ينتظر التونسيون إعلان الرئيس قيس سعيّد اسم رئيس الحكومة الذي سيقود السلطة التنفيذية في البلاد، بعد إعلانه عن قراراته الأخيرة الأحد 25 يوليو/تموز 2021.
إلا أن سعيّد لم يبادر إلى ذلك، حتى الآن، ما ألقى بشكوك حول المسار السياسي المستجد في تونس، وأثار قلقاً داخلياً وخارجياً.
غياب "خريطة طريق"
الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي يفسر عدم إعلان سعيّد عن رئيس الحكومة باحتمالين اثنين: الأول، أنه قد لا يكون للرئيس قيس سعيد خريطة طريق واضحة ومتفق عليها بين الأطراف والشخصيات التي تعمل معه.
أما الاحتمال الثاني، فهو أن سعيّد ربما يفضل الإعلان عن خريطة الطريق بطريقة "قطرة- قطرة"؛ للحفاظ على الغموض والمفاجأة لدى المساندين له.
ويرى الحاجي أن "تأخير إعلان رئيس حكومة بعد نحو أسبوع من إجراءات 25 يوليو/تموز، أصبح يطرح عدة تساؤلات في اتجاهات غير مطمئنة".
ويتساءل: "لماذا لم يعلن سعيّد عن رئيس الحكومة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إدارة، إذ ثمة ملفات وطنية عدة متراكمة".
ويرى الحاجي أنَّ "تجاهل الرئيس لذلك غير مطمئن. فهل هناك صراع في محيط الرئيس حول شخصية رئيس الحكومة؟"، مؤكداً أن "الاستنتاجات تترك الباب مفتوحاً أمام التخوفات".
إلا أن المحلل السياسي نصر الدين بن حديد يعتبر أنَّ تأخر الرئيس سعيّد عن إعلان خريطة طريق وتعيين رئيس حكومة، يعود إلى أن "هذه الخريطة مازالت قيد النقاش بين الاتحاد العام التونسي للشغل وأطراف إقليمية ودولية".
والأهم في تفسير "بن حديد" لهذا التأخر هو أن "الأسماء المعتبرة التي تحمل مشروعية مهنية أو تاريخية، كثير منها لن ينخرط في حكومة لسعيّد بمفرده، لأنها ستعتبر حكومة انقلاب، ويجد سعيد نفسه مجبراً على الإتيان بشخصيات مجهولة سياسية، بحجة أنه ينوي تشكيل حكومة تكنوقراط".
هل يحاول سعيّد ربح الوقت لفرض أمر واقع؟
يرى الحاجي أن "لدى التونسيين تخوفات، لأنه كلما امتد العمل بالتدابير الاستثنائية كانت هناك خشية من أن تتحول إلى تدابير دائمة".
ويضيف: "هناك أيضاً تخوُّف من أن يكون سعيد يريد الإشراف على كل دواليب الدولة"، مشيراً إلى أن "مركزة الحكم تتطلب وجود شخص واحد فقط".
ووفق الحاجي، فإن إعلان حكومة يتطلب التزامات دولية لتونس، منها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
هل استحال التراجع عن "القرارات"؟
وحول الانتقال إلى مخطط آخر في ذهن الرئيس، مثل التراجع عن قرارات 25 يوليو/تموز، يؤكد الحاجي أن سعيّد لا يمكنه أن يعود إلى ما قبل ذلك التاريخ.
ويذهب الحاجي إلى أن "البرلمان لن يعود إلى العمل؛ ذلك أنَّ رفض الحوار واضح وصريح من جانب رئيس الجمهورية".
ويستدرك أن "عبارات الطمأنة التي قدمها سعيّد للمنظمات الوطنية قد تبقى في مستوى اللفظ، ولا أرى أننا سنعود بسرعة إلى وضع عادي"، مشيراً إلى أن الضغوط الدولية يمكن التفاعل معها بطريقة ربح الوقت واتخاذ خطوات لا تسمح بالعودة إلى الوراء.
