حركة طالبان باكستان 32 هجوماً داخل باكستان منذ بداية هذا العام.

أقرَّ مستشار الأمن القومي الباكستاني مؤيد يوسف بأن الموقف الأمني في أفغانستان كان "سيئاً للغاية" وادّعى أنه "خارج سيطرة باكستان". وقال المتحدث باسم القوات المسلحة في باكستان اللواء بابار افتخار، إن أي حرب أهلية أفغانية كان لا بد أن تتسرب خارج الحدود. وأضاف: "نحن مدركون للموقف واتخذنا كثيراً من التدابير للتعامل معه. داعش وطالبان باكستان والتابعون لهم يستخدمون قواعدهم في أفغانستان لتخطيط الهجمات وشنّها ضد القوات المسلحة الباكستانية".

الولايات المتحدة ترفع حزباً للإيغور من قائمة الجماعات الإرهابية

كررت الحكومة الصينية مؤخراً انتقاداتها بحق الولايات المتحدة لرفع الحزب الإسلامي التركستاني- الذي يسوده أعضاء من الإيغور- من قوائم الإرهاب لديها. وشدد مسؤول من بكين على أنه "حتى يوليو/تموز 2020، حددت الأمم المتحدة آلاف الإيغور في صفوف داعش الذين يقاتلون في سوريا وأفغانستان".

وفي الأسبوع الماضي، دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ قيادة جيش بلاده للتشديد على تضامنه مع الحزب الشيوعي، بينما كان يحذر من حدوث صراع مسلح محتمل بجانب الشواغل الأمنية على حدود بلاده مع أفغانستان.

سوف تتواصل التقلبات والمنعطفات وحالات السقوط الناتجة عن الحروب الأهلية الطويلة في أفغانستان أثناء مغادرة الدول الغربية وترك أراض منقسمة وممزقة؛ إذ إنه شيء فعله الغرب من قبل بكل تأكيد، أي المغادرة بعد استخدام المجاهدين ضد روسيا. وكانت النتيجة، كما نعرفها، خلق مجال غير محكوم وتأسيس معسكرات تدريب للإرهابيين- بما فيها القاعدة- وهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ضد أمريكا.

تحميل المزيد