"خريطة" اتحاد الشغل.. وموقف البرلمان
يختلف "بن حديد" مع الحاجي في مقاربة المشهد التونسي، إذ يعتبر أن "رئيس البلاد مُجبر بفعل ضغوط داخلية وإقليمية على أن يختار حكومة وفق خريطة الطريق التي سيعلنها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية)، لأنه في حال عدم التنسيق مع الاتحاد والمجتمع المدني والمجتمع السياسي.. ستصطدم هذه الحكومة بالبرلمان".
ويتابع "بن حديد" أن الاتحاد الأوروبي يصر على عودة البرلمان إلى عمله، وفرنسا وضعت تاريخ 25 أغسطس/آب المقبل، كآخر مهلة لذلك.
ويضيف: "بمجرد إغلاق باب تفعيل الفصل الـ80 من الدستور، ستجد الحكومة نفسها أمام البرلمان الذي يطعن فيها.
وينص الفصل الـ80 من الدستور على أن "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدِّد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تُحتِّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب".
كما ينص الفصل ذاته على أن "مجلس نواب الشعب (البرلمان) يعتبر في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة، وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب، كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة".
ووفق "بن حديد"، فإن "الحل الذي يرجوه الجميع أن تجد الحكومة قبولاً أو عدم رفض، لتصبح الحكومة شرعيةً من وجهة نظر البرلمان".
إزاحة صورة "الانقلابي"
ويرى "بن حديد" أنه "إذا وافق البرلمان على حكومة سعيّد، يكون الأخير قد ذهب شوطاً إلى الأمام في قراءته للفصل الـ80 من الدستور، مع إزاحة صورة الانقلابي".
ويضيف: "على الرغم من سيطرة سعيّد على الوضع الأمني والعسكري في البلاد، وعلى الرغم من الزخم الشعبي الذي يحظى به والذي لا يمكن إنكاره، فإنه يحتاج شرعية داخلية واعترافاً إقليمياً ودولياً".
قلق الأطراف الدولية
على المستوى الخارجي، أبدت أطراف دولية عدةٌ قلقَها من عدم إعلان سعيّد عن خريطة طريق لإخراج البلاد من "عنق الزجاجة"، فضلاً عن تسمية رئيس حكومة جديد.
وينقل الإعلامي محمد اليوسفي عن مصادر حزبية تونسية، قلق فرنسا من عدم إعلان سعيّد عن خريطة الطريق.
ووفق تدوينة كتبها اليوسفي على "فيسبوك"، فإن السفير الفرنسي لدى تونس التقى، مساء الأربعاء، الأمين العام لحزب سياسي مقرّب من قصر قرطاج، وقال له صراحة إن فرنسا لن تتعامل مع أي حكومة في تونس مستقبلاً، في حال لم يغلق الرئيس سعيّد قوس التدابير الاستثنائية في غضون شهر، ما يعني إعادة البرلمان إلى وضعه الطبيعي.
ويعتبر اليوسفي في تدوينته ذلك "تطوراً لافتاً للانتباه، إذ يعكس رسالة تحذير غير مباشرة موجهة لرئيس الجمهورية"، ولم يصدر من جانب الرئاسة التونسية إشارة حول صحة ذلك.
وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، كان أكثر وضوحاً في المطالبة بتشكيل حكومة وعودة البرلمان.
وقال بلينكن في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، الخميس، متحدثاً عن تونس: "لدينا بواعث قلق من انحراف ذلك المسار (الديمقراطي)، واتخاذ قرارات متناقضة مع الدستور، مثل إيقاف البرلمان".
وأضاف بلينكن: "حثثت الرئيس على العودة إلى المسار الديمقراطي في أسرع وقت".
ووفق وزير الخارجية الأمريكي، فإنه يجب "تفعيل البرلمان، وأن تكون هناك حكومة تستطيع الاستجابة لمتطلبات الشعب".
وتابع الوزير الأمريكي أنَّ "سعيّد أعطى تفسيراً طويلاً للإجراءات والتدابير التي اتخذها، وكذلك نواياه في المستقبل. وهي العودة بتونس إلى المسار الديمقراطي والتصرف بشكل يتسق مع الدستور".
إلا أن الوزير الأمريكي بدا حذراً، عندما شدد على ضرورة أن يُقرن الرئيس التونسي أقواله بالأفعال.